صفحات سورية

وداعة” تسيبي ليفني

null


منى فياض

عندما تطلق وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني تصريحها “الوديع والمسالم” من قطر بأن إسرائيل ليست عدواً، والخطر مصدره ايران و”حزب الله” و”حماس”، يتساءل المرء مندهشاً من هذه الجرأة في نفي صفة العدوان عن إسرائيل التي لا تتسم بصفة سواها: أهو استغفالها للعرب واستخفافها بعقولهم ام اعتمادها الفائض على جاذبيتها الانثوية بابتسامتها الجذابة واناقتها المفرطة التي حرصت على إظهارهما في قطر؟

انتقاداتنا لـ”حزب الله” على مشاريعه التي تتخطى حدود لبنان وقدراته وارادة مواطنيه في تبني النظام الديموقراطي التعددي مع الحياد الايجابي ورفضهم لمشاريعه المتعلقة بسعيه لتبني نموذج نظام حكم شمولي تيوقراطي خاضع لولاية الفقيه، هذه الانتقادات لا تجعل منا اعداءه في نضاله ومقاومته ضد اسرائيل وعدوانيتها الهمجية. بل العكس. فهذه المقاومة بالذات هي التي أعطته حصرا مبرر وجوده في الأصل.

واذا كان ما تقوله الوزيرة عن ضرورة دعم العالم العربي للقيادة الفلسطينية لكي تتمكن من اتخاذ خطوات نحو التسوية صحيحا، فالأصح أيضا ما يعرفه كل مواطن عربي بسيط انه لا يمكن الحصول على سلام مع اسرائيل الا عندما يقتنع حلفاؤها وخصوصاً الولايات المتحدة بضرورة ممارسة ضغوط قوية وجدية عليها لاجبارها على قبول السلام الحقيقي والعادل. واذا كان صحيحا أن العرب المعتدلين منخرطون في “مواجهة” إيران و”حزب الله” و”حماس”، فهذه المواجهة تتعلق بسياسات هؤلاء الداخلية وليس بدرجة عدائهم لإسرائيل او حول مقاومتهم لها. وعندما تعطي الوزيرة الدروس حول اعتبار وجودها في قطر “مثالاً يحتذى وقدوة للدول العربية الاخرى من اجل اقامة علاقات صداقة مع دولة اسرائيل”، فعليها ان تقدّم أيضاً سياسة وسلوكاً معتدلين وملموسين في فلسطين فتبرهن على فائدة الاقتداء بهذا المثال، والا فسوف تعدّ زيارتها إضاعة للوقت وتجريباً للمجرّب. هي على كل حال ليست في حاجة الى الذهاب كل هذه المسافة لكي “تمد يدها الى الدول العربية لتبدأ معها حواراً وتفاهماً وصولاً الى الاعتراف المتبادل”. بل يمكنها للبرهان على حسن نيتها الاكتفاء بمد اليد الى الفلسطينيين انفسهم الذين لا تجاورهم فقط بل تجثم على صدورهم. والمبادرة العربية لا تنتظر سوى هذا الامر.

لمن المضحك ان تتابع الوزيرة “ان الطرفين يعيشان التحديات عينها” التي يفرزها من سمّتهم بالمتطرفين. فالتطرف العربي ليس سوى رد فعل على التطرف الاسرائيلي. والسؤال الذي يجب ان تطرحه على نفسها ليس كيف تواجه “حزب الله” و”حماس” بل لماذا نشأ هذان أصلا. من دون ذلك ستظل بعيدة جدا عن إيجاد حل للمسائل المطروحة. وبدل التشديد على إرادة بلادها في تغيير “صورتها”، عليها أن تسعى الى تغيير نفسها وسياستها أولاً فالصورة ليست سوى انعكاس للواقع.

المؤسف انها تصدّق وتريدنا أن نصدّق ان اسرائيل دولة ديموقراطية، فتدعو المجتمع الدولي الى تبني مجموعة من المعايير الدولية تسمح بإجراء انتخابات ديموقراطية تحجب وصول “المتطرفين” الى السلطة. مع ان اول ما يجب تطبيقه هو على اسرائيل نفسها لانها تنتقل من زعيم متطرف الى آخر أكثر تطرفا، وعندما لا يعود الزعيم على القدر الكافي من التطرف المقبول اسرائيليا يتم اغتياله كما حدث مع رابين. ما يمكن ان يعزز الديموقراطية، يكمن في معالجة اسباب العنف والتطرف، وفي ان تعترف اسرائيل بأنها بلد عاش حتى الآن على العدوان وعليها الاعتذار وتقديم التعويضات عن حروبها واعتداءاتها التي لا تحصى ضد الفلسطينيين والعرب. والا فإنها لمهزلة أن نجد دولة تأسست بواسطة الاحتلال والقتل والتدمير والحروب، وآخرها حرب 2006 على لبنان، تزعم انها لا تشكل تهديدا لأحد، وانها لم تعد العدو، وأن الخطر هو ايران والجهات المتطرفة. قولها هذا يعني أن مفهومها للتهديد والخطر مغلوط وفي حاجة الى إعادة تصويب. اذ يبدو ان ليس للكلمات المعنى المتعارف عليه نفسه في الاستخدام الاسرائيلي. وهذه مشكلة في ذاتها، فصحيح ان هناك خلافات بين العرب وايران، لكنها بين انظمة ووسائل حكم وهي قابلة للحل، وهذا لا يجعل من ايران عدوة ويضعها على المستوى نفسه مع اسرائيل. اسرائيل عدوة مهما تغير نظام الحكم فيها، الى ان تبرهن العكس. بينما ايران دولة صديقة يتمنى العرب ان لا تغلّب مصالحها الذاتية على مصالحهم وان لا تتسبب بمشاكل داخلية للانظمة العربية جراء طموحاتها الاقليمية وارادتها في تصدير ثورتها التي لم تبرهن عن نجاحها العظيم في ايران نفسها. ما تنساه الوزيرة “المسالمة” ان ممارسات اسرائيل خلقت كماً من البغض والضغينة تحتاج معهما اسرائيل الى اكثر بكثير مما احتاجته المانيا والغرب عموما من اعتذار عن محارق النازية وممارسات هتلر تجاه الشعب اليهودي في اوروبا. على الاسرائيليين ان يشعروا بالذنب وان يعتذروا قبل ان يزعموا لانفسهم الاعتدال والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى