إطفاء الفتيل المشتعل
جورج علم
أعطى الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله الأزمة بعداً جديّاً، في ردّه التوضيحي على الاتهامات المصريّة. كان يفترض أن تخبو، وتعود المعالجة الهادئة الرصينة الى الكواليس، لكن الحملة الإعلاميّة استمرت متفاقمة، وحملت بعداً تحريضيّا، وانطوت التقارير التي رفعت الى المرجعيات العليا على مؤشرات غير مطمئنة، ودعوات للإقدام على تحرّك مسؤول يؤدي الى إطفاء الفتيل المشتعل قبل أن يبلغ «برميل البارود»، لأن انفجاره سيؤدي الى شظايا بعضها قد يصيب العلاقات الثنائيّة في الصميم، وبعضها الآخر قد يؤدي الى تداعيات مذهبيّة داخليّة خطيرة على أبواب الانتخابات.
ويبقى ما جرى خلال الاتصال بين الرئيس المصري حسني مبارك، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة ملكهما، الى أن يبادر أحدهما الى كشف النقاب عن حقيقة ما دار من بحث ونقاش، وإلى حين أن يحصل ذلك، فإن نبأ الاتصال لم يحمل لمسة سحريّة، ولم يعكس اطمئنانا بقدر ما فاقم من الهواجس، انطلاقا من مؤشرات أولها أن الرئيس السنيورة قد دخل طرفا في المعركة الانتخابية المحتدمة بين لوائح الأكثريّة والأقليّة في كل لبنان. وثانيها أن أرض النزال هي صيدا بوابة الجنوب حيث المعقل الرئيسي للمقاومة و«حزب الله» الذي تتناوله الاتهامات المصريّة. وثالثهما أن صيدا جارة عين الحلوة، وعلى خط تماس مع المسألة الفلسطينيّة وتداعياتها بعد العدوان الإسرائيلي على غزّة، وإنها المدينة الأكثر حساسيّة وتحسساً للتداعيات، خصوصاً إذا ما أخذ بالاعتبار بأن موقف الحزب من الملف الفلسطيني يشكّل لبّ المشكلة المتفاقمة مع السلطات المصريّة.
ويُنقل عن بعض المهتمين قوله «إننا في مرحلة ما بعد الاتصال، ومع عودة الرئيس السنيورة الى بيروت لا بدّ من ورشة معالجات لمعرفة ما إذا بالإمكان التقاط طرف الخيط لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وبالتالي وضع حدّ للتأويلات الكثيرة، إذ لا يذاع سرّ بأن البعض قد فسّر الاتصال على أنه دعم مباشر من الرئيس مبارك للرئيس السنيورة، وإن مصر دخلت بقوة على خط الانتخابات كطرف لدعم مرشحي فريق في مواجهة مرشحي الفريق الآخر».
ويتطلع بعض الدبلوماسيين العرب ناحية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فهناك دور لا بدّ من الاضطلاع به، لأن التقارير المتصلة بتطورات الأزمة لا تخلو من مؤشرات القلق. وإن الموقف الرسمي بعد الاتصال الهاتفي لا بدّ من أن يتخطّى مرحلة المراقبة الى المبادرة. ويتحدث بعض الوزراء عن اتصالات بدأت، وهناك أفكار ومقترحات متداولة لنسج نواة مبادرة سريعة هدفها «وأد الفتنة»، على أن تنطلق المعالجة أولا وسريعا من وقف الحملة الإعلاميّة، وسحب الأزمة من الأضواء الى الكواليس، والانكباب عليها بروح من الجديّة والمسؤوليّة العالية لمعالجة أسبابها وذيولها وتداعياتها، وإذا كان ذلك متعذّرا لأسباب خارجة عن طاقة الأطراف بسبب ارتباطها بسلسلة من الملفات المفتوحة مع أكثر من عاصمة عربيّة وإقليميّة، فإن المطلوب على الأقل وقف تداعياتها على الساحة التي تغلي انتخابيّا، لأن لا لبنان الرسمي، ولا الحزب، ولا النسيج السياسي ـ الاجتماعي اللبناني يمكنه تحمل المزيد من الخضّات.
ويشكّل عامل الوقت ضغطا متزايداً، لأنه لم يعد لأي طرف مصلحة في موقف اللامبالاة في ظلّ تمادي موجة التجييش والتحدي، وان الدخول الرسمي الواعي والمسؤول على خط الأزمة واجب وضرورة، لأن «كرة الثلج» تتدحرج بقوة، وتكبر يوماً بعد يوم، ويخشى مع استمرار اندفاعتها أن تدخل أطراف خارجيّة عدّة على الخط، وأن تحصل ردود فعل تؤدي بدورها الى أزمات جديدة تخرج عن نطاق الاحتواء والسيطرة.
ويأتي التدخل الإسرائيلي المباشر على الخط ليصبّ الزيت على النار من خلال الدعوة التي أطلقها أحد الوزراء المقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بضرورة تصفية الأمين العام السيد حسن نصر الله، والإسراع باغتياله!
السفير