الكرة في مرمى أوباما
بقلم سميح صعب
لم يكن متوقعاً ان يرد بنيامين نتنياهو على الدعوة الاميركية الى حل الدولتين بغير رمي الكرة في الملعب الفلسطيني عبر مطالبة الفلسطينيين بأن يعترفوا بأن اسرائيل “دولة يهودية”. وهو يعرف ان مثل هذا المطلب يعني تنازلاً فلسطينياً سيدفع ثمنه مليون ونصف مليون فلسطيني يقيمون في اراضي عام 1948، كما سيدفع ثمنه ايضاً ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات الذين لن يكون في امكانهم بعد ذلك المطالبة بحق العودة.
بكلام آخر، اتخذ نتنياهو غير المقتنع بقيام دولة فلسطينية حتى الآن، من الاقرار بيهودية اسرائيل ذريعة كي يتملص من الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين تتطرق الى قضايا الوضع النهائي. ولجأ الى هذا الشرط بعدما تبين له ان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما غير مقتنعة بـ”الخيار الاقتصادي” الذي يقترحه رئيس الوزراء الاسرائيلي من اجل تجنب الذهاب الى استحقاق الدولتين.
أكثر من ذلك. حتى الخيار الايراني بدا مقفلاً امام الحكومة الاسرائيلية الجديدة. فقبل ساعات من لقاء المبعوث الاميركي الخاص جورج ميتشل ونتنياهو، كان وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس يحذّر اسرائيل بدون لبس من الاقدام على أي عمل عسكري ضد ايران، لأن من شان ذلك ان يجر الى عواقب كثيرة على المنطقة ويزيد في تصميم طهران على الحصول على السلاح النووي. فضلاً عن ان واشنطن قد اتخذت قراراً بالدخول في مفاوضات مباشرة مع ايران لا تتناول الشأن النووي فحسب، بل تتعلق بالكثير من الملفات الاقليمية ولا سيما في افغانستان التي يعتبرها الرئيس الاميركي باراك اوباما اولوية اولوياته.
واستناداً الى ذلك، لا يريد اوباما ان يفتح جبهة ثالثة في ايران، فضلاً عن انه يدرك ان اقفال ملف الصراع العربي – الاسرائيلي من شانه ان يجفف منبعاً رئيسياً من المنابع التي تتخذها “القاعدة” حجة اساسية في الهجمات التي تنفذها ضد الاهداف الاميركية والغربية. ولذلك يقع في صميم استراتيجية اوباما القائمة على الحاق الهزيمة بـ”القاعدة” ان يجد الصراع العربي – الاسرائيلي الذي مضت عليه 60 عاماً، طريقه الى الحل. فمحاربة المتشددين لا تكمن فقط في استخدام القوة، وإنما في حرمانهم من الحجج التي يتسلحون بها.
المقاربة الاميركية الجديدة لا تناسب نتنياهو الآتي الى السلطة باسم مواجهة ايران، وليس باسم ايجاد تسوية مع الفلسطينيين. ورئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد يعتبر ان قبوله بحل الدولتين “خيانة” لناخبيه المتشددين الذين اوصلوه الى رئاسة الوزراء. كما انه لا يستطيع ان يتخذ قراراً بالتفاوض استناداً الى حل الدولتين، لأن في امكان افيغدور ليبرمان ان يطيح الحكومة غداً.
من هنا، المأزق في اسرائيل ليس نتنياهو وحده وإنما المجتمع الاسرائيلي الذي يميل بكليته الى التطرف. انه مجتمع يرى انه لا يزال في امكانه ان يسود على الآخرين بالقوة، وليس بالاقرار بحقوقهم العقلية التي قامت عليها اسرائيل لا تزال تتحكم بكل مسارات قراراتها ومنها عملية التسوية مع الفلسطينيين وبقية العرب. وإلا ماذا يعني ليبرمان عندما يقول ان التنازلات التي قدمتها الحكومات الاسرائيلية السابقة ادت الى حروب. ففي رأيه ان تقديم التنازلات يجعل الاطراف الآخرين يعتقدون ان اسرائيل ضعيفة وتالياً يمكن مهاجمتها.
واذا كان نتنياهو وليبرمان قالا الآن كلمتيهما، فإن الكرة لم تعد في الحقيقة في الملعب الفلسطيني، بل في ملعب الادارة الاميركية التي تدخل منذ الآن في اختبار جدي مع اسرائيل، فإما يقرن اوباما اقواله عن عزمه ايجاد تسوية للمشكلة الفلسطينية بالافعال، او يرضخ للحكومة الاسرائيلية المتشددة طوال السنوات الاربع المقبلة… في انتظار حكومة اسرائيلية اكثر تشدداً!
النهار