ضعف لا قوّة
حازم صاغيّة
في قوّة «حزب الله»، التي تجلّت في بيروت، هناك ضعف مقلق. فالقويّ لا يقول، لسبب ولا سبب، إنه قويّ، ولا يتصرّف بموجب هذا. ذاك أن القوّة، في وطن واحد، ضمنيّة تعبّر عن نفسها بصمت، عضلاتها مفتولة لكن صوتها أقرب الى الهمس.
و«حزب الله»، في المقابل، لا سيّما أمينه العام ونائبه، دائمو التذكير بقوّتهم. يُكثرون الحديث عن الصواريخ، ويُكثرون استعراض المسلّحين. ثم، وبعد ذلك، ينقضّون على الشوارع.
وهذا من شيم مَن يلحّ ضعفه عليه ومن يستشعره بحدّة، إذ القوّة الفعليّة تتأتّى عن إجماع أكثريّة الشعب المعنيّ حولها، وعن تسليم تلك الأكثريّة بقضيّتها. هكذا لا يُضطرّ القويّ الى سلاح التهديد والى استعراض الجبروت الحربيّ.
والحال أن ما يقصف بيروت ضعف «حزب الله» لا قوّته، وخوفه لا ثقته. فهو يعرف أنه يهبّ في وجه أكثريّة العالم الساحقة، وكانت كلمة تيري رود لارسن في الأمم المتّحدة وثيقة تاريخيّة في وصف التعارض بين «الحزب» والعالم. ذاك أن ما قاله ممثّل الأمين العامّ للمحفل الأمميّ يشبه حرفيّاً ما قد يقوله فؤاد السنيورة أو أيّ وزير في حكومته. و «حزب الله» يهبّ، أيضاً وأساساً، في وجه أكثريّة ساحقة من اللبنانيّين. أمّا الأقليّة الكبيرة التي يمثّل بعضها ويحالف بعضها الآخر، فانكمشت بعد التآكل الذي عصف بشعبيّة المتفاهم معه ميشال عون، وبعد الصمت المطبق الذي لاذ به حلفاء «الحزب» من الطائفة السنّيّة. وقد جاء رفض التسوية التي عرضها سعد الحريري، ومفادها تمكين الدولة والجيش على حساب الطرفين المتصارعين، ليشي بحجم التعارض مع الطبيعيّ كما مع الشرعيّ.
فقد تكون بليغة عبارة «استخدام السلاح من أجل السلاح»، إلاّ أنها أبلغ مما قد يُظنّ للوهلة الأولى. فهي تقول إن السلاح غدا للسلاح وحده والمقاومة للمقاومة وحدها بالمعنى الذي يُقال فيه إن الفنّ للفنّ.
ويتّضح، من ثمّ، كم أن كلفة المقاومة كبيرة على بلد كلبنان، وكم أن المسافة قصيرة بين المقاومة للمقاومة وبين «عدم توجيه السلاح الى الداخل»، الذي يلوّح له «حزب الله» بإغراء لا يُقاوم هو أن يصبح تكراراً لغزّة. ووضع كهذا قد يُكتب له الانتصار بالقوّة السلاحيّة المحضة، أما في مجالات العقل والتدبّر والصلة بالعالم الخارجيّ فليس هناك إلاّ الهراء. وقد لا يبالغ المراقب إذا قال إن الانتصار العسكريّ الأخير يضع «حزب الله» في مواجهة العالم الذي، بالمناسبة، لا يقلّ قوّة سلاحيّة عن قوّة «حزب الله» وإن فاقه في سائر مجالات القوّة.
فهل جنى «الحزب» على نفسه بصنيعه هذا؟
الحياة – 10/05/08