د. نصر حامد أبو زيد في حوار ساخن مع الراية : لا توجد جامعة عربية تحتملني
أجري الحوار – محمد عبد المقصود:منذ سنوات ابتعد المفكر المعروف الدكتور نصر حامد أبو زيد عن مصر عقب معركته الشهيرة وآرائه التي أثارت جدلاً كبيراً حول تأويل النص القرآني وأثر الإقامة في أوروبا.
لكنه بعد هذه السنوات هل يفكر في العودة الي مصر؟ وهل تكفلت سنوات الاغتراب في دفعه لمراجعة أفكاره؟ وكيف يري المشهد في مصر الآن؟ وهل ما زالت الجامعة قادرة علي استيعاب أفكاره؟
اجابة هذه التساؤلات كانت محور لقاء ساخن ل الراية مع الدكتور نصر حامد أبو زيد في الدوحة التي حل عليها ضيفا مشاركا في مؤتمر عن الإبداع في الاسلام بدعوة من جامعة جورج تاون بقطر.
د. أبو زيد تحدث بصراحة شديدة وأكد انه تراجع عن قراره بالعودة الي مصر نهاية العام الحالي بعدما رأي المشهد في مصر وقد تحول الي صورة مفزعة بسبب حالة الغليان والاحتقان الذي يضرب كل مناحي الحياة الآن.
ويري ان الجامعة أصبحت مؤسسة في قبضة الأمن وان الاساتذة تحولوا الي تجار محاضرات وباحثين عن إعارات وبائعين للكتب.
ويؤكد انه لا توجد جامعة عربية تحتمله ولم يتلق دعوة رسمية من أي دولة عربية لزيارتها حتي الآن.
ويعزو د. أبو زيد المد الكبير للإخوان المسلمين في الشارع المصري لا لسبب قوة حقيقية ولكن لتواطؤ النظام أولا ثم للضعف الشديد في مستوي التعليم وضعف المناعة الثقافية.
ويري ان طلاب الازهر يتخرجون ولا يعرفون شيئاً عن ابن رشد والشافعي ومحمد عبده ولكنهم يحفظون مذكرات الاساتذه .
ويستغرب قصر التوريث علي الحكم في مصر لانه يري ان المجتمع عاد بمؤسساته الي مجتمع توريث المهن مجتمع القرون الوسطي.. وفيما يلي تفاصيل الحوار.
بداية بعد مرور هذه السنوات علي مغادرتك القاهرة متي ستعود الي مصر؟
– بكل صراحة كنت قد قررت العودة الي مصر نهائيا نهاية العام الحالي قبل ان يتحول المشهد في مصر الي صورة مفزعة بكل معني الكلمة بسبب حالة الغليان والاحتقان الذي يضرب كل مناحي الحياة الآن. فالمناخ السائد الآن في مصر لا يشجع أبدا علي مجرد التفكير في العودة سياسياً وتعليمياً. وعندما أتحدث عن عودتي فأنا أتحدث بشكل اكثر عن الجامعة التي حرمت من التدريس بها اقول الجامعة الآن أصبحت في وضع يرثي له بعد ان ساهم وضعها السيئ في تفجير الموقف حتي وصل الي اضراب اعضاء هيئات التدريس للمطالبة بزيادة مرتباتهم أسوة بغيرهم في مؤسسات اخري.
الجامعة وبكل صراحة أصبحت مؤسسة في قبضة الأمن فهو الذي يتحكم في كل شيء في التعيينات والترقيات وانتخابات اتحاد الطلاب الاساتذة تحولوا الي تجار محاضرات او باحثين عن اعارات او بائعين لكتب.
فهذا المناخ والمشهد الذي أراه لا يشجع ولا يحفز علي العودة فأنا اذا عدت الي مصر فلابد ان أعود الي التدريس بالجامعة لأنني ببساطة شديدة خوجه اري ان الاستثمار الافضل في حياتي هو في تنمية العقول البشرية ومكاني الاساسي بين طلابي فهل هذا الامر سيتحقق؟
بالتأكيد لا لأنني اقتربت الآن من سن الخامسة والستين وقانون الجامعات يمنعني من التدريس للطلاب في مرحلة البكالوريوس والليسانس ويتيح لي فقط التدريس لطلبة الدراسات العليا وهو امر قد اتحمس له كثيرا لان التأثير في هؤلاء الطلاب لن يكون بقدر التأثير في طلاب الليسانس.
أفكار متداولة
لكنك ممكن ان تشارك اعضاء هيئة التدريس في محاولة تغيير الصورة القاتمة التي وصفتها عن الوضع في مصر والجامعات؟
– أؤكد دائما ان التدريس للطلاب بالجامعة هو حياتي كلها لأنه فضلا عن كونه رسالة تجاه الاجيال فانه ايضا مناخ لتداول الافكار وتحويلها من مجرد نظريات بين صفحات الكتب وأرفف المكتبات الي شيء نابض بالحياه.
وفي تقديري انه لا توجد جامعة عربية تحتملني الآن فحتي هذه اللحظة لم أتلق دعوة رسمية من أي دولة عربية وكل مشاركاتي جاءت تلبية لدعوات من مؤسسات مجتمع مدني.
عفواً لكنك حللت ضيفاً علي برنامج البيت بيتك في التلفزيون ألا تعتبر ظهورك هذا دعوة رسمية؟
– لم أقل اني قاطعت المؤسسات الرسمية المصرية وظهوري في التلفزيون جاء بعد يقيني من الدور الكبير الذي يؤديه الآن وتأثيره القوي بالمجتمع.
مد إخواني
وكيف وجدت المناخ في مصر بعد هذه السنوات التي بعدت خلالها عن الميدان الفكري؟
– اجابة هذا السؤال تقودني الي توضيح لابد منه أولا لإجلاء الحقيقة التي تراكمت عليها الأتربة لسنوات بعد حديث البعض عن هروبي من مصر بسبب الخوف من القتل وهذا امر كان يؤلمني كثيراً.
فقد غادرت مصر هربا من المناخ الفكري المسمم والسرد والانزلاق الي قضايا فرعية لا طائل منها بعدما تحولت قضيتي الي صراع بين العلمانيين والإسلاميين كانت تمثل الإشغال الثقافي العام خرج عن حدود الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فقضيتي الأساسية كانت إبعادي عن الجامعة وليس التفريق بيني وبين زوجتي
هذه القضية التي أثارها د. عبد الصبور شاهين الذي قاد الحملة الشرسة ضدي لأنني انتقدت احدي شركات توظيف الأموال.
وللاسف د. شاهين لم يناقش أفكاري ولم يقرأ من كتابي غير الصفحة الاولي وقدم تقريره الشهير لمنع ترقيتي وابعادي عن الجامعة ورغم ذلك كنت اول المدافعين عنه وعن حرية التعبير حينما اثيرت قضيه حول كتابه أبي آدم.
اما عن الوضع الذي رأيت عليه مصر فهو لايدعو ابداً الي التفاؤل فالذي أراه الآن هو مد كبير للإخوان المسلمين في الشارع المصري لا لسبب قوة حقيقية ولكن لعدة اسباب مجتمعة استطيع ان اتحدث عنها بتواطؤ النظام اولا ثم للضعف الشديد في مستوي التعليم وضعف المناعة الثقافية في المجتمع.
ايضا ليس لدينا حريات في المجتمع وأعني بالحريات مفهومها الواسع في تداول الافكار وحرية التعبير.
فحتي هذه اللحظة لاأفهم معني محاكمة رئيس تحرير صحيفة الدستور ابراهيم عيسي او غيره بسبب الحديث عن صحة الرئيس بدلا من صدور بيان رسمي يوضح او ينفي ما ذكره هو او غيره مثل ما يحدث في العديد من الدول.
وعلي هذا اري ان انتشار الاخوان ليس لقوتهم ولكن لتراجع الدور الرئيسي للدولة وانسحابه لصالح الجماعة والنتيجة ان لدينا مجتمعاً لا يملك الكفاف ومؤسسات تعليم لا تنج علما.
مؤسسة رسمية
لكن كيف تري دور المؤسسة الدينية الرسمية في ملء الفراغ الفكري الذي تتحدث عنه؟
– دور المؤسسة الدينية الرسمية انتهي تماما منذ تعديل قانون الأزهر في الستينيات الذي اتاح للدولة السيطرة التامة علي هذه المؤسسة العريقة ناهيك عن سيطرة ايدولوجيا بعينها علي هذه المؤسسة لأسباب كثيرة لاتخفي علي المتابعين لما يجري بين جدران الأزهر.
وفي تقديري ان التعليم الذي يقدم لطالب الازهر الان تعليم رث فطلاب الازهر يتخرجون ولا يعرفون شيئاً عن ابن رشد والشافعي ومحمد عبده ولكنهم يحفظون عن ظهر قلب مذكرات الاساتذة.
هذا المناخ الجاف يؤدي بكل تاكيد الي إيدز عقلي وسرطان فكري وانهيار جهاز المناعة لدي المجتمع.
الحل في الحرية
وكيف تري السبيل للخروج من النفق الفكري المظلم الذي تراه في مصر الآن؟
– السبيل الوحيد لانقاذ ما يمكن إنقاذه بإطلاق الحريات بمعناها الثقافي الاجتماعي وإصلاح التعليم وتغيير قوانين الأسرة والمجتمع.
وهنا أعود للحديث عن الدستور الذي يكشف لنا أن ما تقوم به الدولة يتناقض في الكثير من الاحيان مع ما نص عليه الدستور صراحة.
فالدستور ينص علي سبيل المثال علي ان الدولة دينها هو الدين الاسلامي لكن الدولة تقول انها لا ترغب في تأسيس احزاب علي أساس ديني كيف يحدث هذا؟ ومن المسؤول عن هذا التناقض العجيب؟
اري انه لابد من الخروج من فوضي القوانين وتناقضاتها مع الدستور كما اننا بحاجة الي اعادة الهيبة للقضاة وحل مشكلاتهم مع الدولة ناهيك عن ضرورة الوصول الي حلول عملية للبطالة والفساد ليس من خلال تصريحات المسؤولين ولكن بفرص عمل حقيقية تستوعب هؤلاء الشباب الذين يغامرون بأرواحهم في عرض المحيط.
لكنك لا تري جهود الدولة في تشجيع الاستثمار والخصخصة لتوفير فرص عمل للمواطنين؟
– أي فرص عمل التي تتحدث عنها المجتمع المصري تحول الي مجتمع صدقة بعد انهيار التكافل الاجتماعي والا كيف نري إعلانات التلفزيون التي تمطرنا صباحا ومساء بمناشدات تسولية للتبرع للأطفال المصابين بالسرطان مع خالص تقديرنا وتعاطفنا مع هؤلاء الاطفال ومع حقهم الطبيعي في العلاج.
أين الدولة التي تحصل مليارات من الضرائب؟ واين هي المؤسسات العلاجية التي تشيدها للمواطنين؟ وأين فرص العمل الحقيقية؟.
هذه الأسئلة تحتاج الي إجابات من الدولة إجابات تقود الي ثورة حقيقية لإصلاح هذا المناخ الفاسد.
مجتمع المهن
في ظل هذا المناخ الذي وصفته علي حد تعبيرك يقع المجتمع بين أسير بين نفي رسمي من الدولة بتوريث الحكم وممارسات شبه يومية توحي بحتمية وقوعه فكيف تري هذه القضية؟
أنا استغرب الحقيقة قصر التوريث علي الحكم في مصر لأننا عُدنا بمؤسساتنا الي مجتمع توريث المهن.. عُدنا الي مجتمع القرون الوسطي فابن استاذ الجامعة سيكون استاذاً وابن الطبيب طبيباً وابن الفنان فناناً.
التوريث بهذا المعني هو خلق نسخ مكررة من بعضها في غياب عدالة حقيقية وتكافؤ فرص حتي أصبح الطريق الوحيد لضمان مستقبل الابناء هو السير في نفس الطريق الذي سلكه الاباء.