صفحات سورية

سوريا .. والعودة المتدرجةالى مثلث القرار العربي

null
سيمون خوري
العديد من الخبراء السياسيين يطلقون على بلدان مصر والسعودية وسوريا مصطلح ( مثلث القرار السياسي العربي ) وهي بلدان، تتصف بحذر شديد بسياستها الخارجية . او حسب رأي البعض قرار السلحفاة السياسي . لكن هذا القرار كان دوماً مؤشراً حول طبيعة الرياح السياسية التي قد تعصف بالمنطقة مثل ( طوز الخليج ) أو هادئة مثل نسيم شط الهوى الاسكندراني .
ومع ذلك فهي منطقة تتصف بالتشرذم السياسي او التمدد ثم التفسخ ثم التوافق . وهي تعبير حي عن صراع مصالح وإرادات إقليمية قوية تظهر للعلن ، وتتواري خلف ستارة في مرات أخرى . تنوب عنها منظمات وحركات أقل قيمة من بيدق شطرنج .
وفي مقال سابق على هذا الموقع كنت قد أشرت حول دورالقاهرة في تشكيل خارطة سياسية جديدة للمشهد الفلسطيني . والاسباب التي أدت بحركة حماس للهاث خلف الموقف المصري بشأن موضوع التسوية القادمة ، وليس المصالحة الوطنية أو إشتباكات قلقيلية ؟. وذلك بسبب قراءة حركة حماس لطبيعة التغييرات الحاصلة في التوجهات السورية القادمة . لكن ما هو الدور المصري – السعودي فيما يتعلق بإستعادة سوريا الى موقعها الطبيعي في إطار تكامل مثلث القرارالسياسي العربي الذي تفكك سابقا .ً
يعتبر بعض المحللين ، أن الدعوة التي وجهها الرئيس السوري السيد بشار الأسد وعقيلته الى الرئيس الامريكي السيد اوباما وعقيلته لزيارة سوريا هي (ضربة معلم) حسب التعبير السوري . ومع العلم المسبق أن الرئيس الامريكي لن يلبي هذه الدعوة . البعض الاخر إعتبر أن الدعوة ، تندرج في سياق رسالة سياسية بأن الموقف السوري من واشنطن لا يندرج في خانة نزعة معاداة الامريكان بدون سبب ؟
وبالتالي فإن محور التشدد والممانعة بإمكانه التحول نحو مرونة تتصف بالواقعية فيما إذا ترجمت واشنطن أقوالها الى أفعال على رأي السيد خالد مشعل رئيس حركة حماس . علماً أنه فات السيد مشعل الكشف صراحة عن أفعال واشنطن المطلوبة في المنطقة . طبعا والحق يقال أن واشنطن ليست معنية في الوقت الحاضر بإضاعة وقت مع أطراف ثانوية في الشرق الاوسط في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بدور قوات حفظ السلام بين إمارة غزة وسلطنة رام الله . ولنتخيل أن كلا المنطقتين في حالة تجاور جغرافي ما هو المشهد الفلسطيني بين الطرفين ؟ ؟؟ أعوذ بالله
وكيلا ننساق للحديث عن حرب داحس والغبراء الفلسطينية نعود الى صلب الموضوع .
خلال حملة الانتخابات الامريكية ، لبيت دعوة غداء مع عدد من الزملاء الصحافيين الاوربيين من قبل أحد المستشارين الاعلاميين في الحملة الانتخابية للسيدة كلينتون . وكان هدف اللقاء هو إستطلاع رأي ممثلي بعض وسائل الاعلام في بلدان الاتحاد الاوربي ، حول السياسة الخارجية الامريكية . ولدى سؤاله حول مستقبل العلاقات الامريكية – السورية ، أجاب ، نحن نرحب بعودة سورية سريعة الى محور القاهرة – الرياض . وسوريا تدرك أن مصالحها القادمة هي في إعادة إحياء مثلث القرار العربي ؟ لأن المراهنة على طهران قد إستنزف ولم يعد للسياسة الايرانية ما تقدمه في المنطقة سوى إجترار ذات الخطاب السياسي الذي بات معروفاً وإنتهى .
الإجابه كانت عبارة عن ملخص مكثف جداً لتوجهات السياسة السورية المتوقعه القادمة. والاستراتيجية الجديدة للسياسة الامريكية القادمة إتجاه المنطقة عموما وسوريا خصوصاً . وهو الوصف الذي إطلق علية دورالقوة الناعمة بدل عصا بوش الفاشلة . وطالما أن المصالح هي التي تتحكم بمواقف الدول . وابرز مثال العلاقات الايطالية – الليبية ، والعلاقات الروسية – السعودية والعلاقات المصرية – الاسرائيلية ، وحتى العلاقات الدولية ذاتها . وبالتالي لا يوجد سبب لعدم عودة الروح الى العلاقات الامريكية السورية ، فيما إذا لوحت الادارة الامريكية بإمكانية إيجاد مخرج لموقف إسرائيل المتصلب آزاء الجولان السوري المحتل . سواء بإرتباط ذلك بمشروع أوسع أو إقتصاره على المسار السوري فقط . وإسرائيل عملياً ليست مستعجلة على الملف الفلسطيني . وبالنسبة لها حسب العديد من التصريحات الاسرائيلية فإن الوصول الى سلام مع سوريا يشكل أهمية خاصة . وهذا موقف سياسي مفهوم ويحظي بدعم ، وتأييداً واسعاً في العواصم الاوربية ، لاسيما قصر الإليزيه . الذي بادر مبكراً الى فتح نافذة فرنسية دولية لسوريا مقابل رفع يد سوريا عن الانتخابات اللبنانية التي حصلت مؤخراً . ( راجع نتائج زيارة الرئيس السوري الى باريس ) وتم إعتبار نتائجها هزيمة للمشروع النجادي الايراني في لبنان . وإنتصار للمحور المصري – السعودي . ورغم صحة الموقف السياسي السوري في هذا الإطار فإنه عكس في حقيقة الأمر وجود تباين صامت في العلاقة السورية – الإيرانية . وهي خلافات عمليا بدأت تظهر للسطح مع نتائج القمة العربية في الكويت آبان الحرب على غزة . رغم كل محاولات قطر لرأب الصدع ، او من خلال الزيارات المكثفة لمسئولين إيرانيين الى دمشق . لكن هذه المحاولات لم تفلح في تغيير القرار الاستراتيجي الذي إتخذته دمشق تمشيا مع مصالحها . فهي كانت تنتظر فرصة رحيل بوش من البيت الابيض . وحانت ساعة العودة بقوة على المسرح السياسي الاقليمي والدولي بعد وصول السيد أوباما الى البيت الابيض .
وبما أن منطق المصالح هو الذي يقود دفة السياسة الخارجية فقد تعاملت سوريا مع ملفها الخاص بمنطق الحرص على موقعها السياسي الاقليمي وسط بيئة تموج بمتغيرات خطرة . كان الهدف السوري يتمثل خلال فترة حكم الرئيس السابق بوش في كيفية إحتواء الضغوط الامريكية عبر منافذ وقوى إقليمية قوية مثل إيران ، ومخالب تجرح غير أنها لاتستطيع العض ( حماس – حزب الله ) وخلصت حسابات دمشق في حينها الى النتيجة التالية ، طالما أن الدائرة العربية مقفلة أمامها ، والدائرة الدولية تعاني فيها مصاعب ، وضغوط إقتصادية تمارس ضدها بشكل أو بآخر فإن منطق الامساك بالعصا من الوسط ( سياسة عرفات ) هو الذي يؤجل الصدام الكبير الذي توقعه البعض بين دمشق وواشنطن خلال الفترة الاخيرة من عهد بوش . وربما ما شهدناه في إجتماعات قمة الدوحة والكويت ، ثم الدور المميز للسفير السوري في واشنطن ، هو الذي أدى الى بداية تليين او لنقل دفع الموقف السوري الى قراءة جديدة للمتغيرات القادمة . وهذا ما حصل حيث توالت بعد ذلك جولات إستطلاع رأي امريكية قبيل إعلان نتائج الانتخابات الامريكية ، زيارة رئيسة الكونغرس ، ووفود أخرى على مستوى رفيع ثم رغبة واشنطن بتعيين سفير لها في دمشق. في وقت كانت سوريا تدرك أن مفاوضاتها السابقة عبر الوسيط التركي مع إسرائيل ليس سوى عملية كسب وقت إضافي . وأن أولمرت الضعيف غير قادرعلى إتخاذ خطوة شجاعة بإعلان نيته الانسحاب من الجولان السوري المحتل . لكن ومع ذلك حرصت دمشق على التفاوض ، كبادرة حسن نية سياسيه كما يقال موجهة للادارة الامريكية الجديدة . وهذا ما حصل حين دعا الرئيس السوري بشار الأسد لاحقا فرنسا للقيام بدور الوسيط ، متخليا عن الوسيط التركي . الذي عهدت إليه واشنطن القيام بدورإقليمي مختلف بالتنسيق مع السياسة المصرية والسعودية لفرملة الموقف الايراني عند حد معين فلسطينيا وعراقياً. ثم طلبت سوريا رعاية واشنطن لأية مفاوضات قادمة . على الصعيد البراغماتي هو منطق سليم ، فعندما تستطيع تقبيل يد السيدة لايوجد سبب لتقبيل يد الخادمة . وهنا كان على الخادمة الفرنسية رعاية الطفل الصغير المدلل في أعقاب وعد الجار الشقي بعدم التدخل في الانتخابات النيابية القادمة في لبنان. بل وتحول دوره في الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني من طرف غير مباشر الى وسيط . تناغما مع التوجهات المصرية- السعودية . ( لاحظ زيارة الوفد المصري الأمني مؤخراً الى سوريا ) وكذلك التحسن في علاقات دمشق مع الرياض . هذه الصفقة منذ بدايتها كانت تؤشر لهزيمة حزب الله في الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً . ولم يكن في حساب حزب الله تفتت الجبهة السياسية الداخلية الايرانية اللاحق، لكن حسابات دمشق كانت مختلفة تماما عن حسابات السيد الفقية . حيث كانت تسعى الى كسر الطوق المعادي لها إقليمياً وعالمياً بسبب إرتباطها الكامل مع الحليف الايراني . والقمة الرباعية الاولى التي تمت برعاية باريس في العام الماضي نموذج على الاشارات المتبادلة بين دمشق وأكثر من مركز قرار دولي مؤثر . حول بداية تحولات الموقف السياسي السوري نحو الانفتاح مقابل تحجيم وتقزيم علاقاتها مع المحور الايراني الذي بدى وحيداً في الساحة في أعقاب الموقف الدولي القوي إتجاه الملف النووي الايراني الذي لوث سماء دمشق بسحب رمادية .
فيما كانت عواصم اوربية توجه رسائل الى سوريا مفادها أن من ضمن قرارات حلف الناتو بدورته المنعقدة في العام 1999 يصبح من حق الحلف التدخل خارج محيطة الجغرافي في ستة حالات إحداها إحتمال وصول أسلحة الدمار الشامل الى بلد يجب ألا تصل إليه . وبالتالي إذا تذكرنا معنى اللغط الذي أثير حول وجود آثار يورانيوم في بعض المواقع السورية ،رغم عدم صحة ذلك ، يصبح مفهوما معنى الرسالة الدولية . ويصبح مفهوماً أكثر عند مناقشة الملف الامني العراقي . لذا لم يكن امام سوريا من خيار آخر إما التسمك بغباء بسياسة الولاء للحليف التاريخي أو تدارك الوضع وإنقاذ الحالة السورية من ورطة عمرها من عمر الخميني . وجاءت نتائج الانتخابات الايرانية الاخيرة لكي تساهم بتسريع وتيرة التحول السياسي السوري . نحو إنفراج في العلاقات الامريكية – السورية وإعادة تبني الرياض والقاهرة للدور السوري على قاعدة المشاركة السياسية برسم خارطة المنطقة من جديد . لاسيما وأن عواصم عديدة تناقش مرحلة ما بعد خامنئي . فكما شكل وصول الخميني زلزالاً ساسيا في المنطقة ،كانت نتائج الانتخابات الايرانية وما أثير حولها ، رياح تسونامي التي ستصل عاجلا أم آجلا شواطئ قم . وإذا سار السيناريو السياسي للمنطقة دون مفاجئات دراماتيكية ، ربما سنشهد قريباً إفتتاح حديقة السلام الدولية في الجولان . ودور أكبر للشريك السوري في مثلث القرار في الشأن العراقي كبديل عن الدور الايراني . أما الجانب الفلسطيني فسوف يشتري السلام المعروض عليه ،طالما أن ليس لديه ما يقدمه في بازار أكبر من حجمة الحقيقي ، بعيداً عن شعارات الاستهلاك الداخلي والفضائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى