الإسلام والقطيعة مع العالم
مها حسن
يشعر أحدنا بالعار وهو يشاهد تلك المقتطفات التي انتقاها وقدّمها التلفزيون الفرنسي، لبعض تطبيقات “الشريعة” التي يتخذها الطالبان كوسيلة، في هذا القرن، للحكم.
ففي السادس عشر من شباط لهذا العام، أقرّت السلطات الباكستانية اتفاقية وقعتها مع الطالبان، لتطبيق الشريعة.
كانت المشاهد مخزية بالفعل، رجال الأمن يجلدون رجلا على مرأى أعين الجميع، من كبار وصغار، لأنه يتعاطى المخدرات، تخريب المدارس لمنع ذهاب الفتيات إليها … كنت أتفرج على التلفزيون، وكأنني أشاهد مسلسلا تاريخيا، يعود للزمن الجاهلي .
وفي الآونة الأخيرة، انتشر فيلم فيديو تمّ تصويره على هاتف نقّال يظهر فيه رجلان يثبتان امرأة من قدميها وكتفيها، وهي ترتدي برقعا، ويقوم ثالث بجلدها، في المنطقة ذاتها التي تسيطر طالبان عليها في باكستان. كم أنهم فعلا، معزولون عن العالم وقيم العصر وحقوق الإنسان .
وفي الشهر الفائت، صدر قانون حقوق العائلة في كابول، وقد وقّعه الرئيس الأفغاني، ورأت فيه الحركات النسائية في كندا وأوروبا تشريعا رسميا للاغتصاب، لأنه لا يبيح للزوجة أن تمتنع عن ممارسة الجنس مع زوجها إذا رغب في ذلك، كما لا يجيز القانون الجديد لها أن تخرج من البيت إلا بأذنه. كما كان يحدث في العصور الظلامية . كما لو أنّ ” الروزنامة ” لم تتغير، تغيرت السنوات والأرقام، ولكن الذهنية هي ذاتها، ذهنية الجاهلية، وبعدها بقليل، حيث مجيء الإسلام، الذي “ساير” الكثير من المفاهيم والمعتقدات التي كانت سائدة، بل فعل أسوأ من هذا، حين أبطل عادات كانت رائجة، واستبدلها ” بشريعة ” لا تتماشى والكرامة الإنسانية .
(أفكّر أحيانا، وترعبني الفكرة، بأنه من الطبيعي أن تكون حالة البلدان العربية في هذا التخلف والجهل، لأننا لا نزال في سنة 1430 هجرية، أي أننا نحيا بفارق 579 سنة عن المفكرة الغربية، التي تحكم العالم، فهل ننتظر مرور خمسة قرون أخرى، تقريبا، لنصبح في حال أفضل؟ ).
ومهما تعلُ أصوات الغير، المدافعين عن الإسلام، الذي يعزلنا فعلا، ويضعنا في قطيعة عن العالم، فإن إلقاء نظرة سريعة على أوضاع حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل، وموضوع الحريات بشكل عام، أقول نظرة سريعة، ولا أدخل في التحليل، لنرى في أي مستوى يحيا المواطن في هذه المجتمعات، التي لا يزال يحكمها الإسلام، وإن ادّعت العلمانية، كأنظمة البعث التي تنادي بالعلمانية، وتطبق الشريعة في كافة مجالات الحياة، وأهمّها قوانين الأحوال الشخصية، وعبارة صدام حسين التي أضافها على العلم العراقي، كافية للتدليل على كذب القول بالعلمانية.
فجرائم الشرف التي تشغل بال العالم المدني، الغربي منه أو العربي، من خلال المؤسسات الناشطة في العالم العربي، لا تزال على قدم وساق، ونحن نسمع يوميا عن قصص قتل، وبدافع الشك فقط .
قد يدافع أنصار الإسلام، أن جرائم الشرف ذات مصدر اجتماعي، سببه العادات والتقاليد الموروثة وليس الدين الإسلامي، وأنا أسأل عن ” الرجم حتى الموت “، إن لم يكن ” عقوبة شرعية “، لـ ” الزاني أو الزانية ” المحصن؟ أو حتى الفيلم الذي أشرت إليه أعلاه، والذي يطبقه الطالبان، بناء على أحكام الشريعة، التي تجيز “الرجم حتى الموت” أو الثمانين جلدة.
ليست لديّ معلومات عن وضع المرأة قبل الإسلام، ولكني أعرف أن بعض أشكال الزواج التي كانت سائدة في الجاهلية وأبطلها الإسلام، كانت للمرأة فيها حرية اختيار شريكها، من خلال فتح باب الخيمة أو إغلاقه، ومن خلال تحديد والد الطفل الذي تحمل به، وتكون في حالة تعدد علاقات. لم تعتبرها الجاهلية ” زنا ” آنذاك ولا فسقا … فكيف لا يكون الإسلام هو المنادي بقتل المرأة؟
خصوصية المجتمع العربي
في الرد على تقرير حقوق الإنسان الأخير، قالت إحدى الدول العربية إن التقرير لا يراعي ” خصوصية المجتمع العربي “، ومن الواضح تماما تعارض هذه الخصوصية مع حقوق الإنسان. ولكن من أين تأتي هذه الخصوصية التي لا يفهمها الغرب؟
وينبغي الإشارة، إلى أن الكثير من الناشطين من مواطنين مستقلين ومنظمات محلية في المنطقة، من المغرب إلى إيران، كشفوا عن القوانين التي لا تتفق مع روح العصر ونظم الحكم غير الديمقراطية، حيث لا يزال العالم العربي يعاني من الكثير من القيود على الحريات الدينية والتمييز الاجتماعي والقانوني.
في أحد البرامج التلفزيونية، يقدم على محطة فضائية حكومية، لا هابطة ولا عالية، لا خاصة ولا مملوكة لجهة أجنبية، بل تلفزيون عربي رسمي، يقدم برنامجه شخص يحمل شهادة عالية. فيقول مثلا، في حلقة شاهدت مقطعا منها، عن زواج الأقارب، بأننا ” الأبناء ” يجب أن نسمع رأي الآباء في الزواج، لأنهم أكثر منا خبرة، ويتحدث عما أدعوه أنا، وعما يعتبره الغرب زواجا قسريا، بأنه زواج يوافق ” خصوصية المجتمعات العربية “، التي لا يزال الزواج فيها، قرارا عائليا بحتا. وليست نكتة أنه لا يزال ثمة أزواج لا يلتقون حتى ليلة الزفاف! نظرا لخصوصية المجتمع العربي .
البرقيني
قامت صحيفة ” كورييه أنترناسيونال ” الفرنسية، وفي صفحة ” العالم ” بترجمة مقال عن الألمانية، يحمل عنوان “البرقيني”، وإلى جانبه صورة امرأة منقبة، تقف خلفها، امرأة عارية، داخل إطار ـ تمثل حلم المرأة المنقبة ـ جوار حمام السباحة .
يبدأ المقال بالتحدث عن الصبية ” ياسامان ” أو ربما ” ياسمينة ” ذات الأحد والعشرين ربيعا، والتي تبدو ” كضفدعة ” منقبة تنتظر قبلة الأمير، في الإشارة إلى الحكاية الخرافية، حيث تحولها القبلة إلى أميرة. كما لو أن هذه ” الياسمينة ” تحتاج لفعل خارق، لتتحول إلى امرأة عادية، كغيرها من الفتيات الشابات المحيطات بها في المسبح، واللواتي يرتدين المايوه البكيني، بينما هي تشعر بإحراج بينهن، بلباسها المختلف، مايو السباحة الشرعي، أو البرقيني كما تطلق عليه التسمية في ألمانيا.
يبين المقال أن هذا المايوه من السباحة، يثير مشاكل بنسبة 98 ٪ من الألمان .
” إن السماح بارتداء البرقيني، يعيق عملية الاندماج في المجتمع، إنه يجعلنا نتراجع عن الحقوق التي ناضلت النساء لنيلها، كل هذا تحت مظلة الاندماج”، هذا ما قالته السياسية ” كورت فانسنر”.
أما المحامية ” نجلا كيلك ” فقد ذهبت لأبعد من هذا، حين وصفت هذا الرداء بـ ” الواقي العملاق”، فهو برأيها يلحق الضرر بالنساء المسلمات، بالقدر ذاته الذي يفعل بأزواجهن، لأنه يظهر بأن هؤلاء الرجال لا يزالون خاضعين للأفكار ذاتها، وأن هذا الحجاب يحمي منهم أنفسهم. ربما تشير المحامية إلى الرأي السائد، بأن النفس أمارة بالسوء!
مهما كان شكل الخطاب الديني، فإنه يبدو دائما كمن يغني خارج السرب، نشازا ومختلفا، ولا يمت إلى ” الأجندة ” الحديثة بصلة. وقد رأى أغلبنا وسمع، لهجات التهكم والسخط من تصريحات البابا الأخيرة، المتعلقة باستخدام الواقي وانتشار الايدز، وبدا خطابه متعارضا مع تطورات العصر، وانتشار الأمراض، وما يمكن تسميته بالتقاليد الحديثة للعيش. هذا بالنسبة للمجتمع الغربي، الذي تصدت نسبة كبيرة منه لمقولات البابا، الذي ما زال ولا شك، يمثل قيمة روحانية للبعض الآخر، ولكن خطابه بدا فعلا غير متناسق مع ” أجندة العصر”، فكيف هي الحال إذن، لخطاب إسلامي، يفتح أمامنا يوميا عشرات الفتاوى والاجتهادات غير المنسجمة مع متطلبات العصر، ليضعنا في حالة قطيعة عن العالم، وقطيعة عن الزمن، كما لو أن قدر هؤلاء المولودين في بلاد تحكمها هذه القوانين، المستمدة من الدين أن يعيشوا على هامش الزمان، وخارج التطور والحقوق والحريات .
موقع الاوان