التجارة ببضاعتين فاسدتين
بلال خبيز
يقول الشيخ نعيم قاسم وهو نائب أمين عام «حزب الله» اللبناني، إن المعارضة ستفوز في الانتخابات وإن كل دول العالم بما فيها أميركا ستأتي إلينا (أي نحن اللبنانيين الفائزين) وتسألنا عما نريده، ولن نسألها (أي اللبنانيين أنفسهم) عما تريده منا.
مثل هذا التصريح، أو الخطاب على وجه الدقة، يفترض أن «حزب الله» اللبناني كان ينتظر الانتخابات البرلمانية ونتائجها ليعمل بمقتضاها وفق الأصول الديمقراطية العريقة، وأن هذا الحزب لم يتوغل أمنياً وعسكرياً في كل مناطق لبنان، ولا يسيطر بقواته المسلحة وأجهزته الأمنية على قسم واسع من الأرض اللبنانية، حيث لا يشاركه في تسلطه هذا أي مشارك من أي نوع، لا حليفاً ولا صديقاً، لكن هذا ليس إلا غيضاً من فيض المهزلة التي يصر «حزب الله» على إقناع اللبنانيين والعالم بها. أي التزامه المطلق بالقوانين المرعية الإجراء في الدولة اللبنانية، وتالياً التزامه بالخضوع لنتائج الانتخابات ومشيئة الناخبين أنفسهم في تقرير الأقلية والأكثرية.
«حزب الله» يريد أن يحكم حكماً مقبولاً دولياً. وهو يحسب أنه في تحالفه مع الجنرال ميشال عون الذي يمثل قوة مارونية شعبية لا يمكن الاستهانة بحجمها، بات يملك القدرة على صياغة علاقات دولية وإقليمية تجعل مهمته في الحكم ممكنة. وهذا لا يتنافى مع الإعلان الصريح والرغبة الواضحة في تسليح الجيش اللبناني بأسلحة إيرانية وتدريبه على يد الحرس الثوري الإيراني، على ما أعلن أمين عام «حزب الله» قبل مدة قصيرة. وقد يكون ما يعلنه قادة الحزب في هذا المجال صحيحاً، إذ لا أحد يستطيع أن ينفي أن ثمة اتجاهاً دولياً من بين اتجاهات يفترض أنه من الحكمة بمكان ألا يتجاهل العالم نتائج الانتخابات اللبنانية مثلما حدث في غزة والضفة الغربية إثر فوز حركة «حماس» في الانتخابات البرلمانية. ومثل هذا الاتجاه الدولي العام يملك حظاً في التأثير، مما يسمح لـ«حزب الله» أن يستمر في سياسة الوجه و«القفا»، حيث يكون «حزب الله» المنتخب في صناديق الاقتراع، غير «حزب الله» المصنف في بعض الدول إرهابيا، والمحذور منه في معظم دول العالم. كما لو أن «حزب الله» يريد التجارة ببضاعتين طوال الوقت، والنجاح في التجارتين. في حين أن البضاعتين متضاربتان وتكاد إحداهما تشعل النار بالأخرى، فإذا كان «حزب الله» يريد أن يكون حاكماً مقبولاً دولياً، على ما يصرح قادته، فلماذا يصر ويكرر إصراره على انتهاك سيادة دول والتلاعب بأمنها؟ أكان الأمر متعلقاً بما حصل في أذربيجان حيث اعتقلت السلطات هناك مجموعة من «حزب الله» تخطط لتفجير السفارة الإسرائيلية في العاصمة باكو، أو كان الأمر يتعلق بمصر وخلية «حزب الله» المعتقلة هناك.
واقع الأمر أن مشكلة «حزب الله» لا تتلخص في كون دول العالم لا تريد الاعتراف به، بل إن مثل هذا الاعتراف بدا بعيد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، في فبراير العام 2005، قيد التحقق، حين أعلنت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية يومذاك، أن بعض بنود القرار الدولي 1559 ليست موضوعة للتنفيذ المباشر، وعنت بذلك ما ينص عليه القرار الدولي من نزع أسلحة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. لكن «حزب الله» نفسه هو من يستعمل سلاحه وإمكاناته بخلاف الرغبة العالمية. وما إن تطوى قضية من قضاياه حتى تبرز قضية أخرى. والأرجح أن المجتمع الدولي الذي قد يعترف بـ«حزب الله» حاكما في لبنان، هو المجتمع الدولي الذي يعترف بأن أنسب الطرق لمعالجة الموضوع اللبناني هو نفض اليد نهائياً من إمكان قيامة البلد وانتظار تعفنه على غصنه كثمرة فاسدة. على أن يبنى البلد الجديد فوق ما لن يكون غير ركام البلد الحالي بمعارضته وموالاته.
قد تتفهم مصر مثلاً، رغبة «حزب الله» بمد حركة «حماس» في غزة بالأسلحة، وقد تنحو التحقيقات المصرية نحو التساهل مع هذا الأمر، فمد الفلسطينيين بالسلاح في مواجهة عدوهم ليس جريمة. هذا إذا كان سلاح حركة «حماس» موجهاً فعلاً لإسرائيل، إذا ما أخذنا التهديدات الحمساوية باجتياح الضفة الغربية أخيراً في اعتبارنا. لكن مصر المتفهمة لن تغفل عن الأخذ في اعتبار سلطاتها وأجهزتها الأمنية أن جوازات السفر الصادرة عن جهة رسمية لبنانية مزورة، وتالياً أن التعامل مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها لابد أن يخضع إلى منطق الشك ببهتانها وزورها. وهذا سيطاول من دون شك زوار مصر من اللبنانيين مثلما سيطاول مؤسسات لبنان الرسمية التي أصبحت منذ اكتشاف تلك الخلية قيد الاشتباه الأمني.
* كاتب لبناني