رغم انفتاح الولايات المتحدة، سوريا تعزز علاقاتها مع إيران
أندرو لي باترز
ما كان على المسئولين الأمريكان أن يشعروا بالمفاجأة بسبب ابتسامات التضامن ما بين الرئيس السوري بشار الأسد و الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد في دمشق يوم الثلاثاء الماضي, و لكن على العكس من ذلك لربما كان يجب أن يشعروا بخيبة الأمل. بالتأكيد فإن إيران هي الحليف الأقرب لسوريا, و كلتا الدولتين هما في صميم الدول التي يطلق عليها في بعض الأحيان دول ” هلال الممانعة” – وهي عبارة عن دول و مجموعات من طهران الى غزة تقف ضد سلطة الولايات المتحدة و اسرائيل- و لكن إدارة أوباما تأمل في تغيير هذا الأمر. لقد أبدت إدارة أوباما انفتاحا تجاه سوريا من أجل إضعاف علاقة سوريا مع طهران و من أجل إيقاف دعمها للمجموعات المسلحة في كل من لبنان و فلسطين, و لكن ليس هناك أي إشارة على التقدم على هذا الصعيد. ففي المؤتمر الصحفي المشترك لبشار الأسد و أحمدي نجاد أكد هؤلاء القادة على دعم بعضهما البعض, دعم كل من حماس و حزب الله.
السنة الماضية فقط, دخل المسئولون السوريون في محادثات غير مباشرة مع اسرائيل (من خلال وساطة تركية), و في بداية هذه السنة قامت إدارة أوباما بإرسال مبعوثين رفيعي المستوى الى دمشق لأول مرة منذ أن سحبت إدارة بوش سفيرها من هناك عام 2005. إن الموضوع في واشنطن هو أن السلام ما بين اسرائيل وسوريا يمكن أن يعطي الولايات المتحدة رافعة في تحديها لإيران فيما يتعلق بالعديد من القضايا المثيرة للجدل في المنطقة, خصوصا برنامجها النووي. و لكن يبدو أن تشاؤم واشنطن قد ازداد في الآونة الأخيرة, و خصوصا أن المبعوث الخاص للرئيس أوباما الى الشرق الأوسط جورج ميتشل لم يقم بزيارة الى دمشق في جولته الشاملة في المنطقة الشهر الماضي. إن زيارة أحمدي نجاد الى دمشق قد تكون مؤشرا إضافيا على أن التوقعات بحدوث تقدم على هذا الصعيد لربما كانت غير واقعية.
لقد أكدت الجولات الماضية من المفاوضات أن الخطوط العريضة لاتفاقية السلام ما بين سوريا و اسرائيل بسيطة – انسحاب اسرائيل من مرتفعات الجولان التي احتلتها عام 1967, و التي أصبحت منزوعة السلاح, و في المقابل تتوقف سوريا عن عداوتها مع اسرائيل. و على الرغم من الإسرائيليين قد اعتادوا على استملاك مرتفعات الجولان لمدة تقرب من 42 سنة, فإن مثل هذا الحل لا يتطلب إخلاء كبيرا للمستوطنات أو نقل السيطرة في المناطق التي يمكن اعتبارها مهمة روحيا لكلا الجانبين, و هي القضايا التي تربك المحادثات ما بين الفلسطينيين و الإسرائيليين. لقد أعادت حرب غزة الأخيرة إثبات عدم رغبة إسرائيل في ترك السيطرة على الأراضي لكي ترى أن المجموعات المسلحة تقوم بملأ الفراغ. كما أن نتينياهو و الذي يعتبر صقرا في اسرائيل قد انتخب كرئيس للوزراء هذا الخريف بعد حملة انتخابية و عد فيها ضمن وعود أخرى أن لا يعيد شبرا واحدا من مرتفعات الجولان الى سوريا. حتى أولئك الأكثر ميلا الى اتفاقية الأرض مقابل السلام مع سوريا في المؤسسة الإسرائيلية يصرون على أن ثمن إعادة الجولان الى سوريا يجب أن يتضمن قطع علاقات سوريا مع إيران و مع الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل.
و لكن المسئولين السوريين يصرون على أنه ليس لديهم أي نية لتوقيع اتفاق منفصل مع اسرائيل يمكن أن يترك إيران في البرد. و على العكس, فقد نادوا الى صفقة كبرى تعالج القضايا الأساسية ما بين إيران وسوريا من ناحية و القضايا الاسرائيلية و الأمريكية من ناحية أخرى. و في هذا السياق, فإن الاتفاق الاسرائيلي السوري سوف يكون بالكاد خطوة في عملية أكبر وهي عملية “سلام بارد” يتضمن نزع السلاح و اعتراف متبادل و ليس تطبيع علاقات ما بين الدولتين و بالتأكيد ليس هناك زيارة كتلك التي قام بها أنور السادات الى القدس سيقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد. في الواقع فقد أشار وزير الخارجية السوري أن مثل هذا الاتفاق المؤقت لا يتطلب أن تقوم سوريا بالتوقف عن توفير ملجأ لقيادة حماس في دمشق.
إن واشنطن لم تبلع الطعم. و على العكس, فقد أرسلت لربما أقل مسئول أمريكي تفضيلا لدى سوريا وهو مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان في رحلة ثانية الى دمشق هذا الأسبوع. بينما كان فيلتمان سفيرا لواشنطن في لبنان فقد لعب دورا كبيرا في تعزيز التحالف المعادي لسوريا في لبنان و الذي أجبر القوات السورية أخيرا على الرحيل من البلاد بعد عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري و العديد من عمليات اغتيال صحفيين و سياسيين معادين لسوريا. إن المسئولين في السفارة الأمريكية في لبنان يشتبهون في أن الهجوم المسلح على سيارة السفارة في يوم مغادرة فيلتمان للبنان عام 2008 كان وداعا سيئا من السوريين.
و عوضا عن تقديم صفقة إقليمية كبرى, اقترب فيلتمان من سوريا على أساس نقاط خلاف منفصلة, دعم التمرد في العراق و الدعم المقدم لحماس و حزب الله و محاولة التدخل في عمل الحكومة اللبنانية و إخفاء برنامج نووي محتمل. إن الولايات المتحدة تريد تقدما في هذه القضايا كثمن لإزالة العزلة التي تعيشها دمشق من خلال إعادة السفير الأمريكي إليها و إنهاء العقوبات الاقتصادية و دعم مفاوضات سلام مباشرة ما بين سوريا وإسرائيل. لحد الآن فإن سجل سوريا في حل هذه القضايا كان مختلطا. لقد ساعد السوريون في إغلاق الحدود مع العراق من أجل منع تسرب الجهاديين, و لكن و بحسب المسئولين الأمريكان فإن سوريا تتلكأ في كل الأماكن الأخرى تقريبا.
كما أنه من السابق لأوانه القول إن المسار سوري قد انتهى, لأن المضي قدما كان دائما بطئ. إن الرئيس بشار الأسد و الذي يعتبر في الأساس رئيسا مدى الحياة, يعمل ضمن إطار زمني مختلف عن الإطار الزمني المحدود لنظرائه الأمريكان. إن نظام الأسد سوف يتمتع بأضواء الدبلوماسية الدولية, و لكنه سوف يؤخر بقدر الإمكان يوم الحساب الذي سيتحتم عليه فيه أن يختار ما بين الولايات المتحدة و إيران. و مع استعداد الولايات المتحدة للدخول في محادثات مع طهران, فإن دمشق تأمل أن لا تصل الى ذلك اليوم مطلقا.
مجلة التايم الأمريكية