ما يحدث في لبنان

عشر ساعات هزّت لبنان

null

عريب الرنتاوي

لم يكن الفوز الحاسم لحزب الله وتحالف المعارضة في المعركة على بيروت بالأمر المفاجئ، المفاجأة الأولى والأهم، كانت في سرعة هذا الحسم وتدني كلفته…أما المفاجأة الثانية فتجسدت في “الانهيار” السريع، الدراماتيكي وغير المنظم، لـ”تيار المستقبل”،
الذي تهاوى في غضون ساعات قليلة كما لو كان نمرا من ورق، وبصورة تذكّر بتساقط “قلاع محمد دحلان الأمنية” في غزة أمام حركة حماس، وفي غضون ساعات أيضا…والمفاجأة الثالثة، وردت مع الأنباء التي تحدثت عن احتمال انتقال إعلام “المستقبل” من بيروت إلى عمان أو غيرها من العواصم، لكأن “التيار” يريد أن “يهجر” لبنان ويهاجر منه، مرة والى الأبد، لكأن حدود انتشار “التيار” تتماهى مع حدود استثمار الحريري ومساحاته وليس مع حدود لبنان ومساحته.”من أول غزواته، كسر عصاته”، هذا المثل الشعبي المعروف في لبنان ينطبق على الشيخ سعد الدين الحريري، قائد هذا التيار وزعيم الأغلبية النيابية، فهذه أول مواجهة سياسية / عسكرية / أمنية يقودها الرجل على رأس “تيار المستقبل”، وتكون نتيجتها هذا الانهيار الشامل والسريع، الذي لا ينسجم أبدا مع خطابات المهرجانات المليونية وما كان يرافقها عادة من شعارات ومفردات مثقلة بالتهديد والوعيد.

ما الذي حصل؟…وأي معنى لهذه النتيجة، وأين يتجه لبنان بعد محطة السابع من أيار / مايو 2008؟!…لا ندري تماما، ولا نمتلك إجابات وافية حيال ما جرى، بيد أننا نمتلك المعرفة بما يلي:

ثبت بالملموس، أن التوسع الأفقي لتيار المستقبل، لم يرافقه بناء عامودي صلب ومنظم لقواه ومحازبيه، وثبت أن ما يشترى بالمال يباع به، أو يترك عند ناصية الطريق عند أول اختبار أو محك عملي.

ثبت بالملموس، أن لا قيمة لدعم العالم كله، إن لم يترافق مع دعم شعبي حقيقي ومنظم، وإن لم يستند إلى قيادة صلبة، كارزمية ومجربة، قريبة من شعبها، تعرف نبضه وتعيش معه وتناضل بين صفوفه.، مثلما ثبت أن الشعب اللبناني، ضاق ذرعا بالحروب الأهلية، ولم يعد يتجاوب تلقائيا مع صيحات التجييش وحفر الخنادق وبناء المتاريس.

ثبت بالملموس، أن لبنان ما زال محكوما بالمليشيات، التي طفت على السطح في غضون ساعات، وطغت صورتها على صور مختلف القوى التي نشأت وانتشرت في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية: القوات اللبنانية ظهرت على التيار العوني، وجنبلاط قاد تيار الحريري، وأمل استعادت الشوارع وغطت راياتها وأعلامها رايات حزب الله وأعلامه، وكذا الحال بالنسبة لأحزاب الحرب الأهلية الأصغر ومليشياتها التي قفزت فورا على السطح بعد أن ظننا أنها اندثرت وباتت نسيا منسيا.

ثبت بالملموس، أن قيادة الجيش وجنرالاته أكثر حكمة حنكة من جميع السياسيين المغامرين، فلو تصرفت قيادة الجيش بغير ما فعلت، أو رضخت لتعليمات القادة المليشياويين أو انصاعت وراء رغبات بعض المسئولين الحكوميين وصغائرهم، لما ظل جيش وطني موحد للبنان واللبنانيين، ولم وجدت فلول المليشيات مقرا آمنا تأوي إليه، ولما تراجعت احتمالات الحرب الأهلية كما هو حاصل اليوم.

ثبت بالملموس، أن الفلسطينيين ضاقوا ذرعا بصراعات اللبنانيين، بأكثر مما ضاق اللبنانيون ذرعا بمشاكل الفلسطينيين، لذلك آثروا الانزواء في ثياب الحياد، ولم يتصرفوا كما فعلوا في الحرب الأهلية، كمليشيا لسنة لبنان ودروزه.

ثبت بالملموس، أن “سلفي لبنان ومجاهديه” فقدوا ثقتهم بـ”الحريرية السياسية” التي تخلت عنهم في نهر البارد، بل وسهلت عمليات ملاحقتهم واستئصالهم، وعندما استنجد الحريريون بمقاتليهم من عكار وجرود الضنيّة، لم يجدوا سوى تجاوبا ضئيلا، ومن قبل عناصر تبحث عن “عمل ووظيفة” وليس من قبل “مجاهدين أشداء” مهجوسين بمقاومة التمدد الشيعي.

حقائق ومعطيات عديدة أخرى تكشفت عنها أحداث الساعات الأخيرة، من أبرزها أيضا، بؤس النظام العربي الذي عادة ما يتحرك لتطويق ذيول الأزمات بعد اندلاعها ومن دون نجاحات تذكر، على أنه لم يتحرك مرة واحدة بصورة وقائية واستباقية، كما ثبت أن ليس لدى واشنطن سوى “اسطوانة” واحدة ومشروخة، تديرها وتعيد “تدويرها”، كلما تفاقمت أزمة في المنطقة أو تصاعدت حدة الصراع على جبهة من جبهاتها المشتعلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى