الحالة الإيرانية الأميركية .. إشكالات
د. شفيق ناظم الغبرا
تواجه إيران صعوبة كبيرة في إمكانية التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية. فهي تتعامل مع الولايات المتحدة بحدود الممكن كما هو حاصل مع أفغانستان، وكما هو الموقف في العراق. فالسياسة الإيرانية في المحيط الاقليمي تعكس سعيها الى أن تكون دولة إقليمية رئيسة، وفي الوقت نفسه متصادمة مع الولايات المتحدة التي تمثل القوة الرئيسة التي تحد من بعض الطموحات الإيرانية الاقليمية.
ثمة تناقضات كبيرة بين إيران والولايات المتحدة تجعل الصفقة الايرانية الأميركية صعبة المنال، على رغم وجود رئيس مؤات في الولايات المتحدة.
لإيران حساباتها، وهي الآن أهم دولة ذات نفوذ في العراق، ولديها نفوذ في أفغانستان، وقوتها واضحة في لبنان، وفي غزة والقضية الفلسطينية، ولديها برنامج نووي طموح. لكن في المقابل إن أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة سوف يعني تخليها عن أكثر من جانب من خارطة هذا النفوذ العريض، بل على الأغلب أن بداية الانسحاب الأميركي من العراق وبداية التراجع الأميركي في الشرق الأوسط سوف يحدث بعض الفراغات التي ستحاول إيران ملأها.
وبإمكاننا الاستنتاج بأن الصراع المفتوح مع الولايات المتحدة يساعد النظام في إيران، ويساعد قاعدته وقوته واستمراريته، على الرغم من تدني الأوضاع الاقتصادية في إيران. فجزء كبير من شرعية الحكم في إيران لاتزال مرتبطة حتى اليوم بالمواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبالايديولوجية الإسلامية. كان هذا في السابق وسيبقى في الأمد المنظور. بمعنى آخر لا يوجد في إيران شرعية قائمة على التنمية وتلبية المطالب التعليمية والحياتية، كما هو الوضع الآن في الصين، ولا يوجد في قيادة نظامها مدرسة إصلاحية تمتلك صلاحيات كما حصل في الصين في نهاية الثمانينيات. مازالت إيران نظاما وسياسة في مرحلة سابقة لهذا التطور.
ويزيد من صعوبة مقدرة إيران على إبرام صفقة مع الولايات المتحدة، أن إيران من جهة أخرى تواجه مجتمعا إيرانيا خرج من عباءة الثورة، ويريد عالما مختلفا، ويبحث عن حريات وتنمية واقتصاد ودور أقل لرجال الدين في السياسة. فالمجتمع الإيراني يزداد مدنية في تفكيره، كما يزداد انفتاحا، وينظم حياته في أجواء مختلفة عن تلك التي تمثل الإيديولوجية الإسلامية الرسمية للدولة. هناك تناقض كبير بين أغلبية الناس في المجتمع والدولة، ما يجعل الدولة تخشى من الانفتاح والقطاع الخاص والنظام الحر والحريات والتعبير.
إن النظام الايراني لايزال في مرحلة مواجهة مع أعداء الخارج، وما يعتبرهم أيضا أعداء الداخل من المطالبين بالحريات والتنوع والتعدد. لهذا تتواجه إيران مع مصاعب المساومة مع الخارج، إذ تعتبرها إضعافا لها ولقدراتها. ولهذا تزداد إيران اعتمادا على الحرس الثوري والأجهزة الأمنية، وذلك للسيطرة على الوضع الداخلي ولمنع أي اختلاف أو انحراف عن الخط. لهذا بالتحديد انسحب خاتمي وسيكون من الصعب على رئيس إيراني إصلاحي تحقيق إصلاحات حقيقية.
إيران هي بلد الثورة الاسلامية الأولى في المنطقة، وهي بلد التغير الأول في مواجهة نظام ديكتاتوري أهمل الشعب، وأدار له الظهر. وإيران هي النظام الذي رفع من آمال الجماهير الإيرانية، كما أسهم في خلق تطلعات إقليمية شعبية ازدادت إعجابا بالأنموذج الايراني في بدايات عهده. ولكن هذه الثورة الشعبية بكل أبعادها لم تنجح في حل المشكلة التي يعاني منها الشعب الإيراني؛ عقد وراء عقد، حتى بدأ قطاع كبير من الناس ممن آمنوا بالثورة يعيشون خيبة أمل وراء الأخرى، وليس هذا بجديد في عالم الثورات، بل إنه قديم قِدَم كل الثورات عبر التاريخ. ففي إيران لم تحلّ حتى الآن مشكلة البطالة، ولا مشكلة الاقتصاد والإنسان، والتنمية والتعليم والأخلاق والفساد والقمع والعالمية. إن غياب إرادة إصلاحية حقيقية من قبل الدولة ومؤسساتها لن يسمح لإيران بالانفتاح على الولايات المتحدة في هذه المرحلة، بل إن أقصى ما يمكن لهذه المرحلة أن تقدمه هو شراء الوقت وتفادي المواجهة العسكرية، ولكن تفادي المواجهة العسكرية هو الآخر يسهم في حماية المنطقة من مواجهة غير محمودة العواقب. فالسعي للتهدئة يمثل سياسة أميركية أكثر اتزانا، ولكن إيران هي الأخرى لديها حدود لن تستطيع تجاوزها، وذلك بفضل أوضاعها الداخلية وطموحاتها الإقليمية.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت