العرب أصبحوا أيضاً 14 أو 8 آذار
عبد الوهاب بدرخان
كان لافتاً أن الحكومات، عربية وغير عربية، لم تر موجباً لإبداء موقف من قضية “خلية حزب الله” في مصر. جاءت ردود الفعل من إيران وإسرائيل، الأولى لأنها متهمة، والثانية لأنها “الضحية” المستهدفة التي لا تتردد في صب الزيت على النار، وبلسان بيريز مازجاً التباكي بالشماتة.
قد يكون بعض تلك الحكومات الصامتة اعتبرت أن المسألة مصرية داخلية، وبعض آخر أنها حاسمة، وأن الظروف تستوجب عدم استثارة نار كامنة، وهكذا بدأ التفرج فضيلة، والانتظار وسيلة جيدة بحثاً عن الحقائق والوقائع وترقباً للمسار الذي ستتخذه القضية تصعيداً أو تهدئة.
واقع الأمر أن الصمت بدا حكمة، والسبب ببساطة، أن الانقسام الذي تفجر في حرب غزة كان مرشحاً لأن يتجدد على رغم أنه ولد عقيماً ووئد: مقاومة… تفاوض… ممانعة… اعتدال… حرب… مسالمة. إسرائيل تقتل والعرب يتقاتلون، وللتذكير، فإن هذا هو الوضع الذي انكشف خلال حرب صيف 2006 في لبنان وتأكد بعدها، بل هذا هو الوضع الذي كان الفلسطينيون قد بلغوه قبل حرب غزة وتأكد لهم بعدها. ومثلما اكتشف اللبنانيون عمق انقسامهم، كذلك فعل الفلسطينيون. ويبدو الآن أن العرب حذوا حذو هؤلاء وأولئك، فأصبحوا هم بدورهم إما 8 آذار أو 14 آذار، ولا لقاء بين التاريخين.
بمعزل عن فلكلور الردح والمزايدة، تبدو قضية “الخلية” من النوع التقليدي شبه المتوقع بالنسبة إلى مصر منذ توقيعها الصلح مع إسرائيل قبل ثلاثين عاماً، لكنها المرة الأولى التي تأتي فيها جماعة من الخارج لتصحيح المعادلة وتعويض “النقص في المقاومة”. ومع ذلك هناك شيء من الركاكة في بناء “الخلية”، وكأن المصدر، أي “حزب الله” وإيران، أرسلاها لتقع في الفخ، فإما أن تنكشف بعد أن تحقق بعض أهدافها، أو تنفضح خلال المهمة، وعندئذ لا يمكن لومها طالما أن “غرضها شريف” يدين فاضحه لا المتهم به.
قبل حرب غزة، وحتى بعدها، كثف الإيرانيون عروضهم لمصر ولسواها عربياً كي يستفاد من الدور الذي يقومون به طالما أنهم يقومون به في أي حال ومن دون موافقة العرب، أي من دون موافقة الحكومات، فحتى الدول المتحالفة أو المتعاطفة مع إيران لا ترضى بخلايا تعمل على أراضيها من دون علمها أو على الرغم منها، يتساوى في ذلك أن يكون الهدف نبيلاً أو غير نبيل. هل أن الإيرانيين عندما قدموا عروضهم كانوا يعلمون أن “الخلية” المصرية أصبحت مكشوفة. لا شيء مؤكداً، وهل أن الأمين العام لـ”حزب الله” عندما حرّض ضد الحكم المصري خلال حرب غزة كان يعلم أن مبعوثيه ضبطوا، في الحالين لم يكن موفقاً في التقدير.
لعل التحليل الإيراني يقول إن لدى “حزب الله” تجربة في المقاومة أجبرت الإسرائيليين على الانسحاب من جنوب لبنان، ومع أن حرب 2006 وما تلاها داخلياً أثارا جدلاً حول هذه المقاومة لبنانياً، إلا أن تجربة المقاومة تبدو قابلة للتصدير عربياً. وما يشجع على ذلك أن الشارع/ الرأي العام العربي أبدى تعاطفاً معها. في المقابل وقفت الحكومات العربية حائرة بلا خيارات. وبما أن القضية الفلسطينية تتأرجح بالعرب بين كونها نقطة قوة توحدهم أو نقطة ضعف تفرقهم، وطالما أن عملية السلام تلاعبت بهم طوال عقدين بين ضغوط أميركية وخدع إسرائيلية، لذا رأى التحليل الإيراني، أن الظروف تهيأت لقبول المقاومة، فما صح في لبنان لا بد أن يصح في فلسطين، وليكن ما يكون، فلا أهمية للضحايا ولا للدمار. وإذا أصبحت وصية على قضية فلسطين، فإن ثمن التنازل عن هذه الوصاية سيكون عالياً في أي مفاوضات مقبلة مع الأميركيين، وحتى مع الإسرائيليين.
لعل العرب زادوا إدراكاً، بعد قضية “الخلية” لما عاشه ويعيشه لبنان، مصر تدافع عن سيادتها، أما سيادة لبنان فلا أحد يقيم لها أي وزن.
فماذا عن الدولة اللبنانية؟ وكيف لها أن تقاوم النفوذ الإيراني الذي يطلق المقاومة من أراضيها من دون أن يأبه بأمنها وسيادتها واستقرارها، ثم يجعل منها أوراقاً للمساومة؟ فالمقاومة تنطلق من لبنان، وتخترق سيادات الدول الأخرى، لكن لا أحد يلومه.
جريدة الاتحاد