أسئلة تحتاج لإجابة
د. علي محمد فخرو
بينما يغوص العالم كله في وحل الأزمة المالية، وبالتالي الاقتصادية والاجتماعية، الخانقة، وترتفع ضخامة الأموال المطلوب ضخُّها في الماكينة الاقتصادية للكثير من الدول وكذلك ضخامة الديون التي ستتراكم على حكومات الكثير من الدول، وتعلن الشركات العملاقة عن تراجعات حادة في الأرباح وعن وصول بعضها إلى حافة الإفلاس، وتزداد جيوش العاطلين عن العمل من المسرُّحين. بينما يحدث كل ذلك لا نسمع في منطقة دول مجلس التعاون إلاُ التصريحات المحٍّّيرة، حتى وصل الحال ببعض القيادات إلى الإعلان بزهو وثقة عن أن بلادها قد تخطُّت الأزمة الدولية ووضعتها وراءها. كذا، فقد أصبحنا في صفوف السابقين الداخلين جنًّة النُّاجين. هذا كله يقال بالرغم من أن أسعار البترول، المصدر الأساسي لثروات المنطقة، لا تزال في مستوى الهبوط، وبالرغم من أن الصناديق السيادية للدول مجتمعة قد خسرت حوالي الثلث من أصولها المستثمرة في أمريكا وأوروبا وبما يقارب الخمسمئة مليار دولار، وبالرغم من أن المضاربات الجنونية في العقار والأسهم قد تجمًّدت حتى ولو لم تستعد عافيتها العقلية بعد.
هل الهدف من كل تلك التطمينات هو الهروب من مواجهة الأسئلة المستقبلية الصعبة أم الهروب من دفع الثمن للأخطاء التي ارتكبها الكثيرون أم تغلُّب طبع إزدراء تساؤلات المجتمعات وإبقاء ساكنيها في مستوى وحالة وحقوق الرعيًّة الرًّاضية فقط بأكل العشب متى وأينما وبأية حالة وجد. أيُاً تكون الأسباب، وبعيداً عن قراءة النيًّات، فأن المسؤولين يجب أن يجيبوا على الأسئلة المفصلية التالية :
أولاً: ما هي السياسات الاستثمارية التي ستتبعها الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون في المستقبل لكي تعدٍّّّّّّّّّّّّّّل من خسائرها الكبيرة في الأزمة الحالية ولكي تتجنًّب خسائر مماثلة في المستقبل، خصوصاً وبعد أن أثبتت العقود والقرون الماضية أن النظام الرأسمالي، سواء أكان محلياً أم عولمياً، لا يستطيع تجنُّب الأزمات الحادة الكبيرة ولا يستطيع التنبُّؤ بها، وأنه دائماً يدفع هو والعائشون تحت ظلًّه أثماناً باهظة من أجل الخروج من تلك الأزمات؟
ثانياَ: إلى أيُّ حدُّ ستتوجه تلك الاستثمارات في المستقبل القريب نحو الداخل ونحو أرض العرب والمسلمين بدلاً من استعمالها في تحريك عجلة الاقتصاد في بلاد اليسر والغنى، وعلى الأخص أمريكا وأوروبا؟
ثالثاً: هل سنبدأ بمراجعة نظرتنا لثروة البترول والسياسات التي تحكم صرفها بحيث نأخذ بعين الاعتبار أنها تتولُّد من مصدر ناضب، بل سينضب بعد بضعة عقود، وأنها ليست للصُّرف فقط وإنما لتكون رافعة لإحداث وتطوير اقتصاد إنتاجي ومعرفي، وبناء تنمية شاملة مستدامة لا في منطقتنا فقط وإنما في الأرض العربية المحيطة بنا؟
رابعاً: متى سنعتبر أن الثروة البترولية هي ثروة مجتمعية تخصٌّ هذا الجيل والأجيال القادمة وتعني كل فرد من أفراد المجتمع، وبالتالي فان طريقة صرفها ومقدار صرفها ونوعية استثمارها هي قضايا مجتمعية تحتاج إلى مشاركة ورضى مختلف القوى في المجتمع؟ ولنا أسوة في كيفية تعامل الدول البترولية المتقدمة من مثل النرويج كمثال ساطع، مع ثرواتها البترولية لكي تصبح رافعة لكل اقتصادها الإنتاجي والخدمي والمعرفي وليس لتبديدها في ترف استهلاكي أو في توزيع شللي أو في بناء اقتصاد هشٍّ قابل للسقوط تحت أية أحداث ضاغطة.
خامساً: متى سنرى تكوين فرق من علماء للطاقة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا واستشراف المستقبل وذلك لدراسة تجاربنا الماضية مع موضوع البترول وتقديم حلول لمعالجة نواقص تلك التجارب في الحال، والنظر بموضوعية ودقة علمية فيما يجب ان نهيئه منذ الآن لحقبة ما بعد البترول وعلى الأخص القوى البشرية والأولويات الاقتصادية والبناء الحضاري المطلوب لتلك الحقبة؟ ومن المؤكد أن قياداتنا السياسية الرسمية، وحتى المجتمعية، لن تكون كافية ولا قادرة لأن تقوم بمثل هذه المهمة التي تحتاج للعلم والمعرفة والعقلانية والحرص على الخير العام والفهم الصحيح لحضارة العصر. إنها أسئلة تدق أبوابنا بقوة، فهل لدينا الإرادة السياسية والحياتية للإجابة عليها، بعد أن انتظرنا طويلاً انبلاج صبح ذلك الليل الطويل الذي عشناه.
القدس العربي