جمهوريات الموز والانتخابات
فلورنس غزلان
قالت السيدة لويزا حنون التي رشحت نفسها في انتخابات الرئاسة الجزائرية، بعد أن خسرت في الانتخابات بينما فاز بها بنسبة ساحقة وللمرة الثالثة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن تم التفصيل والقص والحذف للمادة ( 76) ليتمكن الرئيس من البقاء والمحافظةعلى الرئاسة وعدم ضياعها فيما لو نجحت لويزا حنون أو غيرها من المعارضين، وسيؤدي هذا بالتالي لخراب الجزائر حسب النظرة الرئاسية وحسب الديمقراطية في بلد عربي شمال إفريقي كالجزائر!، التي لم تتوانَ عن اللحاق بالركب العربي والقيام بعملية استنساخ للأنظمة كي لا يختلف أحدهم عن الآخر في الغم وكم الأفواه.
جاءت النسبة المئوية فوق التسعين ، فلم تخيب آمالنا المعقودة على الزعماء في الانحطاط ، وكسب السبق بين دول العالم لنصبح أمثلة حية لما انقرض وصار من مستحاثات ومومياء التاريخ ، وكلهم وبدون منازع حصلوا على درجات التفوق العظمى في محبة الشعب واختياره لهم!…وتفضيله لبقائهم الأبدي على أي تغيير يمكن أن يحدث ، فنحن شعوب لا تحب الألوان ، ونفضل السواد الدائم واللون الوحيد الكاتم للنفس وعليها…كلنا الآن في” الهوا سوا”..ولم يعد لأحدهم فضلا على الآخر لا بالتقوى ولا بالشكوى…ممالك أم جملوكيات، المهم ” الثوابت” …وهذه من ثوابتنا التي نحرص عليها ونناضل من أجلها…ولا ستمرار سيوفهم في حصد رقابنا وجرنا نحو مزيد من الخيبات ومزيد من الهزائم والتراجع والتقهقر . وهكذا نثبت للجميع أن معدننا العربي أصيل ..معجون بالصدأ ومطلي بالسُخام..يمسك بتلابيبه أولاد( الحر..؟..م) يسحبون الشعوب من آذانها فتصبح بين أيديهم قروناً كقرون الخراف تُجَر وتُمأميء…تصدر أصواتا غير مفهومة وتغلق أفواهها في الأعياد حين يضحى بها لبقاء الأسياد ، فلماذا ياسيدة حنون تنعتي بلادك بأنها جمهورية موز؟
ألم تقم انتخابات ؟ ألم يحضر مراقبون؟…هناك شكوك ..يعني مجرد شكوك!، لا دلائل ولا إثباتات، العرب لا تثبت عليهم الجرائم التي يرتكبونها بحق شعوبهم، تمر من بين اصابعهم كما يمر الماء…لكني أسأل ومن حقنا فقط أن نسأل:ـ
لماذا الانتخابات؟ وما هو جدواها في بلاد العربان؟
مادام الرئيس العتيد سيأتي وبكل قوة آتٍ وبكل قدرة آتٍ …وبكل تصميم باقٍ..
لماذا يضحكون علينا ويجرونا نحو صناديق ستُملأ بأسمائنا إن ذهبنا للاقتراع أو الاستفتاء أو لم نذهب؟!
ثم لماذا هذا الظلم لجمهوريات سميت يوماً بجمهوريات الموز؟ وأقصد بها صاحبة الاسم الأصلي لا من اكتسبها لاحقا ( العرب)، وصاحبة الاسم الأصلي من بلاد أمريكا الوسطى اللاتينية، والتي ظلت واقعة تحت سلطة واحتكار شركة” المؤسسة المتحدة للفواكه”
)United Fruit Campany (
والتي كانت لا تحتكر زراعة الموز ومزارعه وتسويقه وتمتلك حتى عماله ، بل تتدخل في سياسة البلاد وتعين وتوظف وكذلك تمد الجيش الذي يغير الحكام بالأسلحة والعتاد…هذا الزمن ولى وغدت بلدان أمريكا الوسطى ديمقراطية لها برلماناتها وتعيش بحرية نحلم بها، وعلى سبيل المثال فقط ــ كوستاريكا دولة ديمقراطية تضمن لشعبها حرية الانتخاب والتنافس وتؤمن له الضمان الاجتماعي والصحي، كما يوجد على رأس حكومتها أي الوزير الأول فيها” رئيسة وزراء امرأة تدعى مدام “لاورا شانسيلا ميراندا” كما تحمل حقيبة وزارة العدل كذلك، وإلى جانبها ثلاث وزيرات ، وزيرة للصحة ، ووزيرة للثقافة والشباب، ووزيرة للعلوم والتكنولوجيا!…فهل هذه جمهورية موز؟…أم أن جمهورياتنا العربية برمتها..هي جملوكيات فجل؟ ، لأن الموز فاكهة لا يستطيع جل أولادنا الحصول عليه باعتباه فاكهة مستوردة غالية الثمن، والفجل يتناسب مع القيمة أكثر، فلا تظلموا الموز!.
وكي نؤكد أن لدينا زعماء، أو عفوا رؤساء يحكموا من خلال محبتنا لهم، ومن خلال إصرارنا كشعوب عليهم وعلى بقائهم، ولهذا نجبرهم للرضوخ لرغباتنا وينحنوا أمامها طائعين قابلين بهوان الحكم وذله!!.
وعلى سبيل المثال:ــ
ــ العالم الفائت تصورنا أن علي عبدالله صالح لن يترشح، هكذا أعلن وصرح، لكنه خضع لإرادة الشعب اليمني ولمحبته وعدل عن قراره وعاد ليقضي في الحكم منذ عام 1978 حتى اليوم..وإن غادر قلعة الحكم، فهناك المحروس ابنه ” أحمد” قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة..أي أن الوريث جاهز فلا تقلقوا على مصيركم يا أهل اليمن.
ــ الرئيس حسني مبارك يدخل التاريخ في حكم مصر منذ عام 1981 أي أنه سينهي قريبا العقد الثالث وهو على رأس مصر متمركز، وابنه جمال في الانتظار.
ــ الرئيس زين العابدين بن علي انقض على الحبيب بورقيبة ، الذي حكم هو الآخر حتى ارذل العمر، وتسلم السلطة، لكنه متمركز منذ عام 1987، وهاهو يدخل العقد الثالث ، وبرأي المراقبين الحريصين على تونس ونظامها..فالرئيس مازال فيه الكثير من الرمق، وخاصة ان أولاده صغار ولا يوجد وريث، ويجب أن يجد تخريجة ما ، أو تتفتق الذهنية التونسية عن إبداع عربي واختراع يسجله التاريخ كسبق وحدث عجيب.
ــ الرئيس حافظ الأسد كان أكثرهم حصافة، لأنه لم يترك الميدان قبل رحيله القدري والمرضي، إلا بعد أن هيأ الميراث، لأنه يحب شعبه وشعبه يموت بداديب كل أسرته الكريمة ولا يريد غيرها حاكمة له ولا يبدلها تبديلا!…رغم أنه حكم سوريا ثلاثين عاما منذ انقلاب 16 نوفمبر 1970 حتى عام 2000، ودائما باستفتاءات شعبية تعيد الولاء والقول بنعم بنسبة 99% لكن وريثه الآن مر عليه تسعة أعوام ومازال في ريع الشباب، وكذلك جاء بضغط شعبي عارم وبعد إصرار ومن خلال استفتاء، الأمر عندنا مختلف عنكم بقية العرب، لأنه معروف عنا الفهلوة ، ولماذا انتخابات؟ لا يوجد عندنا منافسين ولا منافسات..الكل يريد الرئيس والكل يختم ويبصم بنعم، فُتحت صناديق الاقتراع أم لم تفتح.، ذهب الناس للتصويت أم لم يذهبوا..كلها تمتليء بنعم كبيرة وبنسبة 99% والخير قادم فهناك شاب صغير ينتظر دوره” حافظ بشار حافظ الأسد”.
ــ من ضرب رقما قياسيا لم تعرفه بعد موسوعة غينيتس، ” القيادي الأممي، وإمام المسلمين، وملك ملوك إفريقيا، الرئيس الليبي معمر القذافي” فهو على سدة الحكم مؤبدا..منذ الفاتح من سبتمبر وثورته الشعبية! حتى اليوم أي عام 1969 …أربعين سنة بالتمام والكمال…صلوا على النبي !، وليبيا أشطر لأن اللجان الشعبية هي المُنتَخِب..ثم حسب قول الرئيس القذافي أنه “لايحكم “، هو رئيس نعم بلا سلطة السلطة بيد الشعب، ولهذا سيأتي اليوم الذي يتسلم حكم الشعب وتنتخبه فيها اللجان الشعبية لأنه ابن العظيم طبعا( سيف الإسلام)..فابشري ياليبيا…مستقبلك مضمون.
ــ بقية الدول العربية حسمت أمرها من الأول، واتخذت صفة مملكة أو إمارة، وبهذا ارتاحت وأراحت، ويادار مادخلك شر ، انتخابات برلمانية تجري ، وحتى لا نظلم أقول بكل صراحة وصدق ، أن الانتخابات البرلمانية التي تجري في الكويت أكثر مصداقية وحرية بمئات المرات منها فيما تسمى “جملوكية سورية”، رغم أن المرأة حديثة الانتخاب فيها…
ــ بقي لنا أمل صغير جداً لابد من أن نعرج عليه ولابد أن نذكره ونُذَّكِر فيه، فبعد أيام ليست ببعيدة، ستجري انتخابات نعلق عليها الكثير من الحلم، لأنها وحدها تشكل لنا باب الأمل وأن الدنيا مازالت بخير، ” لبنان” يالبناننا الصغير، لاتدع يد العبث تحوك لك المصائد، ولا تقع في شباك يرسمها بعض أبنائك الذين تلعب بهم أيدٍ خفية
نعم حِمية الانتخابات وحملتها تعم البلاد، هجوم ،دفاع ،تشهير ،تشنيع ، أرقام ونقود ويافطات..يصب كله في خانات تقاسم حكم البلاد على أساس الطائفية السياسية، التي تسير الانتخابات السياسية عبرها وترسم صورة لبنان المستقبل كما رسمت صورته سابقا، لكن مع هذا نأمل ألا تشوه صورة لبنان التعايش بين هذه الطوائف، ويفضل المواطن فيها المرشح، الذي ينظر لمصلحة لبنان الوطن الواحد، دون هوية التبعية لهذا الطرف خارج قوس وسقف لبنان وأهله..اتركوا وراءكم مصالح الصراع الإيراني والسوري والسعودي والمصري والفلسطيني..الخ..اتركوا الخلافات العربية على العتبة خارج حدود لبنان..وانتخبوا من ترون فيه أكثر قربا للوطن وللوطنية.
هل يعقل في هذا المدى العربي الشاسع، أن نعقد الآمال على أصغر بقعة فيه” لبنان” ويخذلنا كل الكبار، وتخذلنا كل شعوب الدول الكبيرة حتى تلك ذات التاريخ الديمقراطي؟..لا أخفيكم أني أعلق أملا ، ربما أكثر من صغير على العراق، وأنه لابد سيخرج يوماً من محنته وتنتصر فيه المُواطَنة على الطائفية بعد أن أدرك مدى حجم الخطر ، الذي مر به اللبناني قبله، هكذا علمنا التاريخ، أن الشعوب تنهض من موتها، وأن النار تختفي غالبا تحت الرماد…وأن الفجر يأتي بعد ليل طويل..
وهل لنا سوى الأمل والانتظار؟
ــ باريس 15/4/2009
خاص – صفحات سورية –