ماذا سيحصل لو هوجمت إيران؟
د. محمد مسلم الحسيني
هل ستقف إيران مكتوفة الأيدي كما فعلت سوريا؟
النزاع القائم بين الغرب وإيران حول الملف النووي الإيراني الذي إتسم بسياسة العصا والجزرة وبصيغة الحار والبارد لم ينته بعد ولم يحسم . الإيرانيون مصرّون على التعامل مع الذرة والغرب يخشى تطور المشروع النووي الإيراني الى النهج العسكري ومن ثم صناعة القنبلة النووية. هذه القنبلة التي إن صنعت ، وبرأي الكثير من المحللين، ستقلب موازين القوى في المنطقة وتجعل الإيرانيين أكثر سطوة ونفوذا وهيمنة مما يشكل تهديدا مباشرا وغير مباشر للمصالح الغربية في المنطقة ولأمن إسرائيل وإستقرارها. وهكذا يعتبر المشروع النووي العسكري الإيراني، في نظر الغرب وإسرائيل، خطا أحمرا لا يمكن لإيران أن تتجاوزه وتحت أي مبرر من المبررات و بأي ظرف من الظروف.
عام 2004م جمدت إيران العنصر العسكري في نشاطاتها النووية وذلك بعد مداولات مضنية بينها وبين الإتحاد الأوربي تمخضت عن إتفاقية ” باريس” في حينها، التي وافق عليها الإيرانيون على مضض تجنبا لضربة عسكرية أمريكية محتملة، خصوصا في ظل تهديدات أمريكا المتكررة في ذلك الحين. هذا التجميد أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأيدته الإستخبارات العسكرية الأمريكية ، مما أغلق الباب أمام الحجج الأمريكية لضرب إيران . إلاّ أن وجود المفاعلات النووية المنتجة في إيران وإمكانية تخصيب اليورانيوم وتوفر الإمكانيات التقنية الأخرى التي تمكن من صناعة القنبلة النووية، أمور غير مريحة لمن يخشى نوايا إيران ويحذر قوة شكيمتها. وهكذا يبقى، في نظر الغرب، تعامل الإيرانيين مع الذرة أمر مشكوك فيه ويستلزم إجراءات حازمة لوقفه ومنع تطوره كي لا يؤخذ العالم على حين غرّة ويتفاجأ بقنبلة نووية إيرانية الصنع!
الظروف العالمية الراهنة بشكل عام وظروف أمريكا بشكل خاص جعلت سيناريوهات إستخدام القوة العسكرية في إنهاء المشروع النووي العسكري الإيراني غير مستساغة وغير محبذة من قبل أكثرية دول العالم ومن ضمنها دول الإتحاد الأوربي. تذبذب أسعار البترول وإحتمالية إرتفاعها، إنشغال وتورط الأمريكيين وحلفائهم في الحرب في كل من إفغانستان والعراق، فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير، النفوذ الإيراني المتزايد في العراق والدور الذي ممكن أن تلعبه في أفغانستان، الأزمة المالية والكساد الإقتصادي العالمي، رفض الشعوب الغربية للنزاعات العسكرية غير المجدية والتي أثبتت عدم جدواها، موقع إيران الستراتيجي في منطقة حساسة وساخنة وعصب إقتصادي عالمي وغيرها من الأمور التي لعبت دورا هاما وإستثنائيا في إيقاف الأمريكيين عن فكرة التوغل في الخيار العسكري ضدهم خصوصا في ظل ظروف صعبة وأزمات حادة تمر بها أمريكا ودول العالم قاطبة.
إدارة أوباما الجديدة تتسم بنضوج نسبي جعلها تنظر الى الملف النووي الإيراني بنفس النظرة الأوربية له وربما ستتعامل معه بنفس الإسلوب والستراتيجية الأوربية المتبعة سلفا. أي أن الحوار والمفاوضات والمقايضات والإستهواءات أولا ثم الضغوط والعقوبات بشتى أنواعها ودرجاتها ثانيا، وبعد إستنفاذ هاتين المرحلتين سيتم الإنتقال الى مرحلة التهديد والوعيد ثم يليها، دون شك، الفعل عندما لا تثمر كل هذه المراحل. هذا التريث في الفعل لا يعني بأي شكل من الأشكال بأن الغرب قد أسقط الخيار العسكري نهائيا أو تخلى عنه بسبب الظروف الإستثنائية التي يمر بها العالم، بل سيبقى هذا الخيار قائما ما دامت إيران تشكل هاجسا حقيقيا في صناعاتها النووية وما زال المشروع النووي العسكري الإيراني ينتظر حيزا من الوجود. ستضرب أمريكا أو على الأرجح إسرائيل إيران إن فشلت المفاوضات في تحقيق النتائج وتبيّن لها شروع إيران في مشروعها النووي العسكري أو إقترابها من صناعة القنبلة النووية على أكثر تقدير.
هنا يتساءل المحللون السياسيون ويجيبهم أهل الإختصاص العسكري حول طبيعة الرد الإيراني عندما يحصل هجوم عسكري ضد منشآتها النووية. فهل ستقف إيران مكتوفة الأيدي لعدم قدرتها على الرد إذا ما وجهت الضربة العسكرية اليها، كما فعل العراق عام 1981م حينما هاجمت إسرائيل مفاعل تموز النووي وكما فعلت سوريا أيضا، حينما ضربت إسرائيل وبغارة جوية مؤسساتها النووية، في أيلول سبتمبر عام 2007م. أم أنها سترد وتنتقم….؟. إن كان الرد هو المرجح فكيف سيكون هذا الرد وما تأثيره على القوى المهاجمة وعلى مصالح الدول الأخرى التي قد تتأثر بهذا النزاع بشكل مباشر أو غير مباشر خصوصا دول المنطقة؟ وهل ردود الفعل الإيرانية ستكون خارقة وقادرة على حسم الموقف لصالح إيران؟ وما هي نتائج وأبعاد أي ردة فعل إيرانية وتأثيراتها؟. أسئلة نحاول الإجابة عنها بالنقاط التالية :
1- إن هاجمت أمريكا إيران وأحدثت دمارا حقيقيا في منشآتها النووية وربما غير النووية أيضا، ستحاول إيران أن ترد مستخدمة كافة الوسائل المتيسرة والتي قد تكون ذات تأثيرات آنية أو مستقبلية ومنها : غلق مضيق هرمز من أجل منع تدفق النفط الخليجي وهذا ما سيسلط ضغوطا كبيرة على أسواق النفط العالمية ويرفع الأسعار الى أرقام قياسية قد تفوق الـ 300 دولار للبرميل الواحد. كما أنها قد تهاجم المؤسسات النفطية الخليجية القريبة منها خصوصا إذا ما أستخدمت أراضي تلك الدول لإنطلاق الصواريخ أو الطائرات منها. وقد تحاول أيضا مهاجمة وسائل الملاحة البحرية الأمريكية المتواجدة في الخليج.
هنا يرى المراقبون العسكريون بأن إغلاق مضيق هرمز قد لا يدوم لفترة طويلة وذلك بعدما سيتدخل الإسطول البحري العسكري الأمريكي وبموافقة دولية في فتح هذا المضيق وإتاحة الفرصة مرة أخرى للسفن التجارية وناقلات النفط بإستئناف رحلاتها. كما أن النفط الإيراني نفسه يمر من خلال هذا المضيق ولا تستطيع إيران أن توقف تصدير نفطها لفترة طويلة. أي هجوم صاروخي إيراني على المؤسسات النفطية الخليجية أو وسائل الملاحة الدولية أو الأمريكية في منطقة الخليج سيقابل برد عسكري أمريكي قاسى وشرس ومؤثر قد يستهدف الكثير من المؤسسات الإقتصادية الحيوية في العمق الإيراني، وهذا ما سيجعل الإيرانيين يفكرون مليّا قبل التوغل بهكذا سيناريو يؤلمهم أكثر مما يؤلم غيرهم.
2- قد تهاجم إيران إسرائيل بصواريخها الباليستية حتى ولو لم تشترك إسرائيل بالضربة العسكرية ضدها. إيران تمتلك مئات الوحدات من صواريخ شهاب بعيدة المدى والتي قد تغطي مساحة إسرائيل كاملة، كما أن لها أمكانية تزويد هذه الصواريخ برؤوس كيمياوية وبايولوجية وتحدث دمارا كبيرا في إسرائيل. مدى هذه الصواريخ واسع ويصل الى ما يزيد على الـ 2000 كم، أي تستطيع هذه الصواريخ أن تصل الى مفاعل إسرائيل النووي في ديمونا بسهولة.
هنا ترتفع أصابع المراقبين العسكريين مشيرة الى أن إسرائيل تمتلك منظومة متطورة من الصواريخ المضادة ” حيتس” التي يمكنها أن تعادل أكثرية الصواريخ الإيرانية المنطلقة نحوها وتبطل عملها وهي في الجو وقبل أن تصل للهدف. كما أن الصواريخ الإيرانية قد لا تكون دقيقة في إصاباتها للأهداف المطلوبة وذلك بسبب محدودية تطورها التقني فهي صواريخ لا تبلغ في تقنيتها ودقتها درجة التقنية والجودة التي تتمتع بها الصواريخ الأمريكية التي أستعملت في الحروب مؤخرا، وهذا ما يقلل من تأثيرها الستراتيجي ويشكك في نجاحها بتحقيق إصابات دقيقة للأهداف المرسومة لها. في كل الأحوال تبقى الصواريخ الإيرانية مؤثرة حينما تستهدف المدن ومراكز التجمعات السكانية أينما كانت. إستخدام إيران للسلاح البايولوجي أو الكيمياوي ضد دولة تمتلك السلاح النووي تعتبر عملية إنتحارية وغير متوازية وغير ممكنة في الحسابات العسكرية، وهذا ما يسقط أهمية إمتلاكها لمثل هذه الأسلحة ميدانيا وهي في حالة حرب مع دولة نووية.
3- ستكثف إيران دعمها وتحفيزها لقوى المقاومة ضد القوات الأمريكية والإسرائيلية أينما وجدت، فإيران تتمتع بموقع جغرافي ستراتيجي وهي على خط التماس مع المناطق الساخنة التي تكوي جنبات أمريكا وتقض مضجعها. فهي تلامس إفغانستان وتحتوي الحدود الشرقية للعراق من الرأس حتى القدم وهي جارة لباكستان ولها أنصارها هنا وهناك وخصوصا في العراق ولبنان وحتى في باكستان وإفغانستان. إذن ستدعم إيران المقاومة في أفغانستان والعراق كي تزيد في نشاطها وعملياتها ضد القوات الأمريكية المرابطة في هذين البلدين من جهة وستحث وتشجع المقاومة ضد إسرائيل سواء كان ذلك على صعيد المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية من جهة أخرى.
دون شك تحفيز المقاومة ومدها بما تحتاج اليه سيجعل مهمة الأمريكيين صعبة ومؤلمة، فالقوات الأمريكية في إرتباك دائم وفي محنة مزمنة وأي تصعيد بالموقف سيسلط ضغوطا قوية على الحالة المتردية لجنود الإحتلال وعلى معنوياتهم. كما يستطيع الإيرانيون وبشكل مباشر أو غير مباشر توجيه ضربات للمصالح الأمريكية الممتدة في سائر أنحاء العالم عن طريق المؤيدين والمتعاونين معها أو بأيادي إيرانية بحتة على غرار ما حصل في التسعينات في الأرجنتين. تأثير هذا المحور في ساحة العمليات لا يعتبر تأثيرا آنيا أو فاصلا بل يبقى تأثيرا مستقبليا، ترتفع وتنخفض درجته حسب المواقف والظروف.
لا يتوقع المراقب السياسي أن تحصل ردود فعل آنية من قبل المقاومة العربية ضد إسرائيل، فالمقاومة اللبنانية لا يمكن أن تخلق معركة جديدة مع الإسرائيليين في ظل هذه الظروف، فهي لا تزال تعاني من آثار حربها مع إسرائيل التي بدأت في شهر تموز ” يوليو” عام 2006م، رغم النجاح المعنوي الكبير الذي كسبته منها. كما أن المقاومة الفلسطينية محنطة من كل حدب وصوب وحركتها ليست عملية سهلة ومتيسرة والجراح التي حصلت نتيجة ردة الفعل الإسرائيلية القاسية ضد شعب غزة لم تندمل بعد، وهذا ما لا يجعل المراقب يتطير في حسباته وتقديراته لخشونة ردود الأفعال من قبل هذه الأطراف الصديقة لإيران والمدعومة من قبلها.
4- قد لا تنجح الهجمة العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية ضد إيران في تحقيق أهدافها بسبب عدم دقة في التصويب أو لوجود منظومة دفاع جوي إيرانية قوية تحول دول تحقيق الهدف. وهذا ما سيجعل الإيرانيين يدعون بالنصر الأكبر وتفوت الفرصة أمام المهاجمين مما يجعل القيادة السياسية الإيرانية منتصرة ومحبوبة ومرغوبة من قبل الشعب الإيراني الذي سيلتف حولها ويشيد بقوتها ونصرها بل ستكسب سمعة وإلتفاف من قبل سائر شعوب البلدان المكتوية بلهيب الغطرسة الأمريكية والإستكبار الإسرائيلي.
هنا يشك المراقبون العسكريون بحيازة إيران على منظومة دفاع جوي كفؤة بحيث تستطيع رد الإعتداءات الصاروخية المنطلقة من الطائرات أو البوارج البحرية أو القواعد الأرضية الموجهة ضد منشآتها العسكرية. إيران تمتلك نظام “تور” الروسي الذي هو أقل تقدما وفعالية من نظام ” أس300″ الذي لا يعتقد بان إيران تمتلكه لحد الآن . وهذا ما سيجعل إحتمالية فشل الحملة العسكرية على إيران أمرا لا يمكن أخذه بمحمل الجدية والإعتبار.
بعد دراسة وتحليل نتائج الأفعال وردودها بين اطراف النزاع يجد المراقب السياسي بأن إيران تستطيع أن تؤذي من يهاجمها وتحدث إرباكا عالميا يمس الإقتصاد العالمي وأسعار النفط. لكن مهما كانت المضاعفات الناتجة عن الضربة فأن الغرب يتقبلها ويحاول معالجتها إن كانت ثمنا للقنبلة النووية الإيرانية. ردود أفعال إيران على الضربة الموجهة لها ستكون محصورة على إسرائيل، على الأغلب، إن قامت إسرائيل وحدها بتوجيه هذه الضربة، وهذا ما يدفع المراقب للأوضاع أن يحتمل بأن تقوم إسرائيل وحدها بهذه المهمة كي تتجنب أمريكا وحلفاؤها ردود أفعال إيران المباشرة ضدهم.
شبكة العلمانيين العرب