لبنان يستأنف “رقصته المجنونة”
سعد محيو
“اختلطت الأوراق في الخارج الشرق أوسطي، ف “تخربط” الوضع الداخلي في لبنان”.
هذه قد تكون صورة الوضع في بلاد الأرز هذه الأيام: سيولة سياسية، تحالفات مقلوبة أو تستعد للانقلاب، وشبه فوضى انتخابية عادت لتترافق مع مخاوف من اضطرابات أمنية.
هذه الرقصة المفاجئة على المسرح السياسي اللبناني، تتم على إيقاع موسيقا إقليمية ودولية صاخبة دشّنها عهد الإدارة الديمقراطية الأمريكية الجديدة، التي تبدو هذه الأيام أكثر حرصاً على إثبات أنها تشكّل عكس كل ما مثّلته إدارة بوش الجمهورية السابقة، منها إلى التقدم بمبدأ أو استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الاوسط.
وليد جنبلاط، هذا “الأمير الحديث” الذي ربما شكّل إضافة لنيقولو ماكيافيلي مؤسس علم السياسة لو التقاه قبل بضعة قرون، كان كالعادة السبّاق إلى ترجمة التغيرات الإقليمية والدولية بتحولات محلية. وهو، بصراحته المعهودة، أفصح عن ذلك علناً حين قال في لقاء خاص سجّل على هاتف محمول: الأمريكيون يهرعون إلى السوريين والإيرانيين لمحاورتهم، وهذا يغيّر كل شيء.
بالطبع، لم يكتف جنبلاط بالتصريح. فهو يعد العدة منذ فترة قصيرة، وعبر وساطة الأمير طلال أرسلان وغيره، لإبرام “الصلح” مع حزب الله وربما من بعده سوريا. ومع العدة السياسية تأتي العدة الإيديولوجية. فهو أعاد اكتشاف تراث والده وحزبه اليساري، وعمقه العروبي والتحرري، وأولوية ارتباطه بالقضية الفلسطينية. وكل هذه أوراق اعتماد ضرورية لوصل من انقطع منذ العام 2004 مع دمشق.
صحيح أن تحرّك جنبلاط كان حتى الآن “نقلة” وليس “انقلاباً”. وصحيح أن النائب وائل أبو فاعور أكد للبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير ولسعد الحريري أن جنبلاط “متمسك بالخيار الاستقلالي وبتحالف 14 آذار، إلى أن الصحيح أيضاً أن تيار 14 آذار اهتز بعنف وبدأ يتحسس رأسه ودوره ومستقبله بعد هذه “النقلة”، وهو على حق.
فجنبلاط يشكّل، بما يمثّل من غريزة سياسية عريقة وموقع جغرافي “استراتيجي” بين الجنوب والبقاع والجبل، وزناً وازناً في هذا التيار. وحتى لو قرر أن يُبقي رجلاً في بور 8 آذار وأخرى في حقل 14 آذار بانتظار جلاء الصورة الإقليمية الدولية الجديدة، فإن ذلك سيقوي كثيراً ال “8” ويضعضع كثيراً ال “14”.
جنباً إلى جنب مع هذه التحولات الجنبلاطية، كان تيار 14 آذار يتلقى ضربتين أخريين:
الأولى تمثّلت في العزوف المفاجئ للوزير نسيب لحود عن الترشّح في المتن الشمالي. ورغم أن الأسباب الحقيقية لهذه الخطوة غير معروفة بعد، إلا أن نتائجها ليست كذلك: دفع بعض القوى المسيحية المؤيدة له إلى العزوف عن الاقتراع، الأمر الذي قد يصب في صالح 8 آذار.
والثانية في توالي المؤشرات إلى بروز صدوع ما في المحكمة الدولية لمقاضاة قتلة الحريري، كان أبرزها اعتقال “الشاهد الملك” الصديق واستقالة رئيس قلم المحكمة. وقد أثار كلا هذين التطورين تساؤلات عما إذا كانت موجة الحوارات والمصالحات السياسية التي تجتاح المنطقة من واشنطن إلى طهران، ومن الرياض إلى دمشق، ستضع قوس المحكمة داخل قفص المساومات الإقليمية الدولية الكبرى.
ماذا يعني كل ذلك؟ أمر واحد: لبنان بدأ رقصاته “المجنونة” المعتادة مع المتغيرات الإقليمية والدولية. وهذا سينتج سياسات جديدة، وتحالفات أجدّ، وحتى إيديولوجيات مستجدة. أما الخاسر الأكبر فسيكون على الأرجح تيار 14 آذار.
ومن لايصدق، فليسأل وليد جنبلاط.
الخليج