وائل غالي يكشف ‘سرقات’ عبدالرحمن بدوي من هايدغر: كتاب جديد يفتح معركة حول الفكر المصري المعاصر
محمود قرني
القاهرة – ‘القدس العربي’ يواصل الناقد ‘وائل غالي’ رحلته النقدية في الفكر والفلسفة بدأب شديد، فبعد كتابه الأخير الصادر قبل عام تقريبا بعنوان ‘الشعر والفكر، أدونيس نموذجا’ هاهو يصدر كتابه الجديد ‘قراءة في الفكر المصري المعاصر’ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب والذي يتضمن عددا من الدراسات المتخصصة ردا على كتابات عدد من المفكرين والنقاد، ويبدأ غالي بمقدمة تحت عنوان ‘البحث عن التحدي في الثقافة’ يشير فيها إلى سيادة نسق تفكيري واعتقادي يؤمن بالشعوذة ويستبعد العلم، حيث يرى أن البحث عن التحدي في الثقافة يجب أن ينصب على هذا العامل السالب، وهذا العامل السالب لا يمثل بعدا واحدا بل يمثل أبعادا متعددة ويقول ‘البحث في التحدي إنما هو بحث تراجيدي في أكثر الديانات التوحيدية التقليدية كاليهودية والمسيحية والإسلامية فقد كانت معرفة الشيطان فاتحة التمييز بين الخير والشر، ويعرج وائل على صورة الشيطان في الفكر العربي والعالمي بداية من رواية ‘الدكتور فاوست’ مرورا بالكتب المقدسة وبعض الروايات العربية، ويرى وائل غالي أن تحدي الثقافة واستجاباتها يجابه المجتمع المصري على مدار تاريخه الراهن عبر مشكلات متعاقبة، لذلك فهو يدعو النقد الى دعوة العقل للتفكير مرة أخرى من خلال الشك المنهجي في الذات، أما في بحثه الأول حول ‘رحلة ديريدا إلى مصر’ فيشير في البداية إلى المشكلات التي تربط جاك ديريدا باليهودية، وهي المشكلات التي يرى وائل أن عبدالوهاب المسيري المتخصص الأشهر في العالم العربي في اليهودية لن يستطع إثارتها معه في اللقاء الذي جمع ديريدا بمثقفي القاهرة في شهر شباط (فبراير) العام 2001، وتنقل وائل بعد ذلك الى مناقشة معمقة حول الديانة اليهودية وإلى الأسئلة التي غابت وكان يجب أن تكون حاضرة، فينتقد وائل الأسئلة التي وجهت لديريدا حول الماضوية المصرية والمركزية الأوروبية لأنه ببساطة أحد نقاد المركزية منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت، وذلك واضح في كتابه ‘علم الكتابة’ على وجه الخصوص، وهو كتاب كما يشير المؤلف صادر عام 1967.
ويقرر غالي أن ديريدا بلا شك فيلسوف يهودي بل هو يتتبع الخطوات اليهودية التي يخطوها هيغل’ وهي الخطوات التي يفسرها غالي بعد ذلك في تتبعه لفلسفة مندلسون اليهودي التنويري الذي يقول ‘الشرائع اليهودية لا تضيف لنا شيئا يذكر على مستوى المعرفة أو الوعي أو الحقيقة الخالدة لذلك لا يظهر وجود الله في مظهر الحقيقة إنما يظهر على هيئة الأمر، لم يكن اليهود سوى عبيد ولا يمكن أن يكون المرء عبدا لحقيقة ما أو جمال ما..’.
أما في الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان ‘الصورة القديمة في عصر الصورة’ فيناقش وائل غالي رؤية الدكتور جابر عصفور في كتابه ‘الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب’ ويرى أن هذه الصورة عند العرب وليدة علم اللغة والبلاغة، بينما هو يرى أن الصورة أصبحت ‘في أفق النظرية النقدية المعاصرة أشمل وأعم من العلامة اللغوية أو البلاغية’ ويوضح المؤلف بعد ذلك في استطراده أن النظرية النقدية المعاصرة منحت الخيال دورا للغة نفسها، أما الصورة فتظل نظاما للعلامات لا نظاما لغويا حسب المعيار القديم. ويقول وائل ‘إذا كان صحيحا أن الكشف عن جوانب الخيال يكشف عن الأساس النظري المتكامل لأي نظرية أصيلة في الصورة، حسبما يعبر جابر عصفور فإن هذا يعني أحد أمرين: إما أن النظرية النقدية المعاصرة ليست معاصرة أو أن بحث جابر عصفور في الصورة ليس معاصرا’.
أما حول ‘كلمات عبدالرحمن بدوي الأخيرة’ فقد جاء البحث الثالث، وهو البحث الذي يبدأه وائل بالتقرير بسرقة عبدالرحمن بدوي حوالي ثلاثين صفحة من كتاب وجود وزمان للفيلسوف الألماني مارثن هايدغر دون إشارة الى أي اقتباس، وهي الحقيقة التي أشار إليها سابقا يوسف مراد ثم اختلف معها مراد وهبة وأحمد عبدالحليم عطية، لكن البحث في مجمله لا يناقش مشكلة النقل عند عبدالرحمن بدوي بل يناقش مشكلة الذات ووضعها في موضع السؤال وذلك عبر ‘سيرة حياتي’ لعبدالرحمن بدوي الذي أهال فيها التراب على كثير من مجايليه وأنداده، ويناقش وائل موقف بدوي من الاستشراق وانحيازه للقرآن والسيرة وإعادة الاعتبار لمواقف إدوارد سعيد وأنور عبدالملك والشيخ الغزالي، ويتمسك وائل بموقف ابن خلدون، الذي يشير إلى أنه أحد مراجع بدوي، ويشير أيضا الى أنه قال ‘من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم من العجم، وليس في العرب حملة علم لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبة، فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع أن الملل عربية وصاحب شريعتها عربي’، وهذا الموقف يدفع المؤلف لطرح تساؤل: هل مشروع عبدالرحمن بدوي الحقيقي هو بناء لعلمانية من داخل وجودية صوفية؟ ويرى وائل أن ثمة شكلية في الخطاب وأن الموقف الأخير لعبدالرحمن بدوي لم يكن فجائيا أو سريعا أو قطعيا، إنما أتى في هيئة علمية غير متتالية، كذلك فإن ثقافة عبدالرحمن بدوي رفدتها مصادر متعددة ويتناول المؤلف جانبا كبيرا من سيرة حياة بدوي والمؤثرات التي تكون خلالها، ويبرر وصفه لمنهج بدوي بالشكلية في أن شكه اقتصر على وجود الإنسان وذهب الى حد الانفصال الإرادي الصوفي عن العالم وهو ما يؤكد وجودية عبدالرحمن بدوي لدى وائل غالي، الذي يرى أن بدوي لم يكن البطل الذي تناول الأشياء والكلمات تناولا جذريا من البداية إلا أنه في نظره أسس لمرحلة الفهم الفكري المصري والعربي الجديد.
أيضا يتناول غالي في الفصل الرابع المشروع الفكري للدكتور ‘أنور عبدالملك’ تحت عنوان ‘بحث أنور عبدالملك عن مصر’ ويسرد فيها قصة حوار مطول معه بمناسبة كتاب كان يزمع إعداده حول الرجل وهو الحوار الذي تحول فيه المؤلف الى مجيب وتحول فيه عبدالملك الى سائل بينما كان من المتفق عليه أن يحدث العكس، وعلى أية حال فإن ما شغل غالي لدى عبدالملك هو فكرة الخصوصية التي يرى أن ابن خلدون هو صاحبها، غير أن هذه النظرية لدى عبدالملك تقوم علي تحديد الموضع الحقيقي لمشكلات الاختلاف والتكرار وهي أداة تتوسط بين الخاص والعام الوطني والكوني، ويضيف غالي إلى التعريف أن الخصوصية ايضا هي أداة تفسير الاختلاف الخاص بين مختلف التشكيلات الاجتماعية الوطنية والثقافية، ويضيف وائل أن أنور عبدالملك يضيف لمفهوم الخصوصية عمق المجال التاريخي الذي دفعه للربط بين ثقافات مصر الفرعونية وبلاد فارس والصين، وهو ما أسفر عما يسمى بالتفاعل الجدلي بين عوامل الاستمرارية وبين عوامل التحول في نمط الانتاج حسب المؤلف.
هذا ويتناول وائل غالي الى جانب ذلك أفكار الاقتصادي والعالم سمير أمين في فصل بعنوان ‘متى يعلنون وفاة المركزية’؟ ثم يتناول في بحث مستقل ‘بحث أحمد زويل عن الزمن’.
وفي فصل بعنوان ‘سلطة النص بلا ضفاف’ يتناول جانبا من أفكار عبدالهادي عبدالرحمن ‘في كتابه سلطة النص’ الصادر عن دار سينا للنشر، ونشر وائل ايضا رد عبدالهادي عبدالرحمن عليه في أعقاب هذا البحث، كذلك تضمن الكتاب فصلا عن التشكيلي والمثال الرائد صبري ناشد في بحث تحت عنوان ‘تحت كوكب آخر’ ثم مقالة عن ‘جادامر’ بعنوان ‘قراءة للراهن الجميل’.
يقع الكتاب في 280 صفحة من القطع الكبير وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
القدس العربي