أوباما والديموقراطية في الشرق الأوسط
رضوان زيادة
يعكس النقاش الدائر اليوم داخل الولايات المتحدة حول مستقبل سياسة تعزيز الديموقراطية في الشرق الأوسط قلقاً منبعه أن إدارة أوباما ستركز على الصراع العربي الإسرائيلي أكثر من اهتمامها بقضايا حقوق الإنسان أو الديموقراطية في الشرق الأوسط، فعندما لا تجد السياسة الأميركية في تعزيز الديموقراطية مصلحة سياسية مباشرة لها، خاصة في المنطقة العربية، فإنها ستتخلى عنها وتعود إلى سياسة الاستقرار المستدام الذي كان محور السياسة الأميركية في المنطقة على مدى خمسة أو ستة عقود. ويمكن اليوم استخلاص العديد من الدروس من الأخطاء التي وقعت فيها إدارة الرئيس بوش في نشر الديموقراطية وهي النصائح التي على إدارة أوباما أن تتبعها إذا رغبت في الوصول إلى نتائج أو ثمار حقيقية فيما يتعلق بنشر الديموقراطية :
أول هذه الأخطاء أن سياسة نشر الديموقراطية ارتبطت بما يسمى الحرب على الإرهاب ثم الحرب على العراق، فسياسة نشر الديموقراطية لم يُنظر إليها في منطقة الشرق الأوسط أنها لصالح مجتمعات هذه المنطقة وشعوبها من أجل تحقيق الاستقرار الدائم والرخاء الاقتصادي والازدهار المطلوب، بقدر ما نُظر إليها على أنها مترافقة مع الحملة الأمريكية على الإرهاب، ثم كتبرير لغزو العراق فيما بعد، بل ان الإدارة الأمريكية لم تتبن سياسة نشر الديموقراطية بشكل واضح إلا بعد فشل السياسة الأميركية في العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق، عندما وجدت الإدارة الأميركية أن فكرة تحرير العراق من حكم صدام حسين فكرة جيدة ويمكن استغلالها لتبرير الحرب داخل المجتمع والإعلام الأميركيين أولاً، ثم أمام الشعوب العربية التي وقفت بقوة ضد غزو العراق.
ولذلك يمكن القول إنه من الصحيح أن نشر الديموقراطية لم يكن على الأجندة السياسية كفكرة مطلوبة لذاتها، لكن تم استغلال هذه الرغبة لوضع الفكرة الديموقراطية في مركز هذه السياسة.
أما ثاني هذه الدروس فهو استعادة بناء الثقة الأميركية، فالحرب على العراق ترافقت مع الكثير من الأخطاء التي أفقدت الولايات المتحدة للمصداقية فيما يتعلق بنشر الديموقراطية. فالانتهاكات الفادحة لحقوق السجناء في أبو غريب، واستمرار احتجاز السجناء في غوانتانامو بدون توجيه أي تهم لهم،بل إن الإدارة الأميركية السابقة حاججت في مدى انطباق اتفاقيات جنيف الخاصة بأسرى الحرب عليهم، كل ذلك دمّر المصداقية الأميركية في نشر الديموقراطية وجعلها هدفاً سهلاً للغاية للكثير من الانتقادات، لذلك فإن الخطوات التي اتخذتها إدارة أوباما في إغلاق سجن غوانتانامو وتحسين سجل الولايات المتحدة في التوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، من شأنه أن يعيد المصداقية للولايات المتحدة عبر تحسين سجلها في حقوق الإنسان.
ثالث هذه القضايا هو التزام الولايات المتحدة المبدئي والثابت بسياسة نشر الديموقراطية بوصفها الطريق الآمن للولايات المتحدة لتحقيق مصالحها على المدى البعيد، ولذلك فسياسة نشر الديموقراطية يجب أن لا تخضع لسياسة الابتزاز التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية، التي ترهن ما تسميه الاستقرار بوجودها، فالاستقرار الدائم والحقيقي هو ما يتم عبر بناء مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية والقضائية والسياسية، والتفريق الدائم بين الدولة والسلطة أو الدولة والحزب الحاكم. فالأنظمة العربية تمارس سياسة الابتزاز من خلال إفراع وجود بدائل ضرورية ومناسبة ضمن ما يسمى النخبة السياسية.
آخر الدروس الواجب دراستها بدقة فيما يتعلق بسياسة نشر الديموقراطية هو الموقف من الحركات الإسلامية، فالولايات المتحدة قد تراجعت عن سياسية نشر الديموقراطية عندما وجدت الاختراقات التي حققتها بعض الحركات الإسلامية خاصة الإخوان المسلمين وحماس في الانتخابات التي جرت في مصر والأراضي الفلسطينية، والصعود الديني للأحزاب الإسلامية في العراق، مما دفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن هذه السياسة والعودة إلى سياسة دعم الحلفاء أو المعتدلين كما أطلقت عليهم، خاصة أن هذه الحركات بشكل خاص تحتفظ بسياسة عدائية تجاه الولايات المتحدة وخاصة بالنسبة لإسرائيل، وهو ما أخلّ بالمصداقية الأميركية فيما يتعلق بالتزامها الدائم بمبدأ نشر الديموقراطية بغض النظر عن نتائجها. وفي الحقيقة لا بد من حل الإشكالية الخاصة بالعلاقة بين الحركات الإسلامية والولايات المتحدة، لأن ذلك يعد العقبة الرئيسية التي تمنع الولايات المتحدة من الدفع في هذه السياسة إلى نهايتها، وبنفس الوقت تشجع الكثيرين من مناهضي سياسة نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط داخل الولايات المتحدة إلى إثارة الأسئلة أو طرح العراقيل أو التشكيك في هذه السياسة فيما يتعلق بتحقيق مصالح الولايات المتحدة.
في البداية لا بد أن نقر أنه يجب أن لا يتم وضع كل الحركات الإسلامية جميعها في خانة واحدة، بل إن اختلافات جوهرية تتحلى بها كل حركة سواء فيما يتعلق بإيمانها بمفهوم الديموقراطية ونبذ العنف بكل أشكاله وانتهاءً إلى قبولها التام للاحتكام إلى صناديق الاقتراع والقبول بنتائج عملية انتخابية حرة، وقد أظهرت التجربة أنه بقدر ما تكون الأنظمة السياسية منفتحة باتجاه التعامل مع الإسلاميين ـ وفي الوقت نفسه جادة باتجاه إنجاز خطوات على طريق التحول الديموقراطي ـ بقدر ما تصبح هذه الحركات مقبولة وملتزمة بالمؤسسات السياسية والدستورية والقضائية،بل وتكون حامية ومدافعة عنها، كما هي حال المغرب والكويت على سبيل المثال، لذلك على الولايات المتحدة أن تدفع باتجاه القبول بنتائج العملية الديموقراطية حتى ولو أتت بالإسلاميين إلى الحكم، إذ عندها سيصبحون أكثر واقعية وبراغماتية فيما لو بقوا على مقاعد المعارضة السياسية كما هي حال حزب العدالة والتنمية في تركيا.
فإدماج الإسلاميين داخل عملية التحول الديموقراطي يعني إدماج شريحة اجتماعية كبيرة داخل اللعبة السياسية بما يصب في النهاية في تقوية النظام السياسي ويحقق ضمانة دائمة لاستقرار المؤسسات السياسية.
المستقبل