الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

بماذا يحتفل الملالي؟ ثلاثون عاما من الروحانية الشعبوية!

null
حميد زناز
في الوقت الذي يحتفل فيه الملالي بمرور30 سنة على قيام ما أطلقوا عليه “جمهورية إيران الإسلامية”، يتخوّف أحبّاء السّلم في العالم كلّه من حروب طاحنة قادمة قد يتسبّب فيها نظام الملالي بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتساءل الإيرانيون أنفسهم ما إذا حقّقت هذه الثورة المزعومة بعضا من وعودها؟
سئل الخميني، وهو يستعد للعودة إلى طهران، عمّا “يعنيه بالجمهورية الإسلامية وطبيعتها؟” فأجاب أنها “دولة جمهورية تماما مثل الجمهورية الفرنسية”. فهل ينعم الإيرانيون اليوم بالعيش في جمهورية ديمقراطية كالفرنسيين؟ وما هو حصاد ’الثورة’ بعد ثلاثة عقود؟
هاجر أكثر من 4 ملايين من الإيرانيين، ويعيش أكثر من 14 مليونا في فقر مدقع، وعمّت في البلاد روحانية شعبوية لم يعرفها بلد قطّ، ممّا حدا ببعض المتفكهين إلى القول: “كنا نرقص في الشارع ونصلّي في البيت وأصبحنا اليوم نصلي في الشارع ونرقص في البيت”. وتدلّ دراسات كثيرة على استفحال ظاهرتي الدعارة والمخدرات وكثير من الموبقات..أما في مجال الحريات فقد تفوّق الحرس الثوريّ على السافاك تفوّقا جعل إيران في مقدّمة الدول البوليسية.
يرفض الإيرانيون في أغلبيتهم التضحية بالحاضر من أجل مستقبل غامض، تقول كلّ استفتاءات الرأي ويلاحظ المخضرمون منهم في شبه دعابة أنّهم كانوا في عهد الشاه يتمتعون بكلّ حرياتهم ما عدا الحرية السياسية، أمّا اليوم فقد ضيّعوا كلّ الحريات إلا الحرية السياسية الشكلية. كانت تلك الانتخابوية تبدو في البداية كأنها ديمقراطية مقارنة بما كان يحيط بها من استبداد وخراب. أما اليوم فلم يعد يؤمن بوجود تلك الديمقراطية، التي كثيرا ما تبجّح بها الملالي، إلا طابورهم الخامس في الوطن العربي، أولائك الذين يئسوا من إمكانية تكرار تلك التجربة المرعبة في بلدانهم عن طريق العنف. لقد حاول إسلاميو الجزائر أن يخطفوا الانتفاضة الشعبية المطالبة بالتغيير في الجزائر سنة 1988، مثلما خطف الملالي انتفاضة الشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة سنة1979، فأقاموا بالقوّة بدل ذلك الحلم نظاما غريبا عن العصر تتحكم فيه قرارات المرشد الأعلى وتقاليد ولاية الفقيه.
لم يعد محمود أحمدي نجاد يستخدم حتى تعبير”الجمهورية الإسلامية”، بل أصبح يكثر من استخدام تعبير “الدولة الإسلامية”! تحضيرا لإسقاط كلمة “الجمهورية ” نهائيا من القاموس السياسي في إيران، للتخلّص من مشروع النظام الجمهوري، الذي وإن لم يتحقق على أرض الواقع بات يؤرق مضجع المحافظين في صراعهم مع قوى التغيير. لم يكن مصطلح “الجمهورية” لدى الإمام الخميني سوى كلمة انتقالية نحو “الدولة الدينية”، وهو مصطلح فيه تقيّة تهدف إلى عدم إخافة القوى التقدمية الرافضة للدولة اللاهوتية. ومَن يدقّق النظر في الكيفية التي يسجد بها الرئيس أحمدي نجاد لمرشد الدولة الإسلامية خامنئي، يدرك معنى الجمهورية التي يتحدثون عنها ويعملون على تصديرها للعرب.
بغضّ النظر عن فترة البداية القصيرة التي سادها الكثير من الغموض والفوضى المفهومية والحياتية، سرعان ما ظهر الوجه الحقيقيّ لنظام الملالي، إذ بدأ يطبق ما كان يخفي، فضيّق على الحريات السياسية وغير السياسية، ولم يعد بإمكان أيّ إيرانيّ ممارسة أيّ شكل من أشكال السياسة إن لم يكن مؤمنا بولاية الفقيه وعودة الإمام وشرعية المرشد الأعلى المطلقة، بل أصبح يصنّف عدوّا للدولة والإسلام كلّ من تسوّل له نفسه الخروج عن الخطّ الأحمر المرسوم، ويلاحق شرعيا وبوليسيا. فهل من الديمقراطية في شيء أن يصبح الدخول إلى الحياة السياسية مشروطا بالإيمان بولاية الفقيه وبالغيب؟ فهل يتمكن الإصلاحيون من فعل شيء ما في ضوء دستور إيران الحالي، وأمام عقبة المرشد الأعلى، وفي غياب الأحزاب السياسية؟
عليك أن تؤمن بولاية الفقيه أوّلا ثمّ تمرّ على محكّ 14 مؤسسة ليتمّ قبول ترشحك لانتخاب ما في إيران. فحتّى إن مررت بسلام من تلك الشبكة وترشّحت وانتُخِبتَ فيمكن أن يعاد النظر في الأمر في أية لحظة. لا يحقّ لغير الشيعيّ أن يتولّى المناصب العالية في الدولة، مهما كان علمه وشعبيته، إذ يشترط الدستور الاعتقاد بمذهب التشيع لتولّي المناصب.(انظر على سبيل المثال رسالة المثقفين الإيرانيين المنشورة يوم 9 فبراير 2009 التي ندّدوا فيها بالتنكيل الذي يتعرّض له البهائيون في بلاد الملالي، والمعنونة” نشعر بالخجل”، والتي اعتذروا فيها لمواطنيهم البهائيين عما يعانوه من تعسّف في دولة الإسلام في إيران، مذكّرين بكثير من الحوادث والمواقف التي تتضمن مظاهر التفرقة والعنصرية التي يتعرضون لها يوميا).
يلخّص رئيس تحرير صحيفة «كيهان» وهو أحد مستشاري خامنئي أهداف الثورة بمناسبة الإحتفالية الكرنفالية: “هي حيّة أكثر من أيّ وقت مضى، وقابلة أكثر للتصدير. لا يمكن حلّ الأزمات في الشرق الأوسط من العراق إلى أفغانستان مروراً بفلسطين، من دون المجيء إلى إيران. أصبحنا اليوم القوة العسكرية والتكنولوجية الأولى في المنطقة وما انفكت أفكار الثورة تصدّر إلى بلدان إسلامية أخرى.”
أدرك الملالي منذ استيلائهم على الحكم عن طريق القوة والمكر، أن نظامهم لا يستطيع العيش في زمن السلم، لذلك حاولوا تصديره، ولم يضيّعوا كثيرا من الوقت في إرساء جوّ العداء والحرب، إذ أسّس الحرس الإيراني حزب الله سنة 1982، وواصل احتلاله لجزر إماراتية رافضا أدنى تحكيم دوليّ. لا يتمادى الملالي في تسمية الخليج بالخليج الفارسي مجانا بل لحاجة في نفس الفقيه. لم يكن تدخلهم في غزة لنصرة الفلسطينيين كما يتوهّم البعض بل لزرع الشقاق بين الفلسطينيين وكسب غوغاء الشارع العربي بإيهامهم بالدفاع عن فلسطين. لم يمنعهم الدين ولا الأعراف الدولية عن ممارسة سياسة “التفريس” في المناطق العربية السنية والغنية باستبدال السكان العرب بالفرس. لم تكن البحرين في نظرهم سوى محافظتهم الرابعة عشرة، ولم يفتأ تدخّلهم يزداد في العراق بغية تفتيته ثم ابتلاعه أو المتاجرة باستقراره. أما تدخلهم السافر في الشأن الجزائري وعلاقتهم بالتنظيمات المسلحة إبّان العشرية السوداء في الجزائر فهي على كل لسان.
إلى أيّة جهة وجّه الرئيس الإيراني تهديده في أبريل2008 حينما وصف بلاده أثناء استعراض للقوات الجوية بأنها “أقوى دولة على وجه الأرض”؟ أمّا خامنئي فقد اعتبر أن امتلاك قنبلة ذرية هو ضمان لاستمرار الثورة مدة 25سنة أخرى!
لا يخدم هذا النظام بأفعاله وتشدقاته سوى دولة إسرائيل، فهو الذي يعطيها أكثر مبررات التشدد، ويوفر لها مبرّر الخوف على أمنها لابتزاز الغرب ولتتملص من التزاماتها تجاه الفلسطينيين والعرب. فكيف تخلص إيران العرب من إسرائيل؟ لازلنا نذكر ابتهاج الإسلاميين من المحيط إلى الخليج سنة وشيعة، حينما تنبّأ لهم إمامهم الخميني بزوال دولة إسرائيل إثر عودته من منفاه الفرنسي سنة 1978، مؤكّدا لهم أنهم يعيشون عصر صاحب الحضرة وسيّد الزمان والمكان، ولم يُقصّر الرئيس الحالي في إدامة الوهم إذ كرّره في كثير من المناسبات، مشيرا إلى أنّ زوال دولة اليهود من علامات ظهور المهدي. ألم يصرّح المرجع الشيعي محمد تقي المصباح اليزدي، وهو أستاذ أحمدي نجاد، أننا نعيش عصر الظهور؟ بل إنّ اختياره رئيسا هو توطئة لذلك، كما أنّ بروز إيران كقوة عسكرية وربما نووية هو من علامات ظهور السيد الغائب، في نظر هذا العضو في مجلس خبراء القيادة في إيران ومؤسسة الخميني للتربية والبحث العلمي! ألا ينطلق جيش المهدي من إيران لينشر العدل في كل ربوع الأرض ويقضي على إسرائيل؟ أعلى هذا الهراء يعوّل العرب؟
موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى