صفحات العالم

مصر وإيران والانقلاب

غسان شربل
قبل شهور سمعت من سياسي عربي كلاماً استوقفني طويلاً. قال: «إن أميركا تخطئ إذا استمرت في رسم سياستها في الشرق الأوسط بالحبر الإسرائيلي. إسرائيل دولة هرمت باكراً. قدرتها على تقديم الخدمات للغرب وأميركا محدودة. ليست جزءاً من النسيج الفعلي للمنطقة. لم تعد تصلح لتبنى عليها حسابات الأمن والاستقرار. لم تعد حاملة الطائرات المرهوبة الجانب».
كان الحديث إبان الحرب الإسرائيلية على غزة. وكان المتحدث جازماً أن الانتصار الإسرائيلي فيها مستحيل. وأضاف: «لا أتوقع صفقة أميركية – إيرانية غداً، لكن التفاهم حتمي. ستضطر أميركا الى التعامل مع القوى الجديدة الصاعدة في المنطقة. إيران قادرة على المساهمة في استقرار الإقليم إذا كانت صاحبة دور بارز فيه. لا تعتقد أن إيران انتحارية وتريد شطب الدولة العبرية من الخريطة. إنها تريد تحجيمها».
وفوجئت به يضيف: «لن يحل السلام في السنوات القريبة ولكن يمكن بلورة صيغة تعايش واستقرار تضمن أمن النفط ولا تهدد وجود إسرائيل بعد تحجيم دورها. ألا تعتقد أن «حماس» أقدر من السلطة الفلسطينية على فرض احترام وقف للنار في غزة؟ أوَليس «حزب الله» أقدر من السلطة اللبنانية على حماية وقف النار في جنوب لبنان إذا توافر المناخ السياسي والتعامل الأميركي المعقول مع قضايا المنطقة؟ أعرف أنك ستسألني عن العرب ودورهم وموقعهم. لكنني أسألك أين الأوراق التي في ايديهم؟».
تذكرت هذا الكلام وأنا أتابع مجريات الخلاف بين مصر و «حزب الله» والتصريحات الإيرانية المرافقة له.
يمكن القول إن الخلاف المصري – الإيراني ليس جديداً. قرار الرئيس الراحل أنور السادات استضافة الشاه في أيامه الأخيرة حال دون قيام علاقات طبيعية بين مصر وإيران الثورة الإسلامية. لكن طهران لم تبذل لاحقاً أي جهد جدي لتطبيع علاقاتها مع مصر. وجاء تعاملها مع حادثة اغتيال السادات وإطلاق اسم الإسلامبولي على أحد شوارعها ليضاعفا خلافاً ازداد عمقاً بفعل موقف مصر إبان الحرب العراقية – الإيرانية.
السنوات الأخيرة صبت المزيد من الزيت على نار الخلاف. سقوط نظام صدام حسين واندفاع إيران في هجوم شامل تخطى الساحة العراقية الى حجز موقع على المتوسط وصولاً الى غزة. وظهر من خلال تطويق إسرائيل بالصواريخ أن إيران باتت في صلب النزاع العربي – الإسرائيلي وأن إطلاق النار يحتاج الى موافقتها، تماماً كوقف إطلاق النار. وهذا يعني أن إيران التي كانت تمتلك القدرة على التلويح بمصير أمن النفط صارت قادرة على التلويح بمصير أمن إسرائيل.
ارتدت الحرب في غزة أهمية خاصة بالنسبة الى مصر. المسألة تعني أمنها ودورها. واستقبلت القاهرة الانتقادات التي وجهت إليها والحملات التي استهدفتها كجزء من خطة لتحجيم دورها وربما زعزعة استقرارها.
في هذا المناخ جاءت قضية «خلية حزب الله» واتخذت الأبعاد التي اتخذتها. فمصر وكأي دولة لا تقبل الاختراق لسيادتها والانتهاك لقوانينها، لا تستطيع السماح بهذا النوع من الأدوار على أرضها ولو كان الهدف منه مساعدة أهالي غزة. إن المخرج الحقيقي من الأزمة هو أن تدرك قيادة «حزب الله» ان أي دور «إقليمي» يلعبه في هذه المرحلة سيوضع في خانة ما تسميه دول عربية عدة محاولة انقلاب تنفذها إيران على التوازنات القائمة في الإقليم.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى