صفحات العالمما يحدث في لبنان

أغلب الظنّ أن الانتخابات اللبنانيّة لن تغيّر شيئاً

حازم الأمين
الغريب كل الغرابة في لبنان ان ثمة استحقاقاً انتخابياً يُجمع المراقبون على تلاشي اهميته يوماً بعد يوم، وعلى رغم ذلك توظف فيه كل الطاقات وتحشر في سياقاته كل الوقائع. الأزمة بين مصر وحزب الله، وحادثة قتل عناصر الجيش اللبناني في البقاع الغربي، واحتمال الإفراج عن الضباط الأربعة الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كل هذه الوقائع من المفترض ان تُستخدم في معركة انتخابية المنافسة الفعلية فيها على مقاعد لا يتعدى عددها السبعة، فيما البقية حُسمت هويات شاغليها.
وقائع تشكيل اللوائح لم تعد مسلية، والضجر الذي تبعثه بلادة المرشحين وصورهم المستنسخة عن صور أسلافهم وآبائهم والتي بدأت تتفشى في شوارع بيروت، صار علامة ايامنا هنا، ومن لم يدركه الضجر بعد، فلانشغاله بغير هذه الانتخابات.
ان تنهي نهارك في بيروت عاملاً او موظفاً فتقفل عائداً الى منزلك متوهماً قضاء ساعات من الراحة…، فذلك ما لن تحصل عليه.
مصادفتك الصورة العملاقة للشيخ نديم بشير الجميل مماهياً صورة والده ومستعيداً نظارته وإشاحته، ستعيد وصلك بخيط الضجر الذي اعتقدت انك بددته بمشاغلك العادية. وما ان تصل الى المنزل متوارياً ومحاولاً استئناف ما بدأته قبل اصطدامك بصورة ذلك الشاب الوسيم، حتى يُطل عليك الشيخ نعيم قاسم من شاشة التلفزيون رافعاً سبابته قائداً وموجهاً ومحذراً.
اعتقادك انك الآن على موجة اخرى من الدعة والرغبة بدفء متوهم يبعثه المنزل بعد ساعات من العمل، لن يصمد امام القوة المنبعثة من صورة الشاب نديم ومن مشهد الشيخ نعيم. فأنت الآن في موسم المرشحين الى الانتخابات النيابية، وأنت نفسك كنت توهمت بأن هذه الانتخابات ستكون امتحاناً يحسم فيه اللبنانيون منازعاتهم على هوية الدولة ومعناها ومستقبلها! لكنك مبكراً اكتشفت انها لن تكون…
لا شيء ستحمله هذه الانتخابات، والسذاجة التي دفعتك لاعتقاد آخر ليست طارئة، وعليك ان تبدأ بالبحث عن اسبابها، و«الذكاء» الذي ادعيته يوماً من المفترض ان تراودك حياله شكوك فعلية.
فأنت توهمت يوماً بأن الانتخابات ستكون فاصلاً بين اعتقادين سادا في الفترة السابقة، وفي الوقت نفسه، انت نفسك كنت قررت ان لا تتوجه الى صندوق الاقتراع لأنه لا امل في ان يغير صوتك شيئاً في الدائرة التي تنتخب فيها. وحالك هذه حال غالبية من تعرفهم على ضفتي الانقسام في لبنان، فكيف اذاً راودتك اوهام الانتخابات ذات يوم؟ تخيل مثلاً حقيقة ان الانتخابات التي سبق ان عولت عليها سيخوضها مرشح صديق لك، ولكنه لن يتمكن من التواجد شخصياً في الدائرة التي ترشح عنها: ذلك ان حزب الله لن يمكّنه من ذلك. وأعد بينك وبين نفسك تلك المعادلة المريرة التي فاتحتك بها صديقة ستقترع في دائرة الأشرفية عندما قالت انها مخيّرة بين ان تقترع للمرشحة نايلة تويني التي لا تخاطب ذكاءها وبين ان تقترع لمن تعتقد انه سيرهن البلد لسورية وايران، قاصدة مرشح التيار العوني عصام ابو جمرة. الامتناع عن التصويت في هذه الحال سيكون نوعاً من الاقتراع السلبي لمن لا قناعة لنا في خياراته، في حين سيكون التصويت اقتراعاً لمن لا ندعي انه خير ممثل لخياراتنا.
كل هذا يبقى في منطقة السعة والقدرة على التحمل والمكابدة، ولكن ما لا يبدو اننا نقوى على تحمله هو ان قيمة اقتراعنا، مهما كانت الجهة التي سنمنحها ثقتنا، صارت منعدمة. فالكلام الدائر عن ان معادلة ما بعد الانتخابات رسمت قبل معرفة النتائج، وإن لم يكن دقيقاً، لا يخلو من صحة. المؤشرات الى صحته كثيرة تتراوح بين حركة تشكيل اللوائح وتضمينها شخصيات تمثل تلك المعادلة، وبين تخاطب سياسي مختلف ومنزوع من سياق الانقسام السياسي. وما استجد على هذا الصعيد انتقال الاعجاب المتبادل بين نبيه بري ووليد جنبلاط الى اعجاب مماثل بين الاخير وحزب الله.
اذاً ما الذي سيدفعنا في 7 حزيران (يونيو) الى الاستيقاظ باكراً والتوجه الى بلداتنا في رحلة تستغرق اكثر من ساعتين لنضع ورقة في صندوق الاقتراع. قد يكون القول بأن لا قيمة لهذه الورقة اليتيمة ممجوجاً ومستخفاً بحق يمثل الحد الادنى من قواعد مواطنتنا، لكن اليس في فعلتنا (الاستيقاظ باكراً والذهاب الى اقتراع يائس) استخفاف يجاريه لا بل يفوقه سذاجة.
وعلى رغم ذلك يزج المتنافسون في معركتهم قضايا يعتقدون انها ستكون مادة «المعركة الانتخابية». الضباط الأربعة، وحادثة البقاع، والأزمة بين مصر وحزب الله… هذه عناوين لانتخابات كونية، فيشير كارلوس ادّه الى قبول ميشال عون انتهاك حزب الله السيادة المصرية معتقداً ان هذا الكلام سيؤثر بالناخب الكسرواني، ويكرر النائب العوني نبيل نقولا لازمة عن براءة الضباط الاربعة معتقداً بدوره ان هذه البراءة قد تمثل براءة مماثلة لحلفاء جدد من الصعب اقناع ناخبيه ببراءتهم!
تتناسل حلقات مأزق المقترع اللبناني في محنة الانتخابات المقبلة الى ان يجيب اليأس المتمثل في هذه الحقائق يأساً ابعد منه. فالمنطقة بأسرها عاجزة عن استقبال تغيير ناجم عن عملية اقتراع فعلي! في العراق مثلاً كانت نتيجة الانتخابات المحلية الأخيرة (النزيهة نسبياً) ارتفاع منسوب العنف الى حد لامس احتمال استئناف حرب اهلية. وباكستان سبقت العراق الى هذا المصير في اعقاب انتخابات نزيهة ايضاً. اذاً قد يكون من الحكمة ان لا تثير فينا صورة نديم بشير الجميل يأساً، وان لا يجرنا مشهد نعيم قاسم متوتراً الى توتر مشابه، وان نسلك الى منازلنا طرقاً نخفف فيها خسائر نفسية، في حين نطلب من اولادنا وازواجنا وزوجاتنا ان يطفئوا التلفزيون قبل وصولنا الى المنزل.
انعدام التغيير هو وجه التسوية في لبنان، والاصرار عليه عواقبه وخيمة… اما الانفجار واما استمرار الحال على ما هي عليه.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى