الحقيقة.. بعد خروج الضباط
عصام سحمراني
لبنان.. ربما تكفي الكلمة للدلالة على كل ما في قاموس السياسة من التسييس، والتدخلات الخارجية، والإستقواء بالخارج على الداخل، والإنفراد بالداخل لإثبات الذات أمام الخارج، والثورات الكاذبة، ودولة اللا دولة، ووطن اللا وطن، والديمقراطية الخادعة، والتنجيم وقراءة الغيب السياسي، والخروج دائما بنتائج واحدة متوحدة لا ترفع مستوى معيشة المواطن وتبقي المتكلمين على منابرهم والمتعفنين على كراسيهم.
اغتيل الحريري وارتفعت قمصان عثمان بالآلاف معبأة بالأحلام والوعود والنفوذ وكذلك بالأموال من كل الألوان. من قتل الحريري؟ وجهوا الإتهام إلى سوريا ورفعوا رؤوس رجالها في لبنان يطالبون بالإقتصاص منهم. “فبركوا” شهود زور وأسموهم “ملكا”. سادت ثورتهم وخرجت إلى الإعلام العربي والأميركي تبشر بنبوءة سيد الإنسانية بوش ورسولته رايس أنّ الشرق الأوسط يشهد تغييرا وسيكون لبنان محطة أساسية فيه كما هي الحال دائما في أرضه الخصبة وفي دولته اللا دولة ووطنه اللا وطن وهويته المتوزعة بين سوريا وإيران وفلسطين وإسرائيل والسعودية ومصر والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا.
أربع سنوات مرت على اغتيال الحريري وتكاد أربع سنوات أخرى تمر على حبس الضباط الأربعة حتى خرجوا من سجنهم. خرجوا.. فسمعنا شتائم وئام وهاب مجددا ولعنات ناصر قنديل مجددا ورصاص الضاحية الجنوبية متكررا. وتحول حزب الله إلى ام العروس. إختفى المحللون السياسيون وشتموا في جملة المشتومين. وتبارى الـ14 آذاريين ينعون أنفسهم ويهبون إلى وسائل الإعلام بكلام مكرر لقّن لهم منذ الأزل: “إخلاء السبيل لا يعني البراءة.. لا يعني البراءة..لا يعني البراءة.. لا يعني البراءة…” حتى تحولت في أفواههم إلى ما يشبه كلمة أخرى مكررة لهم: “المحكمة الدولية.. الحقيقة”. فمن جهة يعلنون أن إخلاء السيبيل لا يعني البراءة ومن جهة أخرى يغمزون قائلين: “القرار رد على متهمي المحكمة الدولية بالتسييس!!”. فإذا كنتم تؤمنون فعلا أنّ المحكمة الدولية غير مسيسة حين ذلك ما دخلكم بالحكم على القرار إن كان يعني البراءة أو لا يعنيها!؟
المهم أنّ الضباط الأربعة خرجوا وخرج من قبلهم الأخوان عبد العال. هي فكرة واحدة وحيدة ربما تصح. فالمحكمة الدولية أولا مسيسة بإمتياز كما كل شيء دولي. والمتحكمون بقراراتها معروفون تماما في كل تصويت إبتداء بأكبر القضايا في مجلس الأمن وصولا إلى أصغر لجنة دولية تعنى بشؤون البيئة.
المحكمة الدولية مسيسة ونتائجها ربما ستكون أكبر على من فرح بخروج الضباط الأربعة وهلل لهم وربما على آخرين غيرهم مختلفين كليا عنهم مستبعدين حتى الآن بالكامل. فقد رمي فتات الخبز للأسماك، والصياد الأميركي وصبيته من العرب وصبية الصبية من اللبنانيين ينتظرون تفرق الجموع كي يتم جمع الصيد بعدها بحسب الظروف والتغيرات والخطط.
بعدها لا فارق إن كان من سيستدعى إلى المحكمة من 8 آذار أو 14 آذار، من سوريا أم من إسرائيل، من إيران أم من السعودية.. لا فارق أبدا فالإرادة العليا هي صاحبة الكلمة الأخيرة مهما كانت النتائج وكيفما كان شكل الإتهام. رحم الله كل من لم يكن له ذنب.. ورحم الله الحقيقة.
عصام سحمراني
خاص – صفحات سورية –