جولة ميتشيل أيقظت المنطقة من سباتها: المستقبل مكفهر والسلام بعيد المنال
جورج علم
خرج الموفد الرئاسي الاميركي السناتور جورج ميتشيل من اجتماعه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بانطباعين: ان الكرة هي في ملعب الرئيس باراك أوباما إذ عليه أن يطرح مبادرة او ورقة عمل مفصّلة يشرح فيها للمعنيين بالصراع العربي ـ الإسرائيلي كيفيّة العمل لوضع تصوّره حول الدولتين وتحقيق السلام في الشرق الاوسط، وأن يكون قادرا على تسويقها مع الحكومة الإسرائيليّة المتطرّفة، لا أن يكون منصاعا لإملاءاتها وشروطها.
وشكّلت المبادرة العربيّة للسلام الحلقة الأضيق في المحادثات حيث لمس ميتشيل جديّة في رفعها من التداول، إذا ما استمر التعنّت هو الملح الذي تملّح به الحكومة الإسرائيليّة مواقفها الرافضة لكل ما تمّ بناؤه والتأسيس عليه بدءا بأوسلو، مرورا بخارطة الطريق، وصولا الى أنابوليس، ومن دون ان تقدّم البديل الذي يمكن التعويل عليه.
وكانت الدوائر الدبلوماسيّة العربيّة المتابعة لجولة ميتشيل قد رصدت «إشارات عدّة ذات مغزى»، أُولاها أن حكومة نتنياهو أعلنت رفضها مسار أنابوليس، لكنها لم تطرح البديل، وعبّرت عمّا ترفضه، لكنها لم تعلن عمّا تقبل به، وهل ما تريده يدخل ضمن فن الممكن والمعقول، أم ضمن سياسة التعبئة والتحريض استعدادا لخيارات عدوانيّة جديدة. وثانيتها الإيحاء بأولويات تتجاوز أولوية القضيّة الفلسطينيّة وعملية السلام في الشرق الاوسط لتطرح مخاوفها وهواجسها من البرنامج النووي الإيراني، ومن دور إيران في الشرق الاوسط، وقنوات الدعم المفتوحة من جانبها باتجاه « حماس» و«حزب الله» وسائر الفصائل المقاومة في العالمين العربي والإسلامي.
ويفيد بعض المقرّبين من هذه الدوائر بأن ميتشيل يعود الى واشنطن بانطباع مفاده أن نقيضين لا يصنعان سلاما وتسوية، وإن التعنت الإسرائيلي يقابله تعنت عربي، لكن مع هامش زمني مفتوح أمام الإدارة الأميركيّة لتقول ماذا بإمكانها ان تفعل، وكيف السبيل للخروج من هذا النفق بأقل الأضرار؟.
وتدخل الأزمة بين مصر و«حزب الله»، التي هي قيد المعالجة، كعنصر منشّط للاتصالات بين العواصم العربيّة بدليل أن نوافذ عدّة كانت مغلقة عند احتدام الأزمة، وعلى قاعدة «انها عند غيرنا، وما عندنا يكيفينا»، لكن عندما خرج الموفد الأميركي مصدوما من إسرائيل، وليس في جعبته ما يريح الفلسطينيين والعرب، تغيّر المزاج ومعه الحسابات، وبرزت تدخلات ضاغطة باتجاه احتواء الأزمة في إطار من المعالجة الهادئة والرصينة عبر القنوات الدبلوماسيّة، و«المخابراتيّة» للفصل بين الاعتبار السيادي الواضح، الذي لا غبار عليه، والاتهامات التي تستهدف النظام، والتي فيها الكثير من المبالغة و«التبهير الاعلامي» الذي دخل كسلاح ماض في المعركة التي اتخذت حجما مبالغا به، وأكبر بكثير مما هي عليه من منظار الواقع والحقيقة.
وتؤكد هذه الدوائر أن الحسابات تغيّرت، بمعنى ان دولا عربيّة كبرى ونافذة قد تعاطفت مع مصر في حملتها، لأن الهدف الذي كانت تصوّب باتجاهه لم يكن «الحزب» بقدر ما كان طهران، والاستقلاليّة التي طبعت سياستها الاقليميّة بعدما رفضت ضمنا نصيحة الأمير سعود الفيصل عندما دعاها للدخول الى الدول العربيّة عبر بواباتها الشرعيّة وليس تسللا عبر أحزاب ومنظمات لها حساباتها الجارية مع الشرعيات «المتساكنة» معها.
وكانت الحملة مصوّبة أيضا ضد البرنامج النووي الإيراني بعدما اختلط حابله بنابله، تارة عن طريق القول انه سلمي، وتارة اخرى انه برنامج طموح حتى امتلاك القنبلة النوويّة، وطورا لدعم ترسانة من الأسلحة المتطورة التي لم تتباخل طهران يوما في عرض قوتها وعضلاتها للتهويل على الدول العربيّة أكثر من التهويل على إسرائيل، والأساطيل الأميركيّة في الخليج العربي.
ولم تستثن هذه الحملة سوريا وسائر الدول التي أبلت البلاء الحسن في الوقوف ضدّ السياسة المصريّة التي كانت متّبعة ابان الهجوم الإسرائيلي على غزّة، وايضا ضدّ الجهود والمبادرات التي طرحتها القاهرة لإنجاح الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، والوصول الى مصالحة مشرّفة بين «فتح» و«حماس»، وبين السلطة الفلسطينيّة و«غزّة» .
إن هذه الاعتبارات وغيرها كانت في الحسبان، لكنها سقطت تدريجيّا بفعل «الضربة القاضيّة» التي وجهتها حكومة بنيامين نتنياهو للمسار التفاوضي بكامله، وأدرك العرب المصفقون للحملة المصريّة المبكّلة ضدّ «الحزب» وأمينه العام السيّد حسن نصر الله، ومن ورائهما إيران، وسوريا، وسائر الدول والقوى المؤازرة، أن الإسرائيلي في نشوة، وقد دخل على خط الحملة داعما ومؤازرا ومحرّضا، في الوقت الذي كان يجاهر في كل لحظة مناسبة بلاءاته الرافضة لأنابوليس وللدولتين ولمعايير السلام التي ينادي بها العرب.
وتعترف هذه المصادر بان صفحة الأزمة ربما انطوت، او أنها في الطريق كي تصبح جزءا من الماضي، لأن التحديات الماثلة خطيرة بعدما نجحت الحكومة الإسرائيليّة ـ إعلاميّا على الأقل ـ في «قصف» الفلسطينيين والعرب بثلاث قذائف من العيار الثقيل: أولاها المضي قدما وجهارا نهارا بسياسة استيطان واسعة وسياسة قضم جريئة للمزيد من أراضي الضفة الغربيّة فضلا عن استكمال سياسة تهويد القدس، والثانيّة شطب حق العودة، وفتح كامل الأبواب المغلقة أمام التداعيات الشتى التي قد تنجم، والتي يفترض ان يتحمل أوزارها العرب من توطين، الى تكيّف مُر مع أي أمر واقع جديد، الى كفّ واضح لأي مسعى أممي او دولي استدراكي غايته تدوير الزوايا الحادة، وهدفه الوصول الى معالجات وأنصاف حلول. أما الثالثة فالتنصل من حدود الـ 67، وتسويق شعار السلام مقابل السلام، وليس الأرض مقابل السلام؟!…
ولا يملك العرب بالمقابل سوى فسحة من الانتظار لمعرفة ماذا سيفعل الرئيس أوباما؟، وكيف سيتصرّف ليدجّن الجموح الإسرائيلي؟، وهل يستسلم ام يدخل في مواجهة مكشوفة لفرض خياراته بدلا من الخيارات الإسرائيليّة؟!.
أما الأجوبة عن هذه الاستفهامات العربيّة وغيرها فحدودها الآتي:
أولا: إن شهر أيار هو شهر التشاور حيث ستستقبل واشنطن قيادات عربيّة بارزة بالإضافة الى المسؤولين الإسرائيليين للتفاهم على مسار جديد للتحرك، ولتحريك عمليّة السلام على أساسه.
ثانيّا: إن اقتراح عقد قمّة عربيّة طارئة في مقر جامعة الدول العربيّة هو من صلب «عدّة الشغل» وقيد التداول لتوفير جواب ملح على التحدّي الذي يطرق أبواب جميع الأنظمة العربيّة من دون استثناء: ماذا عند العرب؟، وكيف يجب التصرّف إزاء التعنت الإسرائيلي في حال فشلت الإدارة الأميركيّة في تدجين التعنت والرفض الإسرائيليين وفي الإمساك بزمام المبادرة في الشرق الاوسط لإخراج عمليّة السلام من عنق الزجاجة؟!.
ثالثا: كيف السبيل لتحويل المقاومة الى قوة دعم للأنظمة بدلا من التعاطي معها كقوة استنزاف لها؟، وكيف السبيل الى تحويلها الى قوة ردع موثوقة لمواجهة الخيارات الإسرائيليّة الرامية الى «ابتلاع» فلسطين والقضيّة الفلسطينيّة، واستهداف كلّ العرب في عقر دورهم؟!…
السفير