حنين الي الزمن المفقود في الـ اي ان ان و سورية الجديدة هوبرة اعلامية!
فادي عزام
شبكة الأخبار العربية، تبدو أول مرة لمن يسمع هذا الاسم انه أمام مؤسسة ضخمة بمراسلين كونيين يرصدون أية شاردة تخص العرب في أرجاء الأرض الواسعة ويلتقطون المواضيع العربية ويحيلونها تقارير وبرامج وحوارات علي شاشاتها.
شبكة الأخبار العربية المختصرة باسم ANN لا تعدو كونها محطة متعبة منهكة وجودها هدر لأموال صاحبها وهدر لوقت مشاهديها. من غرائب هذه المحطة، استمرار عرض جملة واحدة امتدت لسنوات في أسفل الشاشة مفادها أنّ الجماهير السورية تنتظر بفارغ الصبر عودة الدكتور رفعت الأسد الي أرض الوطن، ليضع حدا لسلطة الأمر الواقع. الانتظار طال أكثر من انتظار غودو، والجماهير المزعومة أدماها اليأس وشاخت من الانتظار، فتبدلت العبارة لتقول: تأجيل عودة الدكتور المخلص الي وقت آخر، وطال هذا الوقت الآخر، وهنا تدخل عقل مدبر في القناة ليغير الوضع ليس بالكلام بل بالصورة، بحيث يفهم المشاهد ان ولي الأمر الحالي لشبكة الأخبار العربية هو خادم الحرمين الشريفين، فقد تم وضع (فيلر) اعلاني يبث كل نصف ساعة، لصوت الملك عبد الله وهو يعبر عن تفاؤله بالحياة رغم العسر، مصحوبا بلقطات باذخة تجمع خادم الحرمين، مع جورج بوش الأب والابن (ناقصا روح القدس) وجاك شيراك والرئيس المصري حسني مبارك وغيرهم من الزعماء الواجب أخذ موافقتهم قبل العودة المظفرة للدكتور، الاعلان يقول بشكل غير مباشر ان دخول الدكتور لدمشق سيكون عبر بوابة الرياض بعد أن تحسم أمرها بشكل نهائي وتعطي موافقتها علي ذلك، وخاصة أن العديد من الصحف السعودية لمحت لذلك بُعيد تصريحات الشرع حول الأدوار المشلولة للسعودية، حيث قامت الصحف السعودية بتهديد واضح مكشوف للنظام السوري بأن المملكة نفد صبرها منه وسوف تبدأ باستقبال أقطاب الانشقاق والتنسيق معهم، وكان ان سارعت شبكة الأخبار العربية لوضع (الفيلر) الاعلاني تملقا للمملكة الغاضبة، وهنا ربما سيطول الانتظار مرة أخري، بعد ان سُحبت جريدة الديار من الأسواق السورية بحركة استعراضية استرضائية للسعودية، بعد مقال لاذع كتبه شارل أيوب رئيس التحرير، (بالمناسبة هي الصحفية الوحيدة غير السورية التي تطبع في دمشق) وصولا الي العديد من الاشارات هادئة وأقنية دبلوماسية يتولاها أمين الجامعة العربية، الذي قضي زهوة حياته كأمين عام للجامعة العربية في تمسيح الذقون وارضاء الزعماء العرب المتخاصمين.
الذاكرة الحزينة
شبكة الأخبار العربية ما زالت تأمل خيرا، بين نشرات الأخبار المغرقة في التقليدية، والبرامج التي تتلقي اتصالات تحت عناوين كبيرة منها: الطريق الي الحرية، والملتقي الديمقراطي، حيث يقوم أمناء عامون لأحزاب معارضة سورية (مكونة عادة من الأمين العام وأسرته وانسبائه) بعرض مداخلات لو قيض للمواطن السوري أن يسمعها سيشعر وهم يستخدمون لفظ الشعب السوري (كنوع من استحضار للقداسة) ويطالبونه بالتحرك والثورة ويعدونه بالديمقراطية والمشاركة في السلطة ويعيدون اليه ما استلب منه وما سرق من ثروات وطنه وما أهدر من كرامة روحه، وما استنزف من حياته. سيشعر هذا المواطن السوري ان هؤلاء المعارضين القاطن اغلبهم في أوروبا يتحدثون عن شعب آخر، وسيدرك ان هذه المعارضة الخارجية (في معظمها) لا هم لها سوي نفسها وانها معارضة شائخة مترهلة مشغولة بتخوين بعضها بعضا، وانهم في مجملهم ما زالوا واقفين علي عتبة سنوات الثمانينات السيئة الذكر، فحتي الصور التي تبثها قناة ANN علي أنغام ثلاث أغنيات تثير حنينا جامحا لأيام الشباب الأولي، يوم كانت شوارع دمشق تهتز تحت وقع احذية الجنود المندفعة لتحويل سورية الي مزرعة من الخوف والفقر، فعلي كلمات موسيقي اغنية (الملتقي… حبيبتي يا سورية) تمر الكاميرا القديمة تلتقط صورا من كثرة ما أعيدت أتلفت وبهتت، تعكس فيها صورا من سوق الحميدية، وقاسيون والصالحية وغيرها من مناطق الشام أيام الثمانينيات، الاصرار علي اعادة نفس الأغنية ونفس المشاهد المختزنة في ذاكرة صاحب القناة، تؤكد انهم باتوا من الماضي العتيق، وانهم لا يملكون شيئا للمستقبل وان هبات الحنين والهيجان العاطفي باتجاه بقايا السلطة لا تصنع سوي كهول مضي بهم الزمان الي عزلة مريرة فليس لدي الجنرالات من يكاتبهم هذه الأيام، وليس بحوزتهم لبلدهم سوي بضعة ذكريات وثلاث أغنيات وقناة تلفزيون شائخة لا تتوقف عن النحيب والوقوف علي أطلال، مرددين قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل! ليجيئهم أبو نواس ناصحا لهم بقوله: يا واقفا علي رسم درس …. باكيا ما ضرّ لو كان جلس.
التهديد بالفضائيات
منشق معارض يهدد بفتح قناة تلفزيونية في تصريح له نقله موقع اسلام أون لاين، حيث نقرأ ان جبهة الخلاص السورية ستطلق في غضون الأسابيع القليلة المقبلة قناة فضائية من لندن، تحت اسم (سورية الجديدة)، بغرض مخاطبة الشعب السوري وتوعيته بفساد النظام السوري، وكذلك فضح ممارسات هذا النظام أمام الرأي العام العربي والدولي، في ظل عدم قدرة المعارضة علي العمل العلني للممارسات القمعية التي ينتهجها النظام السوري مع المعارضة .
وفي السياق ذاته رأي خدام أن التوعية السياسية التي تستهدف الفضائية اكسابها للشعب السوري ستساهم في الاطاحة بهذا النظام (السوري) بأقل خسائر ممكنة .
وفضائية سورية الجديدة ستبث علي القمر الصناعي هوت بيرد Hotbird لضمان وصولها الي أكبر عدد ممكن من المشاهدين، ولا سيما داخل سورية، حيث لا يمكن حجب مثل هذه القناة من قبل السلطات السورية.
بالمقابل كشف موقع الحقيقة المعارض عن عدم مصداقية هذه القناة المزعومة وانها من باب (الهوبرة الاعلامية).
المشكلة في هذه المعارضات غير البريئة ان مصداقيتها لا يعول عليها وانها بأساليب عملها القائمة علي تصفية الحسابات الشخصية لم يعد أحد يرغب بان يكون محرقة لها، فمجرد تذكر ما قدمته لسورية عبر تاريخها الوخيم، تجعل الناس البسطاء في سورية يفضلون مشاهدة (سبيس تون) علي مشاهدة تلك الفضائية المزعومة القادمة، فسورية لن تكون جديدة حتي يعتذروا أولا من ناسها وشعبها وضحاياهم لكي تتجرأ السلطة علي الاعتذار، فمن دفع السوريين ليبحثوا عن لقمة عيشهم بين القمامة كما أخبرنا بالذات السيد خدام؟ الم يكن هو من احد من فعلوا ذلك طوال أربعين عاما برفقة أولاده وأحفاده وأصدقائه وأقاربه وأولاد عمته وخالته… الخ؟
وان من فجَّر طلابا سوريين في مدرسة المدفعية هم من يطالبون الآن بالخلاص وهم من كرس الخراب وأعطي للنظام المشروعية ليبطش بكل شيء (الا هم علي ما يبدو، فبقدرة قادر فقياداتهم سليمة وتناضل من مدريد ولندن وباريس). هؤلاء يستخفون بالناس والتاريخ والحقيقة، فذاكرة الناس في سورية البسيطة (المشحّرة) ذاكرة حارة، ذاكرة لا يمكن تزويرها، ففي كل بيت من بيوت الشعب السوري الطيب ثمة ذكري سيئة من الاخوان المسلمين ومن عبد الحليم والنظام معا، ذاكرة علي شكل برميل مازوت فارغ في شتاء سوري قارس، أو صورة شاب مسنودة علي الجدار عُلّقَ باطارها شريط أسود لامع، يقول من هنا مرت المعارضة من هنا مر النظام.
بدل الفضائيات والزعبرات الخلبية والتصريحات الجامحة والوعود القاطعة، نصيحة لكم ان اقضوا ما تبقي لكم من أيام بتأمل ذنوبكم المقصودة وغير المقصودة، واتركوا الشعب السوري بحاله، يواجه نوائب الدهر، ولا تنكشوا ذاكرته الهشة، فهو سيجد طريقه دون هدايتكم وسيجد خلاصه بلا بركاتكم، واذا قيض له ان يرحب بكم يوما سيرحب بكم علي طريقة الشعوب الحرة بمحكمة علنية لا (تقص بها الرؤوس لأنها تخالفكم الرأي) فثقافة النطع وقطع الرؤوس، ثقافة تفجير السيارات واللعب علي وتر الطائفية والترويج لدويلة اصولية وثقافة الخوف والرعب والقمع والتنكيل، وثقافة الحقد والأبد ومجالس الشعب الكاريكاتورية هي آخر ما يطمح اليه الناس في سورية فقد مرت جميعها عليه، إنكم تذكروننا بتصريحاتكم ورغباتكم الفضائية والتحريضية بمسرحية انتظار غودو عندما يقول بازو: دائما الانسان يشتكي من الحذاء والعلة بالقدم!
كاتب من سورية