وخرج الضباط الأربعة… أبرياء تمامًا
نسرين عزالدين
غير مشتبه بهم، وغير متهمين… هكذا أخرجهم قاضي الإجراءات التمهيدية البلجيكي دانيال فرانسين أمس في التاسع والعشرين من نيسان 2009 بعد أن وضعهم القضاء اللبناني منذ الثلاثين من آب 2005 في الإنفرادي في سجن رومية بتهمة إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. الضباط الأربعة إلى الحرية بعد أن رفعوا كشعار في ساحة 14 شباط بعيد إغتيال الحريري… كانوا وفق تلك الساحة مطلوبين للعدالة، ومتهمين ومجرمين… وأكثر كانوا شعارًا انتخابيًا أوصل ذلك الفريق إلى السلطة.
وبما أن المعلومات التي بحوزة فرانسين… وهي ملفات تحقيق القضاء اللبناني حول الضباط الأربعة “لا تتمتع بالصدقية لتبرير إصدار مضبطة إتهام بحق الاشخاص المحتجزين”، كما جاء في نص قرار قاضي الإجراءات البلجيكي، وتطبيقًا لمبدأ قرينة البراءة “لا يجوز في هذه المحطة من الإجراءت إستمرار إحتجازهم “.
اذًا ظهر الحق، وبانت براءة هؤلاء من محكمة دولية لم ينفك فريق 14 آذار برفعها كفزاعة بوجه كل من يخالفهم الرأي، وماذا حصل حين قررت المحكمة التي كانت – وفق 14 اذار دائمًا – ستدين ” قتلة رفيق الحريري ” أي الضباط الأربعة – وستحاكم سوريا وحلفاءها في لبنان.. ماذا حصل.. خرج زعيم تيار المستقبل بخطاب “يطبطب” به على ظهور جمهوره.
لم يعتذر من الضباط، وطبعا لمَ الاعتذار؟ فلبنان بلد يمكن للسياسي أن يسير فيه القضاء وفق مزاجه ولا يرف له جفنٌ، ويمكنه أن يستغفل جمهورًا بعصب طائفي ويقودهم وفق شعار “إن انتخبتم الفريق الاخر فأنتم تنتخبون قتلة رفيق الحريري”… كان الأجدر بالحريري أن يعتذر من جمهوره لا أن يتحدث عن خيبة أمل “قد تصيب البعض”، ولا أن يتحدث بمبدأ “لا تخافوا المحكمة ستصل الى الحقيقة “..وإن اعلنت براءة من كان فريق 14 اذار طوال السنوات الفائتة يصر على تجريمه… والمقصود بالإصرار هنا كل الفوضى التي أدخلت إلى ملف التحقيق من شهادات زور وتسييس للقضاء اللبناني وتضليل للرأي العام وقيام موجة من العصبية الطائفية أخرجت المواطنين عن طورهم، فلم يعد اللبناني يتحدث سوى من منطلق “الطائفة “.
إعلام السلطة كان همهم الاول والأخير أمس بث تقارير “تطبطب” أيضا على ظهور الجمهور الذي تم إستغفاله، “الإفراج لا يعني البراءة ” على الرغم من أن المحكمة الدولية أعلنت أنهم غير مشتبه بهم وغير متهمين. فليوضحوا لنا – نحن الجمهور الغافل – كيف تحول إيمانهم المطلق بأن المحكمة ستدين هؤلاء “القتلة” بما تتضمنه هذه الإدانة “من لا مهنية للقضاء اللبناني” أعلنها القضاء الدولي إلى “تطييب خواطر” الجمهور وتقبل “دامع” لقرار المحكمة.
أما رجالات هذا الفريق، فصاموا عن التصريحات لبضع ساعات، بإستثناء تصريح يتيم للنائب عمار الحوري جاء عقب القرار قال فيه إن الافراج يعني أن المحكمة غير مسيسة. وبعد هذا التصريح بساعات إنهمرت تصريحات هذا الفريق وجاءت متشابهة مستنسخة… فتكررت جملة “قرار الإفراج يعني أن المحكمة غير مسيسة “حرفيًا في تصريحات جزء من فريق 14 آذار بينما تولى الجزء الآخر منهم جملة “الإفراج لا يعني البراءة”.
أعلنت المحكمة الدولية قرارها، وأعلنت معه سقوط كذبة قادها فريق 14 آذار لما يقارب الأربع سنوات. كذبة أصروا عليها، ورفضوا الجدال فيها فمبدأ “بريء حتى تتم إدانته ” ذهب إلى الجحيم، ولأن الإدانة كانت مستحيلة كان لزاما الخروج بشهادات زور وشهود مفبكرين.
دانت المحكمة الدولية “لا مهنية ” القضاء اللبنانية، ودانت معه قضاة ومدعين تمييزيين وعسكريين من المفترض أنهم حماة القانون والدستور وحقوق الانسان.
قسم لبنان وفق “مع المحكمة ” و”ضد المحكمة”. الفريق الأول اقنعه قادته أن “الحقيقة” ستظهر بإدانة الضباط الاربعة، أما الفريق الاخر فكان يصر على براءة هؤلاء وبالتالي صنفوا “كعملاء” سوريا في البلاد.
فأي حقيقة ستظهر، فمن كانوا “عماد ” هذه الحقيقة أعلن القضاء الدولي براءتهم، ومن كانوا شهودًا أساسيين تبين أنهم شهود زور.أما القضاء الذي كان “يحرص” على هذه الحقيقة فتمت إدانته “بلا مهنية”.
ظهرت الحقيقة بالفعل..القضاء مسيّس والقانون لا يحترم، والبريء يتعفن في الإنفرادي من أجل مصالح سياسية إنتخابية لزعماء كذبوا على جمهورهم وصنفوا جهمور الآخر بصفة “العميل ” و”الشريك ” في الجريمة.
أرادوا الحقيقة لما يقارب الأربع سنوات، الحقيقة التي تناسبهم. أما الآن فانقلبت الأدوار، فاللبنانيون يريدون الحقيقة. حقيقة من تورط ومن فبرك ومن سيّس ومن كذب ومن “صنع” شهود زور.
قالت المحكمة الدولية كلمتها الاولى… فبرأت الضباط الاربعة. لعلها تكمل مسيرتها بعيدًا عن التسييس والصفقات وتظهر الحقيقة وإن كانت ظلال السياسة تخيم ثقيلة في سماء لاهاي.
ومع ذلك يبقى الأمل بوجود “عدل ” ما في مكان ما على هذا الكوكب.
قد تظهر الحقيقة وقد لا تظهر، لكن المؤكد أنه خلال مسيرة هذه المحكمة ستسقط اكاذيب عدة، وستظهر “أنياب” عديدة.
فلنأمل أن هذه الأنياب ستنهش بلحمها لا بلحمنا..لأننا إكتفينا.
ايلاف