صفحات سورية

في مواجهة موجة الغلاء هل تسقط قوامة الحاكم؟

null


زهير سالم

إذاً إلى أين يجرجر صندوق النقد الدولي أو من يختبئ وراءه الحاكم العربي حين يجرده من الورقة الأخيرة التي تضفي على وجوده واستمراره بقية من شرعية؟! كثيراً ما حدثنا دعاة ـ تحرير المرأة ـ إلى أن قوامة الرجل على المرأة ستسقط مجرد أن تمتلك المرأة القدرة على الإنفاق على نفسها!!

كان الدور الأخير الذي تبقى للحاكم العربي هو المساهمة والإشراف على تأمين الرغيف بعد أن اقتنع بنصيحة الحطيئة بترك الرحيل إلى المكارم، واقتنع بأن يلعب دور /الطاعم الكاسي/ هذا الدور الذي زين له صندوق النقد الدولي، وجمعيات المنظمات الإنمائية التابعة له، أن يتخلى عنه ليترك المواطن العربي المسكين يتعاطى وجهاً لوجه مع المزارع الأمريكي، وأقطاب تجارة النفط الدوليين القائمين على (شل) و(موبيل)…

تحرير السوق أو السلعة هو العنوان المجمل لعملية التخلي من طرف واحد عن (المسؤولية).

تحرير السلعة والسوق في الغرب قام على منظومة من التشريعات الاجتماعية المتشابكة التي تحمي وتقي، تحمي المواطن من الجوع، وتقيه من الانزلاق إلى بؤرة الجريمة والانحراف. وتؤمن له في أصعب الظروف نصاب الحد الأدنى من البقاء: غذاء وكساء وسكن وصحة وتعليم.

هذا النصاب الذي يعتبر في الغرب من حق الفرد على الدولة حتى وإن ضربه إعصار البطالة، واجتاحته عواصف الركود لا يحصل عليه المواطن المصابر في عالمنا حتى ولو كدح أربع عشرة ساعة يومياً، والعمل لمدة سبعة أيام في الأسبوع، والتناوب على ثلاث مهن /معلم مدرسة ـ ومدرس خصوصي ـ وعتال على طرطيرة في سوق الهال/ في دمشق أو في حلب… وفي حين تقفز معدلات الغلاء قفزات أرنب طروب في شمس الربيع يحبو الدخل الرسمي أو الشعبي فعل سلحفاة عجوز بائسة من بلوغ الماء في شمس تموز.

الحاكم العربي يتخلى عما تبقى له من مسؤولية، ويهز كتفيه أمام مشهد الكارثة، الكارثة التي تهز البناء الاجتماعي العربي وتتهدده بالاجتياح. يفكر هذا الحاكم، لنيل شهادة /الآيزو/ من البنك الدولي على جرأته، أن يبادر إلى تخصيص وترتيب وتنظيم مساحات أكبر من السجون لاستقبال مخرجات موجة الغلاء التي يشجع عليها الذين لا يبالون بهذه الشعوب ولا بمصيرها.

بعض أبناء شعبنا سيعلنون غضبتهم من أجل رغيف خبز يقتاتون عليه. ولكن الأكثر لن يفعل ذلك، الأكثر سيتحول إلى لافتات أكثر إشباعاً لمشاعر الكرامة الذاتية حيث سيجد الكثير من الغارقين في مستنقع البطالة المهنة التي ترضي الغرور، وتؤمن الرغيف.

عندما يستقيل الحاكم العربي من مهمته الأخيرة، مهمة تأمين الرغيف والإشراف على إنتاجه سيفقد بلا شك آخر مبرر لوجوده ولقوامته بل وربما سيسعى المواطن العربي كما فعلت الزوجة العربية إلى نظام للخلع جديد.

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

أخبار الشرق – 22 نيسان/ أبريل 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى