إهانة أولى
ساطع نور الدين
ليس تمثيلاً او افتعالاً ذاك التوتر الذي يتصاعد يوماً بعد يوم في العلاقات الاميركية الاسرائيلية، لكنه شكل من اشكال المساومة بين حكومتين جديدتين تستكشفان نوايا بعضهما البعض وتحاولان التوصل الى صيغة للتفاهم، او على الاقل لمنع تطور الاختلاف.. الذي يبدو انه اعمق من اي وقت مضى.
كاد المبعوث الاميركي جورج ميتشل بالامس يتعرض للطرد من اسرائيل. كانت الإهانة التي الحقها به وزير الخارجية الاسرائيلية افيغدور ليبرلمان علنية، ومتعمدة. ادار له ظهره، وتركه وحيداً امام الصحافيين من دون أن يودعه بشكل لائق. وكذلك فعل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي حمله عبوة ناسفة. وجاهر المسؤولون الاسرائيليون جميعاً بأن لديهم رؤى سياسية متعارضة تماماً مع ما تقترحه ادارة الرئيس باراك اوباما.
سبق لمبعوثين اميركيين كثيرين ان عوملوا بازدراء في اسرائيل، كما سبق لمعظم رؤساء الحكومات الاسرائيلية ان اختلفوا مع اميركا، وتعمدوا تظهير الخلاف لكي يوحوا أن الدولة العبرية ليست جمهورية موز، ولكي يثبتوا ان الجالية اليهودية الاميركية ليست سلاحاً صدئاً… لكن، حتى مناحيم بيغن إسحق شامير وأرييل شارون وغيرهم من الذين اعتمدوا هذا السلوك التقليدي، سرعان ما انضبطوا في السياسة العامة للولايات المتحدة، بعد ان انتزعوا المزيد من المكاسب السياسية والمالية للدولة العبرية…
لم يكن نتنياهو وليبرمان يخاطران بالعلاقات الاستراتيجية مع اميركا. كانا فقط يتعمدان إبلاغ ادارة اوباما ان سعرهما سيكون اعلى من سعر اي مسؤول اسرائيلي سابق، ساوم الاميركيين وتمكن في النهاية من إقناعهم بأن المصالح الاسرائيلية لا يمكن ان تنفصل عن المصالح الاميركية… حتى ولو كانت واشنطن ذاهبة الى حوار ومصالحة مع اكثر العرب والمسلمين تشدداً، يفترض حسب تقدير بعض الاميركيين ان تقدم اسرائيل بعض التضحيات.
قد يبدو ان حكومة نتنياهو ترفع السقف عالياً جداً، اكثر مما فعلت اي من الحكومات الاسرائيلية السابقة. لكن التسوية لن تكون مستحيلة ابداً، لأن التنازلات المتبادلة تكاد تكون معروفة… وهي لا تشمل الملف الايراني الذي يخضع كما يبدو لقواعد لعبة اميركية إسرائيلية متقنة، حيث يجري تقاسم الادوار بين شريك يهدد بالخروج الى الحرب على ايران وبين شريك يستعد للتفاهم معها، وتتوزع المسؤوليات بحيث يوحي كل منهما انه يعمل جاهداً على ضبط شريكه ومنعه من الاقدام على خطوة عسكرية او دبلوماسية مجنونة!
المساومة الاميركية الاسرائيلية الراهنة يمكن ان تشمل ايران فقط من زاوية التفاهم المشترك على ضرورة ضبط توسعها في المجال العربي وتحجيم دور ونفوذ حلفائها، وهي مهمة اسرائيلية حصرية، لأنه اذا قررت اميركا محاربة ايران او محاورتها حول برنامجها النووي فإنها لن تسأل اسرائيل رأيها… الا عندما تستدعي الحاجة الاميركية تكليفها بمهمات عسكرية او دبلوماسية مع الفلسطينيين او السوريين او اللبنانيين. عندها يمكن ان يتعرض ميتشل للمزيد من الإهانات الاسرائيلية، كما يمكن ان تفرض واشنطن الحظر على نتنياهو وليبرمان… ليشهد الجمهور واحداً من اطرف الخلافات بين الحليفين الاستراتيجيين.
السفير