حوار مع يوسف عبدلكي، وتوضيح منه
هذا التوضيح والحوار وصل الى الموقع عن طريق الفنان يوسف عبدلكي، وقد كتب قبل أسابيع من الآن، حاول فيه الفنان يوسف عبدلكي نشره في جريدة شرفات لكن الجريدة لم تنشره وأرسله أيضا إلى جريدة لبنانية ولم تنشره أيضا، وقد وصل الينا ايضا قبل اطلاق سراح ميشيل كيلو لذا اقتضى التنويه.
توضيح من يوسف عبدلكي
فوجئت بنشر جريدة ” شرفات” التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية في عددها رقم 49 الصادر في 23 آذار 2009ن لقاءا معي أجراه الصحفي عامر مطر
مصدر المفاجأة هو أنني لم أعط أي لقاء لأي صحيفة أو مؤسسة اعلامية سورية، لإعتقادي أن الأوان ما زال باكرا على ذلك في ظل التقييد على الحريات الاعلامية من جهة، ولوجود العديد من الأصدقاء الكتاب والصحافيين قيد الاعتقال أمثال ميشيل كيلو وفايز سارة وأكرم البني ومحمود عيسى والفنان طلال أبودان.. مما يدفعني لإعتبار التعامل مع الاعلام السوري بمثابة خيانة لحريتهم في الكتابة والنشاط السياسي وخيانة لصداقاتي معهم
علما أن اللقاء كان قد أجراه الصحفي مطر في وقت سابق لصالح جريدة الجزيزة السعودية، ونش فيها بتاريخ 26 شباط 2009
أتمنى من الاساتذة القائمين على ” شرفات” نشر هذا التوضيح احتراما للأصول المهنية، واحتراما للأصدقاء والكتاب المحرومين من حق الحرية
دمشق 5.4.2009
وفيما يلي نص الحوار كما وصل صفحات سورية
الفحم في رحلته نحو الفجر، يوسف عبدلكي: بداخلنا فنانان يشتغل أحدهما بالأبيض والأسود والآخر بالألوان
دمشق – عامر مطر
يقطع بالفحم رأس سمكة، ويثقب أخرى وسط الضوء بمسمار، ليصنع من هذه العناصر مسرحاً بصرياً يحمل أبطاله عتمة الواقع وأمل يوسف عبدلكي. أحذية وزنابق وجماجم وفجل وعظام بشرية… يمثل كل واحد من هذه العناصر لوحة تتراوح بين أقصى الضوء وأقصى الفحم، يصوّر من خلالها بلداناً تتراوح بين أقصى الظلم وأقصى اللجم.
رسم عبد لكي تلك الأشياء المعزولة عن محيطها وأسماها بطبيعة صامتة رغم أصوات الحديد والنار والصمت التي تخرج منها، ربما يرسم نفسه- غربته من خلالها، وهو الغريب في سماء باريس عن ترابه. لم يلتزم في طبيعته الصامتة بالمقاييس الكلاسيكية للوحة، كسرها وكسر معها أبواباً ستغري فنانين من بعده لمواصلة التمرد على كل تفاصيل اللوحة- الواقع.
يتخلل كل هذا الفحم والقسوة الكثير من الضحك المبكي (الكاريكاتور) الذي يكمّل شخصيته ويسيطر على حيّز كبير من حياته الفنية، بل بدأ مع رحلة الخطوط منه.
عند تفاصيل الأسماك بدأ الحوار معه.
* لماذا فعلت بها كل هذا…؟
– هذه العناصر أو المشخصات موجودة كثيراً في مجتمعنا، لكن كل فنان يعطيها معنى ودلالة مختلفة ويعالجها بطريقة مختلفة عن غيره، فالوردة والديك والحصان والسمكة عناصر متكررة ملايين المرات بتاريخ الفن منذ أيام الكهوف، الأهم كيف ترسم السمكة؟ أي دلالة تعطيها؟، بالنسبة لي السمكة تشعرني بالقدرة على تحدي الموت، فاتساع حدقتيها ولمعة حراشفها تشعرك أنها حيّة رغم معرفتك بموتها، تنظر إلى العالم المحيط بعينيها الجاحظتين وتقف بين الحياة والموت وتتحداهما، العنصر الجاذب لي من حيث المعنى، إنها طاقة تعبيرية كبيرة وقادرة على الإيحاء المتجدد وهي تختلف من وقت لوقت حسب درجات النور، لذا أراها عنصراً غير قابل للاستنفاذ، يمكن أن يقضي الفنان كل عمره في العمل عليها، وأنا أعمل عليها منذ أكثر من عشر سنوات ولم تستنفد ولن تستنفد.
لفرط القسوة
* رسمت جمجمة وكبلتها ؟
– ألا ترى أن حياتنا مفروض عليها الموت، هناك موت للقيم، للنبالة، للحرية، للكرامة… وهناك قيود وأسر في كل الحقول، أشتغل دوماً على عنصر وأضيف إليه بعض الإضافات لتأكيد معناه، وظفت على بعض العناصر دلالة ثانية غير دلالتها الأولى التي تكفي بحد ذاتها، كسمكة ميتة ومثقوبة بمسمار أو مقطوعة الرأس، أي موت فوق الموت… عنف وقسوة تتعدى الأولى، والجمجمة المربوطة أيضاً كذلك، جاءت لتتعدى كل ما ترمز إليه الجمجمة.
* إذاً هل يمكن القول أن هذه العناصر هي عبدلكي هي جيله ومجتمعه؟
– الكثير من الفنانين يشتغلون على حياتهم الشخصية والكثير منهم يشتغلون على حياة محيطهم، وبالتالي من الصعب كثيراً فرز من أين هذه وأ تنتهي تلك، هما متداخلان بشكل كبير، أما أنا وأبناء جيلي ومجتمعي عشنا حياة صعبة وتعرضنا لضغوطات متشابهة، لذلك لم أعتبر أبداً أن ذاتي مفصولة عن الذات الأكبر وذلك ليس إدعاء إنما إحساسي أنني خلية ضمن الخلية الأكبر، إذاً العمل على جمجمة وبقية الرموز القاسية لا يحمل دلاله ذاتية بقدر ما يحتوي على مزاوجة بين ما هو عام وخاص، وفي كل تاريخ الفن يعمل الفنانون على هذين اللحظتين المتداخلتين بشكل دائم.
* هل للرغبة تأثير على اختيارك للعناصر والمواضيع…؟
– قطعاً لا، لو أنني بقيت في سورية ولم أخرج ربع قرن إلى فرنسا لاشتغلت على عناصر أخرى ودلالات مختلفة، كل العناصر التي أعمل عليها منذ 12 أو 13 سنة معزولة عن محيطها، وذلك ليس بالمصادفة أبداً، فعناصر لوحاتي مثلي، هي مقطوعة عن محيطها وأنا مقطوع عن محيطي… لو عشت في سورية طوال الفترة الماضية لما عبرني هذا الإحساس ولما عبّرت بهذه الطريقة وبهذه العناصر، فالفنان مثله مثل أي إنسان آخر، ابن شرطه التاريخي والذاتي فأي شيء يطحن حياته يتسرب إلى فنه.
أشلاء اللوحة
* لماذا كل هذا الاهتمام بفضاء اللوحة؟
– المكان جزء أساسي من العناصر الموجودة فيه، بل هو ليس فراغاً أو خلفية لأنه عنصر، كما أنه يترك آثاراً نفسية وبصرية قوية جداً حسب طرق استخدامه، عندما نأخذ عنصرين متشابهين تماماً ونضع أحدهما في فراغ واسع والآخر في فراغ محصور، يصبح لدينا لوحتان مختلفتان كلياً عن بعضهما، من هنا يمكن اعتبار الفراغ عنصراً أساسياً في العمل الفني، وإذا تابعنا في كل تاريخ الفن لمسألة الفراغ نرى أن فلسفات الحقب تؤثر على معالجة الفراغ، ففي عصر النهضة انطلاقاً من فكرة أن الإنسان هو محور الكون، ضاق الفراغ وحاز الإنسان على الحضور الأكبر في لوحاتها، من جهة أخرى الصينيون واليابانيون يعتبرون الإنسان عنصراً بسيطاً من هذا الكون الشاسع لذلك نرى الإنسان لا يشكل سوى واحد بالمائة من مساحة اللوحة، الخلاء عندهم هو بطل اللوحة، أما أنا شغلي فيه تعريج على قوة اللغز الموجودة بوجود الإن سان في كل هذه الحياة والعلاقة بين الإنسان والعناصر والفراغ فيها عنصر ميتافيزيقي، وقوة الإلغاز التي تسير فيه تلبي حاجتي وأسئلتي التي غالباً لا أجوبة لها عندي.
* والألوان، لماذا نحّيتها عن لوحاتك؟
– كل من يعمل على سطح أبيض يكون لديه واحد من ميلين، إما للضبط الغرافيكي أو الاستمتاع اللوني، داخل كل منّا فنانان يشتغل أحدهما على السطح بالأبيض والأسود والآخر بالألوان، أحدهما عقلاني والآخر عاطفي، هذان الميلان موجودان عند كل فنان، لكنه موجود بتطرف عند البعض، فيعملون فقط بالرسم دون الألوان وآخرون ملونون فقط… من الأسماء الكبيرة للملونين مونيه وأحمد صبري وصليبا الدويهي ومن الرسامين بيكاسو وموراندي وحسن سليمان، ويتجلى جوهر العمل في جانب من الاثنين، أنا انتبهت لميلي منذ البداية، رأيت انه ميل الرسامين، وأن الأبيض والأسود يشداني لصياغة اللوحة أكثر من الألوان، إنها مسألة صرف الطاقة في مجالها ليس إلا. طبعاً ليس في ذلك أي تقسيم نوعي، فربما يكون العمل جيداً أو ركيكاً إن كان ملوناً أو بالأبيض والأسود… فالحبر الصيني والألوان المائية والزيتية والفحم ليست إلا أدوات ليحقق الفنان رؤاه من خلالها، وتمكّن الفنان من أدواته يعطيه قدرة خلق عمل متماسك وقادر على إقامة حوار مع الآخر.
بالألوان
غادر يوسف عبدلكي سورية عام 1980م، إلى باريس ومكث فيها ربع قرن
أكمل في باريس دراساته العليا، إذ حاز على دبلوم حفر من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس عام 1986 م، ثم نال الدكتوراة في الفنون التشكيلية من جامعة باريس الثامنة نهاية الثمانينيات، وكان قد تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق سنة 1976.
الفنان من مواليد القامشلي (شمال شرق سورية) عام 1951م،أقام الكثير من المعارض الفردية في مختلف عواصم ومدن العالم منذ العام 1973 وحتى اللحظة، مثل القاهرة، وتونس، وعمان، وبيروت، ودبي، وصفاقس، والمنامة، وباريس، والإسكندرية، والكويت…وغيرها، كما شارك في معارض جماعية في بغداد، وبرلين، وباريس، والقاهرة، ولندن، وبيروت، وتايوان، وهامبورغ، وجنيف، والشارقة وغيرها…
Amer.mattr@hotmail.com
الجزيرة السعودية
خاص – صفحات سورية –