حكومة نتنياهو والملفات الثلاثة بين التفجير والجمود
علي بدوان
يمكن القول إن عملية التسوية السياسية في المنطقة دخلت من جديد في نفق آخر بعد صعود تيارات اليمين واليمين المتطرف داخل الدولة العبرية الصهيونية، وبعد سلسلة من الانتكاسات والهزات التي أوصلت الأمور إلى درجة عالية من التعقيد والاحتقان، خصوصًًا بعد العدوان الصهيوني الواسع وغير المسبوق على قطاع غزة، واستمرار الحصار الظالم على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وزاد الأمر وضوحًا مع الخطاب الوزاري الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو، وهو الخطاب الذي أعاد خلط الأوراق مرة ثانية، وبطريقة أضافت المزيد من التعقيدات على ملفات معقدة في الأصل.
وذلك في وقت أطلقت فيه قمة الدوحة العربية الفرصة الأخيرة لمبادرة السلام العربية المقدمة للمجتمع الدولي منذ قمة بيروت العربية (مارس/آذار 2002) من أجل إرساء سلام شامل ومتوازن على أساس مرجعية الشرعية الدولية قولاً وعملاً.
خطابات سياسية تقود للتفجير أو الجمود
فقد كشف بنيامين نتنياهو عن برنامجه الحقيقي ورؤيته الفعلية للعملية السياسية في الشرق الأوسط، بعد أن نجح في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ونيلها الثقة بأغلبية واضحة وصلت إلى تأييد 69 من أعضاء الكنيست، مقابل 45 صوتًا على الضد منها، مع امتناع ستة عن التصويت.
فقد كشفت حكومة نتنياهو الستار عن وجهها القبيح في أول يوم تتسلم فيه السلطة، فعاد السؤال التقليدي التالي يطرح نفسه بصدد المسار المتوقع لحزب الليكود وائتلاف الحكومة الإسرائيلية الجديدة: هل ستتجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى المفاوضات الجدية مع السوريين أو الفلسطينيين أو كليهما، أم إلى الجمود السياسي والمراوحة في المكان؟
فتواتر هذا السؤال، بات يفرض حضوره كل يوم مع الخطاب الوزاري الأول لبنيامين نتنياهو، وتواصل التصريحات الاستفزازية التي أطلقها وزير الخارجية الجديد أفيغدور ليبرمان، وهي تصريحات ليست عدائية لعملية السلام، وناسفة للمرجعية الدولية وقراراتها ذات الصلة فقط، بل هي فاشية في مضمونها عندما تتحدث عن الحلول الأمنية مع الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، باستخدام القوة.
لنقف أمام حركة فاشية بكل المقاييس يقودها أفيغدور ليبرمان، وتضطلع بدور مركزي وهام في الحكومة الإسرائيلية القادمة. فهذه الحركة يقف على رأسها شخص يحرض على خمس المواطنين الأصليين في الدولة العبرية (المواطنين العرب الفلسطينيين الذين يشكلون20% من سكان إسرائيل) ويدعو بشكل صريح إلى تصفية قيادات الجمهور العربي في إسرائيل، وأن يتم التعامل معهم بنفس الأسلوب الذي تم التعامل به مع قطاع غزة.
ومن بين الملاحظات الهامة التي سجلت، قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو بتضمين خطابه الوزاري الأول، إعادة إطلاقه مقولات سياسية تفجيرية تقود لإدخال المنطقة في بوابة المغامرات العسكرية، أو نحو الجمود في أحسن الأحوال، وهي مقولات تستند إلى المواقف السياسية الرئيسية التي كان حزبه قد أعلنها في برنامجه الانتخابي وبرنامج أحزاب اليمين خصوصًا “حزب إسرائيل بيتنا”.
وهي مواقف تعكس أيضا المزايدات الشعاراتية بين الكتل الحزبية الإسرائيلية في هذا المضمار، حيث اللاءات المعروفة: لا عودة للاجئين الفلسطينيين، والقدس العاصمة الموحدة لإسرائيل، ولا إمكانية لدولة فلسطينية مستقلة تامة السيادة، كما لا إمكانية للنزول الكامل والتام من فوق هضبة الجولان السورية المحتلة، و”السلام لن يتحقق إلا في مقابل السلام”، مخالفًا بذلك مبدأ الأرض مقابل السلام الذي شكل أساسًا للمفاوضات بين الدولة العبرية الصهيونية وباقي البلدان العربية المعنية منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
بل وخطا وزير الخارجية الجديد أفيغدور ليبرمان خطوات أكثر وضوحا بإطلاقه تصريحات أعلن فيها رفض الدولة العبرية لـ”حل الدولتين” والتحلل من التزامات مؤتمر أنابوليس (الضبابية في الأصل)، حيث أعلن في مطلع أبريل/نيسان الجاري أن “مقررات مؤتمر أنابوليس للسلام غير ملزمة لإسرائيل”، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكل إحراجًا لدعاة السلام العرب وللرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يصر على حل الدولتين.
حكومة نتنياهو والملفات الثلاثة
ولم تكد تمر ساعات على التصريحات السابقة، حتى خرج أفيغدور ليبرمان بتصريحات نارية جديدة، استبعد خلالها أي انسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، قائلا في مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية في الثاني من أبريل/نيسان الماضي: “لا قرار من الحكومة الإسرائيلية بشأن المفاوضات مع سوريا ولن نقبل بانسحاب من هضبة الجولان”.
وذلك بالرغم من التوصيات الكثيرة التي كانت قد أطلقتها بعض المراكز البحثية والدراسية الإسرائيلية، بما فيها مؤتمر هرتسليا لـ “المناعة القومية” في دورته الأخيرة، بضرورة العودة لإحياء “الخيار السوري” مع انتخاب باراك أوباما، فأنصار الخيار السوري يطرحون جملة من الادعاءات والذرائع الميكانيكية، ومنها القول إن ملف الصراع الإسرائيلي السوري أقل تعقيدا من ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإن في دمشق مرجعية أكثر فعالية وأقوى صلاحية مما في فلسطين، وإن التفاوض مع دمشق ينطوي على مفتاح الانقلاب الجيوسياسي في الـمنطقة من خلال تفكيك علاقات سوريا مع إيران.
فرئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد بنيامين نتنياهو لدى عرضه حكومته على الكنيست الإسرائيلية الثامنة عشرة في الحادي والثلاثين من مارس/آذار الماضي لنيل الثقة، ركز على ثلاثة ملفات أساسية باعتبارها الهم الرئيسي والأساسي لحكومته العتيدة في المرحلة التالية، وهي الملف الاقتصادي الذي ورثه من سلفه إيهود أولمرت، وهو ملف كبير يتضمن أثقالاً وازنة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي أصابت الدولة العبرية وعكست نفسها على اقتصادياتها بشكل كبير ومؤثر.
وثاني الملفات هو ملف الاستيطان المتوارث من مشاريع الحكومات الإسرائيلية السابقة، ولكن بنفس جديد، وبإصرار ملحوظ لتفعيله والإسراع في تحقيق إنجازات أوسع في مضماره، خصوصًا أن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد، يضم في صفوفه العتاة من الاتجاهات اليمينية التوراتية ومن تيارات “اليمين القومي العقائدي الصهيوني” من دعاة الاستيطان فوق أراضي الضفة الغربية ومناطق القدس وقلب المدينة، في الوقت الذي تستمر فيه حملات الاستيطان التهويدي، ويتم طرح المشاريع الجديدة للتهويد.
أما ثالث الملفات فيتعلق بالموضوع الأمني بشقيه: الشق الأول المتعلق بالموضوع الفلسطيني، على خلفية ذيول مرحلة ما بعد العدوان على قطاع غزة، وهو الملف الذي يركز على المعالجة الأمنية للعلاقة مع الفلسطينيين ويغيّب المعالجة السياسية، حيث تجاهل نتنياهو في خطابه الوزاري الأول بفجاجة عالية حتى مبدأ حل الدولتين على المسار الفلسطيني، ولم يقدم أي تصورات جدية لمفاوضات حقيقية مع الطرف الرسمي الفلسطيني.
والمفارقة أن نتنياهو ومعه مجموعة أفيغدور ليبرمان وباقي التشكيلات السياسية المؤتلفة مع الليكود في الحكومة الجديدة يواصلون إطلاق شعارات التطرف التي تدغدغ مشاعر (النخب والدهماء) على حد سواء في أوساط اليمين المتطرف بالنسبة لمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ولمستقبل الحل مع الفلسطينيين بشكل عام.
إيران واحتمالات الخيار العسكري
أما الشق الثاني في الملف الأمني فيتعلق بإيران، حيث بدأ نتنياهو الحشد الإعلامي والتحريض الدولي على برنامجها السلمي للطاقة النووية، فقد ادعى نتنياهو في خطابه الوزاري أيضا، أن الخطر الأكبر على الإنسانية هو “الأصولية الإسلامية”، وخص في كلمته إيران قائلاً “إن على العالم أن يعي مدى خطورة أن يكون لدى نظام أصولي سلاحا نوويا”.
وأضاف “إيران تهدد بالأساس إسرائيل، ولكن ليس وحدها، بل العالم بأسره، بما فيه دول عربية وإسلامية”، داعياً إلى مشروع إسرائيلي كبير لتحقيق حملة إعلامية تهدف إلى إقناع الرأي العام في الغرب بالتحرك ضد المشروع النووي الإيراني، منطلقًا من أن أغلبية الناخبين في إسرائيل تريد على حد قوله “قائدًا على مستوى أرييل شارون أو إسحاق رابين أو مناحيم بيغن” لذلك بدا في خطابه الأول كمن يريد أن يظهر سياسيا في الشارع الإسرائيلي لمواجهة ما يسميه بـ”التهديد الإيراني”، وأعلن استعداده للحل العسكري واستهداف طهران.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر إسرائيلية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ينظر بالفعل في إمكانية الإقدام على عمل عسكري ضد إيران، على أساس أن العقوبات المفروضة على طهران لم تأت بنتيجة، وأن القوة هي السبيل الوحيد لمنعها من تطوير قدراتها النووية.
ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الثاني من أبريل/نيسان الماضي عن تلك المصادر قولها “إنه وفقا للتقديرات السائدة في إسرائيل عقب تسلم حزب الليكود بزعامة نتنياهو قيادة ائتلاف يميني، فإن رئيس الحكومة الجديد يعد لعمل عسكري ضد إيران”.
وأضافت أن هذه التقديرات مبنية على عدة اعتبارات أولها المواقف التي أعلنها نتنياهو خلال الحملة الانتخابية وخطابه أمام جلسة نيل الثقة في الكنيست عندما جدد اعتبار البرنامج النووي الإيراني “خطرا وجوديا على إسرائيل”، مشيرة إلى أن التقديرات السائدة على الساحة الدولية باتت تتعامل مع مسألة قيام إسرائيل بضربة عسكرية لإيران على أنها أمر احتمالاته قوية.
وكشفت المصادر ذاتها أيضا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ووزير حربه إيهود باراك قدما قبل عام من الآن للرئيس الأميركي السابق جورج بوش لائحة بطلباتهما بخصوص تسهيل الهجوم الجوي الإسرائيلي على إيران، إلا أن إدارته ردت برسائل حازمة على تل أبيب تطالبها بعدم التصرف بمفردها، خاصة بعد ظهور الأزمة المالية، بيد أن إيهود أولمرت بدل موقفه -على ما يبدو- وتراجع في حساباته عن فكرة الهجوم العسكري الجوي على المفاعل النووي الإيراني، أو ألقاها على الأقل لخلفه بنيامين نتنياهو نظرًا لعواقبها غير المحسوبة، باعتبارها تدخل في باب المغامرة دون الموافقة والإسناد اللوجستي الأميركي التام والكامل، إضافة للإسناد السياسي الفعال على الصعيد الدولي، وضرورة التعهد الأميركي أولاً وقبل الإقدام على العملية العسكرية بحماية إسرائيل من عواقب عملية استثنائية كهذه.
في هذا السياق من المتوقع -كما تشير المعلومات المتسربة للصحف العبرية- أن يزور بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة قريبًا، ومن المتوقع أيضا أن يتصدر الموضوع الإيراني جدول أعماله السياسية مع الإدارة الأميركية، حيث تقدر مصادر أوروبية هامة وذات مصداقية وفقًا لتسريبات وصلتها، أن نتنياهو سيقابل باراك أوباما في البيت الأبيض ومن المتوقع أن يناقش معه مشروع عمل عسكري ضد إيران، على أن تتكفل إسرائيل بالضربة بإشراف أميركي.
وتشير المصادر إلى أن الحصول على ضوء أخضر من إدارة باراك أوباما يبقى الأساس أمام تنفيذ مخطط نتنياهو بتنفيذ الشق الثاني من ملفه الأمني واستهداف إيران بعملية جوية استثنائية. ودون الضوء الأخضر الأميركي فإن العملية ستبقى على الأرجح مجرد حديث تلوكه الألسن داخل الدولة العبرية الصهيونية.