خيار فلسطيني مستحيل
ساطع نور الدين
تميزت ردود الفعل الفلسطينية على الاتهام المصري لحزب الله بتشكيل خلية للعمل في داخل مصر، بالبرود الشديد الذي يعكس قدرا مفاجئا من الحذر والحياد، الذي يكاد يحرم الحزب من اهم عناصر مناعته السياسية في هذه المواجهة التي تستخدم فيها مختلف انواع الاسلحة المحرمة.
ولولا بعض الاصوات الفلسطينية الفردية، لكانت فصائل المقاومة المتحالفة علنا مع الحزب تتنصل من الاتهام، وتنكر حصولها على معونات عسكرية ولوجستية من الحزب، وتعلن انها تقف وراء القاهرة، ولا تريد نقض مرجعيتها الفلسطينية ورعايتها الحصرية للحوار الوطني الفلسطيني، ولا تود ان تظهر انها تتحدى هذا الدور المصري او تتناقض معه باي شكل من الاشكال.
بكلمة اخرى، اوحت التنظيمات الفلسطينية انها من جهة لا تقوم بتهريب السلاح الى قطاع غزة، ولا ترغب من جهة اخرى في تلقي الاسلحة عن طريق حزب الله بالذات، او ان تفصح علنا عن علاقتها العسكرية مع الحزب وايضا مع حليفته ايران، في اللحظة التي تشهد واحدا من اشد الاشتباكات العربية الايرانية، التي تضع حركة حماس وبقية فصائل المقاومة في موقف حرج بين التصاقها بأشقائها العرب وبين ارتباطها بحلفائها الايرانيين.. وهو موقف سبق ان اخرج تظاهرات في قطاع غزة تتهم حماس بالتشيع، وهي منه براء!
ولعل ما يفسر هذا الإحجام الفلسطيني عن الانتصار لحزب الله في المواجهة الصعبة التي يخوضها مع مصر هو اقدام امينه العام السيد حسن نصر الله على الاعتراف بالاتهام المصري، او على الاقل بجانبه الفلسطيني، والاقرار بان الحزب سيواصل ارتكاب مثل هذا «الذنب»بحق مصر، ما يعني انه قرر تحدي ليس فقط الامن المصري بل اساسا النظام السياسي المصري الذي يعتبر ان قطاع غزة هو جزء من مكونات امنه واستقراره الداخلي، الذي يتطلب اعادة القطاع الى حضن السلطة الوطنية الفلسطينية، واقناع حركة حماس وفصائل المقاومة ان الصراع قد انتهى على تلك الجبهة، او تحول الى عبث باهظ الثمن.
وفي هذه الحالة، لا يمكن لحركة حماس خاصة ان تمضي قدما مع حزب الله في ذلك التحدي الذي يعادل قرارا لن يتخذه اي تنظيم فلسطيني ايا كان تطرفه، بممارسة الشغب على القاهرة مهما بدت لمثل هذه التنظيمات تحديدا ضعيفة ومتهاونة امام العدو الاسرائيلي.. وهو ما يستفز الشارع المصري اكثر بكثير مما استفز عندما حطم الفلسطينيون الحواجز الحدودية مع قطاع غزة عند معبر رفح.
ثمة حديث عن توزيع ادوار ضمني، يتيح لحزب الله ان يدفع المواجهة مع القاهرة الى الحد الاقصى، ويسمح للتنظيمات الفلسطينية ان تنأى بنفسها عن موقفه المتطرف. لكن رد الفعل المصري بات من الحدة بحيث انه يستهدف قطع كل الصلات بين هذين الجانبين اللبناني والفلسطيني، وإنهاء ذلك الاختراق «الايراني» الذي لم يسبق له مثيل، والذي افسح المجال لطهران ان تعلن انها صارت تقف على حدود مصر.. وتخضع الفلسطينيين جميعا لخيار مستحيل، يزيده حزب الله استحالة.
السفير