تركيا وأوباما دور وبطل
سعد محيو
لا أحد في وسعه تجاهل خطاب الرئيس الأمريكي أوباما أمام البرلمان التركي، بوصفه مجرد أحاديث عامة لن تقدّم أو تؤخّر في علاقات أمريكا مع العالم الإسلامي.
المسألة أكثر منذ ذلك بكثير، فأوباما جاء إلى اسطنبول، عاصمة أطول إمبراطورية إسلامية في التاريخ، ليعلن من هناك النهاية الفعلية ل”الحرب الضمنية” على الإسلام التي نظّر لها برتراند لويس وصموئيل هانتنغتون ونفّذها جورج بوش والمحافظون الجدد، على أنها البديل عن الحرب ضد الاشتراكية والشيوعية.
بدلاً من الحرب، عرض أوباما ليس السلام فقط، بل أيضاً الشراكة، قال: “إن شراكتنا مع العالم الإسلامي حاسمة لصدّ وردّ إيديولوجيا العنف التي ترفضها كل الأديان. والمستقبل يجب أن يكون لأولئك الذين يُبدعون لا لأولئك الذين يُدمّرون. هذا هو المستقبل الذي يجب أن نعمل من أجله.. الذي يجب أن نعمل معاً من أجله”.
صحيح أن موقف أوباما هذا نابع من نزعة براغماتية لا ايديولوجية، وصحيح أن العالم الإسلامي ينتظر منه أفعالاً تحوّل هذه الكلمات الجميلة إلى أفعال جميلة، إلى أن الصحيح أيضاً أن هذا التوجّه الجديد يغلق صفحة سوداء في تاريخ العلاقات الإسلامية الأمريكية تضمنت أحداثاً جساماً مثل غزو العراق وأفغانستان، وسجني غوانتانامو وأبو غريب، وإطلاق يد “إسرائيل” ضد فلسطين ولبنان، ويعد بفتح صفحة جديدة يأمل الكثيرون أن تكون بيضاء، أو على الأقل رمادية.
وهذه النقطة الأخيرة تصح، أكثر ما تصح، على تركيا، فزيارة أوباما لبلاد الأناضول كانت وفاء لوعد قطعه خلال الحملة الانتخابية بزيارة دولة إسلامية (لم يحددها آنذاك) لإعادة ترميم العلاقات التي دمّرها بوش والمحافظون الجدد مع العالم الإسلامي.
بيد أن المسألة على الجانب التركي تعني أكثر من ذلك بكثير. إنها تعني أن القوة العظمى الحالية في العالم اختارت القوة العظمى الإسلامية السابقة لتقدّم عبرها أوراق اعتمادها الجديدة إلى العالم الإسلامي.
مثل هذه المبادرة قد لاتكون مجرد خطوة رمزية، بل هي قد تثبت بعد قليل أنها حدث تاريخي من ذلك النوع الذي حَلِم به الرئيس التركي السابق توركوت أوزال: تحويل تركيا إلى جسر استراتيجي وحضاري للغرب إلى الشرق، ومدخل ايديولوجي وسياسي مقبول للشرق إلى الغرب.
لكن، هل ستغتنم تركيا هذه الفرصة التاريخية؟
هذا سيعتمد على عاملين: الأول، قدرة الأجنحة المدنية والعسكرية في النخبة التركية الحاكمة على بلورة اجماع حول مسألة “العثمانية الجديدة” في بُعديها المحلي والخارجي. والثاني، قدرة العثمانيين الجدد على التقدم من العالم الإسلامي ليس فقط بمبادرات دبلوماسية وتعاطفية كما يفعل الآن أردوغان وغول، بل أيضاً برؤيا شاملة حول مستقبل مُختلف للمسلمين تكون تركيا الإسلامية والديمقراطية والتقدمية والمتطورة اقتصادياً حجر الرحى فيه.
في حال تحقق مثل هذا الإجماع، فهذا لن يكون لا توسعاً إمبريالياً تركياً جديداً ولا إحياء للإمبراطورية العثمانية القديمة في حلة جديدة (على الرغم من أن الكثير من المتنوّرين العرب والإيرانيين والكرد يتحّسرون الآن على زوال هذه الأخيرة). إنه سيكون حلماً قيد التحقق بالنسبة إلى شعوب العالم الإسلامي. كما سيكون نهاية سعيدة لدراما تعيسة تمثّلت في ذلك الدور الذي كان يبحث عن بطل في العالم الإسلامي منذ أكثر من قرن وحتى الآن.
الخليج