جوزف بايدن… ونحن: الحل السوري
جهاد الزين
في خطابه المهم فعلاً امام مؤتمر اللوبي الاسرائيلي اوائل هذا الاسبوع في واشنطن قال نائب الرئيس الاميركي جوزف بايدن للنخبة اليهودية الاميركية الحاضرة واصدقائها ان «الامة التي تؤكد انها تقود، ولكن لا احد يتبعها، لا تكون في وضع قيادي». نائب الرئيس الاميركي بدا في هذا الخطاب اكثر نجاحاً من خطاب باراك اوباما امام المؤتمر السنوي نفسه لـ»الايباك» او «اللوبي الاسرائيلي» العام المنصرم،وكان اوباما لا يزال مرشحاً للرئاسة. في الواقع كان خطاب اوباما الباهت الوحيد هو ما قاله امام مؤيدي اسرائيل بسبب اضطراره… ليس فقط الى التأييد المبالغ به لاسرائيل بل ايضا لحرصه على عدم ارتكاب اي «خطأ» في الخطاب يسيء الى حملته الانتخابية فجاء كلامه خالياً من اية فكرة خلاّقة كتلك الافكار الذكية التي امتلأت بها، ولا تزال، خطبه الاخرى وعلى رأسها خلال حملته الانتخابية خطابه الشهير حول العنصرية.
جوزف بايدن قبل بضعة ايام بدا – وبتفويض من اوباما الرئيس – مرتاحاً اكثر ان في تأييده لاسرائيل او في تشديده على الاختلاف مع منطلقات مؤيدي حكومة اليمين الليكودي الحالية وحليفها افيغدور ليبرمان. النقطة الرئيسية المعلنة في الخلاف هي موضوع «حل الدولتين» الذي تتخلى عنه حكومة بنيامين نتنياهو. لكن النقطة الخلافية الاخرى الاقل وضوحاً – في ثنايا الخطاب – هي موضوع التعامل مع ايران، ومنطق كلام بايدن واضح في دعوة الاسرائيليين الى تشجيع تسوية سلمية مع الفلسطينيين تسحب قدرة ايران على ما يسميه «استغلال الصراع الاسرائيلي الفلسطيني».
غير انه يمكن اعتبار اشارته الى ان «الامة التي لا يتبعها احد، ليست في وضع قيادي» نوعاً من مخاطبة مباشرة للنخبة السياسية الاسرائيلية الحاكمة، بأن متانة وعمق العلاقات الاميركية – الاسرائيلية يجعلان اسرائيل معنية قبل غيرها بأن لا تخذل توجهات السياسة الاميركية لان ضعف اميركا هو ضعف لاسرائيل ايضاً خصوصاً ان نائب الرئيس حرص على تذكير «الايباك» بأن تجربة «الستاتيكو خلال العقد الاخير في الشرق الاوسط لم تخدم مصالح الولايات المتحدة ولا مصالح اسرائيل بشكل جيد».
لكن «ادارة اوباما – بايدن» – كما يستخدم التعبير في خطابه – تعي حجم الخلاف وصعوباته البنيوية بين منطلقاتها وبين المنطلقات الليكودية الحالية، ولذلك فإن الخطاب يتجه وكانه يتكئ على منطق فتح خيار آخر مواز للسلام هو السلام السوري – الاسرائيلي «الذي قد يعيد تشكيل المنطقة» حسب تعبيره.
واذا كان خطاب بايدن كأحدث واقوى توجه اميركي في موضوع الصراع العربي – الاسرائيلي لا يفاضل صراحة بين المسارين الفلسطيني والسوري فإن الانغلاق الواضح القائم على المسار الفلسطيني مع وجود الحكومة الاسرائيلية الجديدة قد يعيد تعويم المسار السوري كبديل قادر على التغيير الجوهري ولو كان غير الكامل في المنطقة.
كان جوزف بايدن يخطب… ومبعوثا مجلس الامن القومي ووزارة الخارجية دانييل شابيرو وجيفري فيلتمان كانا متجهين نحو دمشق… في ما قد يتحوّل الى اعادة تفعيل للعلاقات الاميركية – السورية… إعادة تفعيل مهيأة لأن تتحول الى دعم اميركي لتجديد المفاوضات السورية – الاسرائيلية المباشرة، وهو مطلب – للتذكير – يكرره الرئيس بشار الاسد اي مطلب الرعاية الاميركية لسلام سوري اسرائيلي.
• • •
… من كل ذلك نصل الى الخلاصة التي تعنينا في لبنان والتي ستكون نتائجها اذا تبلورت اكثر اهمية على مستقبل الوضع اللبناني من الانتخابات النيابية نفسها في 8 حزيران المقبل.
فانطلاق المسار السوري – الاسرائيلي سيعني حتماً – اذا انطلق – بدء البحث بما اسميناه سابقاً «الحل السوري لوضع سلاح المقاومة»… بعد فشل الحل الاسرائيلي في تموز – آب 2006 و»الحل اللبناني» لهذا الوضع في السنوات الاربع المنصرمة التي شهدت نجاح «الحل الدولي» لخروج الجيش السوري من لبنان.
قد يكون الموضوع الاستراتيجي الاول للسياسة اللبنانية ، كسياسة تابعة كلياً للمنطقة، بعد انتهاء الانتخابات هو هذا الموضوع في الاشهر الآتية: افق ومدة ونوع وصيغة «الحل السوري لوضع المقاومة» كجزء لا يتجزأ من السلام السوري – الاسرائيلي… على مدى السنوات المقبلة.
حديث مبكر؟ ربما.
حديث واقعي واستشرافي لافق علاقات المنطقة؟ نعم.
على النخب اللبنانية ان تبدأ من اليوم جدياً درس هذا الاحتمال… بعيداً عن الافكار المسبقة و»الكوابيس» الضيقة الافق والتوقعات السطحية.
النهار