القضية الوطنية السورية…أزمة نظام أم فوضى معارضة ؟!.( 1 – 2).
د.نصر حسن
تطغى على الساحة الوطنية السورية حركة عامة غير محددة المضمون وغير واضحة الاتجاه , يعود ذلك بشكل كبير إلى دور النظام الديكتاتوري الذي سيطرعلى كل فعاليات الحياة ,وأنتج تردي فكري ثقافي اجتماعي اقتصادي سياسي أخلاقي عام على مستوى المجتمع , تعكسه بهذا الشكل أو ذاك رحى الاستبداد التي تطحن المجتمع وتكاد تعميه عن الرؤية الواضحة من جهة , ومن أخرى ضعف مظاهر الحركة الثقافية والسياسية المعارضة التي تئن تحت أبعاد الصراع مع الاستبداد وتعدد حدوده ومستوياته كماً ونوعاً , المريح في الأمر,هو صدارة المطلب الديمقراطي وأولوية العمل فيه وحوله , رغم أنه تشوبه العصبية والسطحية والفوضى بشكل كبير, ويتسم بعمومية المفاهيم مما جعله في محصلته أشبه بحرث في الماء وأقرب إلى دعوة الانعزال والتفكك , متراجعاً إلى الوراء ,إلى سلبية الروابط البدائية وتخلفها , متكئاً على نبش ظلام التاريخ وظلمه , ممتهناً المطالبة العصبية بالحقوق , بمجمله الملحوظ يشي برغبة إزاحة مفهوم الانتماء وعلاقات التعايش المشترك والمصير الواحد إلى إحداثيات أخرى ملتبسة مفروضة بقوة الاستبداد والفوضى والظلم والفقر واليأس والمصالح الخارجية والظروف الإقليمية والدولية , وبمقاربات بعيدة عن الشرعية الوطنية ,الجغرافية ,الاجتماعية ,السياسية, الحقوقية,والإنسانية في معالجة الأزمة الوطنية!.
وبموازاة ذلك ,لاشك أن تطور المجتمعات وتأثير الثورة المعلوماتية والانفتاح العالمي وزيادة الوعي وتعدد وسائل المعرفة وسهولة الوصول إليها والتعامل معها , مضافاً له تطور مستوى الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية بشكل عام كمعطى معرفي أمام الأفراد , قد فرض نفسه ولعب دوراً مهماً في البحث وإعادة إنتاج مفاهيم حداثية جديدة , تهدف إلى تجاوز مصطلحات طاغية تتردد في حياتنا وتدور في وعينا ضمن إحداثيات الماضي , بما يشبه ” الدوغما ” في حالة الاستسلام إلى محددات سابقة ومسبقة للحراك الوطني الثقافي السياسي العام , ولاشك أيضاً أن تبني بعض تلك المفاهيم العصبية وطرحها بهذا المنحى كان له دور في زمن مضى , رغم ذلك نتبناها ونرددها اليوم وكأنها لازالت صالحة للاستخدام والقناعة والتعبير كمفاهيم حديثة تستخدم لمعالجة مشاكل عصرية قائمة , ومابرحت نظرتنا لها ثابتة ومستقرة لاتتحلحل من إطار الماضي ومفاعيله ,لكن واقعاً هي مفاهيم ماضية متحجرة فقدت زمنيتها ولم تعد لها صلة مباشرة في الواقع الحالي ومحدداته وعليه توجب تجديد نظرتنا لها , ينطبق ذلك على مفاهيم ( – الدولة – المواطنة – القومية – العولمة – حق تقرير المصير- الديمقراطية – حقوق الإنسان ) مع ملاحظة غلبة الفهم السطحي لها مترافقة مع أطروحات عمومية تتمثل في تقديس الانتماء لدين أو عرق أو حزب ,والدفاع عنه بعصبية ,بحق وغير حق , وكأن عملية الانتماء لحزب هي الهدف وليست الوسيلة لتحقيق العدل والحق والمساواة بين أفراد الشعب وتعميق الروابط الوطنية وتطويرها على طريق صناعة مستقبل مشترك , هذا التعصب يظهر واضحاً في الأحزاب الإثنية والدينية والأصولية العربية والكردية على حد سواء, مما يعمق الشك والتعصب والتعصب المضاد داخل المجتمع الواحد , ويبطئ عملية التنمية الوطنية الديمقراطية ويشوشها, ويدفع معركة الحرية والديمقراطية خارج الطريق الصحيح , بل إلى منزلقات خطيرة.
والحال كذلك , إن الاندماج في الأحزاب والمعارضة منها على وجه التحديد , يجب أن يتأسس على الوعي الوطني الهادف إلى معالجة المشاكل الوطنية واجتراع حلول عادلة , وليس الانتساب إلى الأحزاب بهدف موضى سياسية خالية من أهداف واقعية ممكنة التحقيق وغالباً ما تكون حواملها فئوية مسكونة برغبة التميز والانفصال عن المجموع , من هنا يجب التأكيد بقوة على مفهوم الدولة الديمقراطية وتعميقه لأنه الطريق الأنسب والأسلم لمعالجة المشاكل الوطنية , ولاشك أن التنمية الديمقراطية تتصاعد مع تصاعد مستوى وعي الأفراد وشكل علاقتهم ببعضهم البعض وعلاقتهم بمجتمعهم , وكلما تصاعد الشعور بالانتماء إلى المجتمع والحرص على وحدته الوطنية , تتعزز القومية السياسية والدولة الديمقراطية وتظهرنتائج العمل الوطني المؤسسي وتحترم الحقوق وتتحقق العدالة والمساواة , لأنه بدون شعور الترابط بين أفراد المجتمع تتصدع أسس الديمقراطية وتضطرب وتتحول في أحسن الأحوال إلى ديمقراطية طوائف وعشائر وأعراق وحصص وتوابع لهذه الجهة أو تلك , وبالتالي فإن المشاركة الجماعية تتطلب وعي الهموم المشتركة والمصالح المشتركة, والدولة الديمقراطية وحدها كفيلة بتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص التي تؤدي إلى زوال الفوارق وتقف ضد سيطرة الأكثرية , دينية أو إثنية على بقية مكونات المجتمع الأقل عدداً , أي انتقال الوعي من شكله البدائي العصبي إلى شكله الوطني الإنساني الأوسع ,أي تحول الصراع إلى مستواه الصحيح أي المستوى السياسي .
واستطراداً يجب أن يؤسس الحراك الوطني السوري والمعارض منه بشكل خاص على مفاهيم جامعة محركة للمجتمع لإزالة الترسبات التي أنتجها الاستبداد وإزالة الفوارق المتراكمة والوصول إلى تقاربات وتفاهمات وطنية بالحوار الديمقراطي لتحقيق القدر الأكبر من التوافق بين أبناء المجتمع وتمتين الوحدة الوطنية وتجذير الصراع ضد الاستبداد والتوجه السريع لبناء الدولة الوطنية التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون بدون أي شكل من أشكال الاستثناء والتمييز.
وبشكل مباشر , إن المسألة الكردية هي أحد وجوه المشكلة الوطنية كغيرها من المشاكل التي تتعلق بمفاهيم – الدولة – المواطنة – القانون – الظلم – العدالة – الحقوق – وحلها لن يكون أبداً سوى بالحوار الديمقراطي والسلوك الوطني السليم المؤسس على الوعي والعدل والانتماء الوطني الصادق , وتقبل جبرية الجغرافية والتاريخ والتصالح معها والاعتراف بالآخر وتنمية ثقافة الحوار والعيش المشترك وتوهين التعصب بشتى أشكاله , سواء ً لقومية أو لدين أو لطائفة أو لعشيرة أو لحزب أو لعقيدة , لأنه كله معوق للحس السليم ومتناقض مع القواسم المشتركة وقيم التعايش والانفتاح ومعالم العصر, وعليه يجب معايشة المشكلة في حاضرها , فالسرد التاريخي لم يعد له أهمية الآن في عالم يتجه شئنا أم أبينا إلى التكامل الإنساني والحياة المشتركة بكل شيئ , وعليه تبقى عملية البحث في جذور التاريخ مهمة معرفياً لأنها توضح محتوى ماضي وجذر حاضر , لكن لن تغير في المعادلة الوطنية الحالية ولا تملك من القدرة المحركة خاصة في ظل الاستبداد الذي ينتهك حقوق الشعب على أساس وطني وليس على أساس اثني أو عرقي أو ديني , رغم بعض تجلياته الأصولية آنفة الذكر , الذي يلعب فيها الاستبداد دوراً خبيثاً لنقل الصراع أفقياً بين أفراد المجتمع , وبالتالي إن اللجوء إلى الماضي لإثبات مسألة حاضرة وإعطاء شرعية لها , لم يعد له أهمية اليوم في الواقع الموضوعي , وعليه إن تحييده وإبعاده واجب ويمثل المدخل الذي لابد منه لصيانة الحقوق وحسم المشاكل والأزمات الوطنية والخروج منها إلى فضاء الوطنية والديمقراطية والدولة المدنية والتعايش المشترك .
خاص – صفحات سورية –
تعليق واحد