أزمة الشرق الأوسط وست عقبات… وأوباما
سركيس نعوم
تعرف الشخصيات الاميركية المهمة التي “نصحت” للرئيس الاميركي باراك اوباما بالانخراط في عملية السلام في الشرق الأوسط واتخاذ قرارات جريئة مثل الاقتناع بأن لا سلام في المنطقة من دون “حماس”، والحوار مع سوريا بعد طول قطيعة – تعرف هذه الشخصيات ان التوصل الى السلام المنشود ليس سهلاً على الاطلاق، ولو كان كذلك لكان هذا السلام حل في الاوقات التي كان فيها قادة مؤمنون به في اميركا واسرائيل وسوريا كما في الوسط الفلسطيني المقاوم. انطلاقاً من ذلك، وتلافياً لأن يقع الرئيس اوباما في فخ الاستسهال أو عدم الالمام الكافي بالاوضاع في الشرق الأوسط، قدمت اليه هذه الشخصيات لائحة بالعقبات التي يفترض ان تواجه مساعيه السلمية.
وقد تضمنت هذه اللائحة ست عقبات هي:
1 – انعدام ثقة على المستوى الشعبي. فالفلسطينيون يعانون منذ عقود الثقل الساحق والمحبط للاحتلال وثقتهم بارادة اسرائيل انهاءه طوعاً قليلة جداً وربما معدومة. والاسرائيليون يعتبرون العنف والارهاب الفلسطينيين ضدهم تتمة لتاريخ طويل من استهداف لليهود فقط لكونهم يهودا. والاسرائيليون والسوريون يعتبرون بعضهم بعضاً غرباء يعيشون في كواكب مختلفة. والاعتقاد ان الاسرائيليين واللبنانيين يمكن ان يتفاهموا، اذا تركهم الآخرون، مات من زمان.
اما في السلام غير المكتمل السائد في دائرة تشمل اسرائيل ومصر والاردن فإن هناك القليل جداً من الدفء على المستوى الشعبي.
2 – حكومات ضعيفة وشقاق أو انقسام مزمن في اسرائيل. الحكومة النموذجية في هذه الدولة هي التي تضم احزاباً عدة اتحدت فقط بسبب رغبتها في تلافي انتخابات عامة سريعة كي تستمر ممسكة بالقرارات المفصلية. ورغم ان رغبة كهذه يفترض ان توحي انضباط المشاركين في الحكومة، فإن الطعن في الظهر غالباً ما يُمارس داخلها ومعه الخيانة. ورئيس الوزراء الاسرائيلي المهتم بصدق بحشد تأييد شعبي لسلام شامل، يحتاج الى مهارات سياسية كبيرة جداً والى دعم اميركي ثابت قد يتخذ أحياناً شكل الضغط المباشر، والى تعاون وارادة طيبة من الافرقاء العرب “المشككين” دائماً في نيات اسرائيل، واخيراً الى حظ كبير.
3 – قضية الضفة الغربية وقطاع غزة وانفصال “فتح” و”حماس”. الانشقاق او الانقسام “يُعدي” أيضاً الجانب الفلسطيني. منذ حزيران 2007 حكمت “حماس” التي رفضت شروط “الرباعية الدولية” للحوار معها، قطاع غزة. و”فتح” تحكم السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية. ولكن ليس هناك وضوح في ما يتعلق بمدى نفوذ هذه السلطة خارج رام الله. فرئيسها محمود عباس يحاول المحافظة على توازن غير سهل بين رئيس وزراء اصلاحي وكفي وحرس قديم غير كفي وفاسد. العنف الاسرائيلي – الفلسطيني داخل قطاع غزة وحوله يضعف آفاق نجاح التفاوض ويجعل التنفيذ الشامل لأي اتفاق مستحيلاً. وغياب الوحدة الفلسطينية على الأقل على شكل حكومة لكل الاراضي المحتلة يجعل من عملية السلام مشكلة صعبة الحل. ولا تستطيع اسرائيل ان تنجز سلاماً مع قسم من السلطة الوطنية الفلسطينية وليس واضحاً الى الآن على الأقل الى متى يمكن القادة الفلسطينيين المؤيدين للسلام البقاء في السلطة.
4 – نفوذ خارجي سلبي متنوع. تحاول سوريا وايران، عبر دعمهما “حماس” والفصائل الفلسطينية “الرافضة” و”حزب الله”، منع المحادثات الفلسطينية – الاسرائيلية من بلوغ نهاية ايجابية. وسوريا كان لديها منذ اتفاق اوسلو عام 1993 خوف قد لا يزال مستمراً هو: فلسطين اولاً يعني سوريا ابداً”. أما ايران فان استمرار العنف الاسرائيلي – الفلسطيني والعربي يؤمّن لها فرصة ذهبية لاختراق العالم العربي سياسياً وتالياً تهميش اميركا استراتيجياً.
5 – تسهيل اميركي غير فاعل وغير “صادر عن القلب”. ان مبادرة أنابوليس هي جهد صادق ولكن ضائع هدفه كان تعويض سبع سنوات من غياب اميركا عن محادثات سلام جدية. لقد طلبت من الاسرائيليين والفلسطينيين التفاوض بنية طيبة وبتنفيذ متزامن لـ”خريطة طريق” + “الرباعية الدولية” ولكن من دون ان يكون هناك مكان ما تستطيع اميركا منه المساعدة اذا اقتضت الصعوبات ذلك. كما انها لم تشجّع الجهود الديبلوماسية، في حال وجودها، لإدخال “حماس” أو بعض عناصرها الى “خيمة” التفاوض. وبذلك زودت المتطرفين والارهابيين قوة النقض، أي “الفيتو”.
6 – انعدام الثقة بين اميركا وسوريا. لم تكن علاقات الدولتين دافئة لكنها “تجلَّدت” بعد غزو العراق، ثم دخلت “الفريزر” بعد اغتيال رفيق الحريري. ورغم ذلك يمكن سلاماً سورياً – اسرائيلياً ان يبعد دمشق عن الدائرة الايرانية، وان يوضح طريق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ولبنان. لكن دعم اميركا للمقاربة السلمية الاسرائيلية اغضب سوريا وايران، وخصوصاً في ظل العداوة التي اظهرتها لهما وعدم استعدادها لتنفيذ ديبلوماسية “خذ واعط” معهما. ربما كان ذلك بسبب اقتناع واشنطن بوقوع سوريا في حضن ايران على نحو كامل، وباعتمادها ارهاب الدولة وتحولها عدواً دائماً لاستقلال لبنان وديموقراطيته. ادارة بوش املت في ان تجلب “المحكمة الخاصة بلبنان” قتلة رفيق الحريري الى العدالة وان تدفع نظام سوريا الى الخضوع أو الى الفرار. وهذا تحليل لم تكن توافق عليه اسرائيل.
هل يتعمّق اوباما في درس العقبات الست المفصلة اعلاه، بل في كل الدراسات التي قدمتها اليه شخصيات اميركية معروفة قبل الاهتمام المباشر والجدي بعملية السلام في الشرق الأوسط؟
من الافضل له ان يفعل ذلك، تجيب الشخصيات نفسها، لأن هذه العقبات تتعمق وتتجذر، ولأن صعوبات اخرى تنشأ كل يوم، ولأن الشعوب في العالمين العربي والاسلامي قد تكون جاهزة لاعطائه فترة سماح حالياً بعدما سمعت اطروحاته المتقدمة كثيراً على اطروحات سلفه. لكن هذه الفترة قد لا تكون طويلة جداً، لأن هذه الشعوب تؤمن بالمثل القائل: المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.
النهار