اتجاهات الخطاب الإستراتيجي الأميركي الجديد
د. عبدالله السيد ولد أباه
فريد زكريا باحث أميركي معروف (من أصل باكستاني) كتب مؤخرا كتابا مهما بعنوان«ما بعد العالم الأميركي» يقدم فيه إضافة نوعية على الحوار الاستراتيجي الأميركي الداخلي في بدء عهد الرئيس الجديد أوباما.
تكمن أهمية الكتاب في أن الرئيس اوباما
لا يخفي إعجابه بكتابات زكريا التي استفاد منها في حملته الانتخابية الأخيرة. ومن ثم فإن دراسة فريد زكريا تسهم في تفسير الاتجاهات الجديدة في السياسة الخارجية الأميركية التي تشكل قطيعة حاسمة متدرجة مع نهج الرئيس اليميني السابق جورج بوش الأب.
ما هو جلي في أطروحة زكريا، هو ضرورة خروج الخطاب السياسي الأميركي من هاجس الخوف والخطر الذي طبعه في الحقبة الماضية (في السنوات السبع الأخيرة) بنقد مقولة «محور الشر» التي لا تعني شيئا والتقليل من أهمية «الأصولية الإسلامية» التي لا يمكن مقارنتها بتحدي النازية والشيوعية في القرن المنصرم.
فالخطر الذي يواجه الولايات المتحدة، ليس مصدره التطرف الإسلامي، او الإرهاب الديني، وإنما توزع القوة الاقتصادية والعسكرية في العالم، ببروز قوى دولية منافسة للولايات المتحدة التي لم يعد بمقدورها الهيمنة الأحادية على مصير العالم. وفي وضع هذه سماته، يتعين على الخطاب السياسي الأميركي مراجعة مفاهيمه وشعاراته للحفاظ على باقي صدقية.
يجمل فريد زكريا أبرز اتجاهات الوضع الدولي الملاحظة في تصاعد دور الصين وبمستوى أقل الهند والبرازيل، وعودة روسيا الاتحادية بقوة، مركزا على التحدي الصيني الذي يعتبره أخطر وأطول مدى من التحدي السوفييتي في عصر الحرب الباردة. بيد انه يظل متفائلا في نهاية المطاف إزاء هذا التحدي، باعتبار غياب أنموذج اقتصادي صيني متكامل وعجز الثقافة البوذية عن حمل طموح كوني قابل للتعميم خارج دائرة خصوصيتها المغلقة.
أما الهند فإن كانت حيويتها الاقتصادية العالية متأتية من دورها المتزايد في الصناعات الإلكترونية الجديدة، إلا أنها تضم ثلاثة أقاليم بحجم نيجيريا فقرا وتخلفا وكثافة بشرية وتنوعا دينيا وعرقيا، ما يضعف دورها الاستراتيجي في النظام الدولي الجديد، فدخلها هو ثلث دخل الصين. كما انها مهددة بالانقسام والتفكك.
ويقلل زكريا من خطر الأصولية الإسلامية الهندية، مبينا أن أيا من 150 مليون مسلم هندي لم يقم من قبل في عملية إرهابية، ما ينم عن روح اعتدال بارزة وحس حداثوي علماني متمكن.
ويرفض المؤلف مقارنة وضع أميركا بحالة بريطانيا العظمى في نهاية القرن التاسع عشر، التي فقدت وزنها كقوة دولية مهيمنة نتيجة لهزائمها في حروبها الخارجية التي أنهكت اقتصادها، مبينا أن حربي افغانستان والعراق لم تكلفا الولايات المتحدة أكثر من 1.6 في المائة من دخلها القومي، ما لا يؤثر على الحيوية الاقتصادية الأميركية الهائلة المستندة إلى الاكتشاف العلمي والإبداع الصناعي (تحتضن ما بين 40 الى 60 اهم عالم في هذه المجالات المتطورة). كما ان منزلتها العسكرية لا تزال بعيدة عن أي منافسة خارجية.
ومن هنا يخلص زكريا إلى القول إن الخارطة الإستراتيجية القائمة بعد انهيار جدار برلين، لم تتغير في الجوهر: أولوية الدور الأميركي لكن بحضور قوى دولية أقل شأنا، وإن كان من غير الممكن إهمالها، ما يفرض على الإدارة الأميركية الجديدة إدراك هذه الحقيقة، واستنتاج النتائج الضرورية منها التي هي الانفتاح على الأطراف الدولية المختلفة بعيدا عن عقلية الهيمنة وسياسة المحاور.بتغليب منطق الاحترام والمصلحة المتبادلين.
ينتج عن هذا التوجه خياران جديدان: إبداع آليات جديدة للتدخل تناسب الوضع الدولي الجديد، ونمط الصراعات غير المتكافئة والتقليل من التدخل العسكري العقيم، وإعادة بناء صورة أميركا في العالم التي تضررت كثيرا في العقد الأخيرة نتيجة لحروب الرئيس بوش الانفرادية.
من الواضح أن اتجاهات السياسة الأميركية الجديدة لا تخرج عن هذه التصورات التي يقدمها فريد زكريا في كتابه الأساس الذي يستحق الترجمة الى العربية ليكون في متناول القارئ العربي.
كاتب من موريتانيا