الإخوان المسلمون من المعارضة إلى الموافقة
مها حسن
قبل صدور بيان جماعة الإخوان المسلمين بانسحابهم رسميا من جبهة الخلاص الوطني ، تسربت أخبار ذلك الانسحاب إلى عدة جهات صحافية ، وكان أحدها ، وكالة آكي التي نشرت الخبر ، وأوضحت بأن الإخوان لم يعلنوا أسبابهم الحقيقية ، وهي اتصالات تجري بينهم وبين النظام .
ولكن في اللقاء التلفزيوني السريع الذي أجرته محطة الـ بي بي سي مع خدام أولا ، والذي أكد أن أسباب انسحاب الإخوان ، هو مفاوضات يجرونها مع النظام ، وذكر خدام ثلاث أسماء لشخصيات تقوم بهذه الوساطة ، من النظام نفسه ، مع الأخوان ، وما كان بالسيد البيانوني ، المتواجد في استديو التلفزيون ذاته ، إلا أن نفى ما قاله خدام ، وقال بأنه بسمع هذا الكلام ” للمرة الأولى ” . البيانوني ، الذي يفترض به الصدق ، لا لأسباب سياسية فقط ، ولكن لمكانته الدينية على الأقل .
وكانت الصحافة قد تحدثت من قبل ـ ولم يتعرض خدام لهذه النقطة ـ عن جهود التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، للتواسط بين الإخوان والنظام ، بل وثمة مقالات عديدة ظهرت قبل اجتماع الأمانة العامة المنعقد في بدايات نيسان الحالي ، ومنذ ظهور بيان الأخوان تجميد نشاطهم ضد النظام .
وكذلك ، فقد كان نشر ت صحيفة الهدهد الدولية سابقا ، وتعليقا على قرار الإخوان بتجميد نشاطهم ، وقبل صدور البيان موضوع الحديث ، الذي صدر في الرابع من نيسان ، ونقتطف هنا هذا المقطع من موقع الهدهد :
” وتكمن في خلفية هذا القرار قضيتان لم يناقشهما الإخوان صراحة حتى هذه اللحظة لكنهم سيضطرون لذلك بعد حين والقضيتان هما قيام التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتوسط بينهم وبين النظام والوعد بموقف ايجابي من تلك الوساطة والتغييرات الدراماتيكية في العلاقات العربية وخصوصا ما يتعلق بالعلاقات بين سورية والسعودية التي كانت تدعم خدام والإخوان معا وكان من شروط النظام السوري للصلح معها إيقاف ذلك الدعم وعندما اكتملت شروط المصالحة أوقفت السعودية دعمها المباشر فتعثر الدعم غير المباشر وهذا ما بدا جليا أثناء إطلاق خدام لقناة تلفزيونية متعثرة بمساعدة تيار المستقبل الذي يتزعمه اللبناني المتسعود سعد الحريري
وعلى صعيد قضية الوساطة يبدو أن النظام لم يكتف بقرار تعليق المعارضة الذي اتخذه الإخوان إنما طالب الوسطاء بان ينسحب الإخوان من جبهة الخلاص لإذلال الطرفين معا وترك عبد الحليم خدام وحده في العراء بعد فقد آخر حليف ، ومع قرار الإخوان الجديد يتوقع المراقبون قيام النظام السوري بخطوة رمزية اتجاه تصفية الإرث الدموي مع الإخوان ربما في عيد تأسيس البعث بعد أيام أو في ذكرى عيد الجلاء في السابع عشر من ابريل – نيسان ومهما كان حجم تلك الخطوة فسوف تظل في إطارها الرمزي أما المصالحة الوطنية الحقيقية في سورية فلم تنضج ظروفها الداخلية المرتبطة بمواقف عدة أجهزة أمنية تتضارب مواقفها من قضية المصالحة الشاملة ” .
كل هذا يؤكد ، بأن أمر الوساطات بين النظام والإخوان ليس جديدا ، كي يدعي البيانوني بأنه يسمعه للمرة الأولى . بينما راح يعلق أسباب الانسحاب وفرط عقد الجبهة على المسألة الفلسطينية والحرب الأخيرة على غزة ، وموضوع المقاومة . أي أن الخبر ليس جديدا ، كي يدعي البيانوني بأنه يسمعه للمرة الأولى ويعلق أسباب الانسحاب وفرط عقد الجبهة على المسألة الفلسطينية والحرب الأخيرة على غزة ، وموضوع المقاومة .
لكل هذا ، فإن ” ادعاء ” البيانوني ، بأن السبب الرئيسي من انسحابه من الجبهة هو موقف تلك الأخيرة من القضية الفلسطينية وحماس ، لهو غير صادق ، بل السبب الرئيسي ، هو بدء الوساطات مع النظام ، والتي انقطعت ، ووقع الأخوان في الفخ ، حسب تعبير أحد الكتاب السوريين .
من المعروف أن هذه المسائل ” المقاومة ، فلسطين ، غزة ، حماس … ” تعتبر من الحساسيات الموجودة في الشارع العربي ، وتدغدغ الجمهور العربي ، والسيد البيانوني ، لا يكسب هذا الشارع فقط بصفته حزبا إسلاميا ، بل وبنصرة غزة ، ومحاربة الكيان الإسرائيلي ، وهذه أوراق رابحة طبعا في الشارع الجماهيري، الذي كما يعرف عنه ” يجمعه طبل وتفرقه عصا ” .
إلا أن ذكاء البيانوني خانه ، حين أعلن عن نفاذ صبره من المقالات التي ينشرها موقع الجبهة ، أي جماعة خدام ، والتي ، أي المقالات ، تنظر إلى حماس كمنظمة إرهابية ، وتضع اللوم عليها ، لا على إسرائيل ، في الحرب الأخيرة على غزة . ومن الواضح أن هذا ليس فقط موقف بعض قوى اليسار المنخرطة في الجبهة ، وإن لم تكن ذات قوة سياسية مؤثرة في الشارع السوري ، إلا أن الموقف من حماس ، موقف الكثير من القوى العلمانية واليسارية ، وهنا موضع الجمل ، أو كما نقول في سوريا ” هنا حط بنا الجمال ” ، فالخلاف بين الطرفين هو خلاف عقائدي ، بين خدام ، ربيب الفكر البعثي الذي نادى بالعلمانية ، حتى وإن لم يطبقها ، وعادى القوى الأصولية ، وبين البيانوني ، ربيب الفكر الأصولي . وقد حاول الطرفان خلال فترة التحالف بينهما ، أن يؤثر أحدهما على الآخر ، بحيث يفرض ” الخداميون ” والعلمانيون واليساريون والمسيحيون … الأجندة العلمانية ، وإن بحذر ، وبالمقابل حاول الإخوان ، من طرفهم ، جر الجبهة إلى الخندق الأصولي . فلم ينجح أحدهما ، وتم الطلاق .
الطلاق كان متوقعا منذ البداية ، وفي السياسة دوما تحصل أخطاء ، ومن المهم الاعتراف بها ، إلا أن أحد الطرفين لم يعترف بخطئه ، فراح البيانوني يزاود على أسبقية معارضته على جميع القوى اللاحقة ، وهذا ما لا يغفر له بالتأكيد ، تراجعه عن هذه المعارضة ، بينما راح خدام يؤكد أن الجبهة هكذا ستصبح أكثر قوة ، بانسحاب الإخوان .
مما لا شك به ، أن هذا الخلاف لن يؤثر لا قوة ولا ضعفا في موقف المعارضة ، التي كانت تتعاطى بحذر مع جبهة الخلاص ، وذلك بسبب التاريخ القديم الذي لا يزال ملتصقا بخدام ، كونه رعى مصالح هذا النظام ، ولسنوات طويلة .
قد تبتهج بعض القوى ، بعودة الإخوان إلى خندق المعارضة ، ولكن فعلا ، إذا كان الدرس ضعيفا ، ولم يفهم جيدا ، بأنه يصعب الجمع ، حتى تحت مظلة الوحدة الوطنية ، بين اليمين واليسار ، بين الأصولية والعلمانية ، فمبارك لكل من يبتهج بعودة الإخوان من حضن الجبهة ، إلى أحضان الوطن، الوطن الذي يحكمه النظام ، أو إلى أحد مواقع اليسار .
ـ باريس