دمشق مساحة التكامل والجراح بين الربيع”والإعلان”
حبيب صالح
في عودة على ذي بدأ، نجري فيها معاً مقاربة نقدية، وموائمة موضوعية هادئة لتحولين موضوعيين شكّلا أكبر العناويين في تاريخنا السياسي السوري المعاصر، الحراك الوطني السياسي، والمدني الذي سمّي “بربيع دمشق“!
ثم الإنتفاضة الثانية التي توجها الحراك الأول، فصاغت له مسودة المنطلقات النظرية بما أطلق عليه إعلان دمشق!
موضوعيا،فالوثيقة التي صاغت أفكار ورؤى إعلان دمشق استقراءً للحياة السياسية والوطنية في سورية للمرحلة القادمة، جاءت متوافقة إلى حد بعيد مع مجمل الصياغات والحوارات التي شهدتها كواليس المعارضة السورية، بعد كمون وانقطاع الزخم الذي ترجمه ربيع دمشق، وجاء ليصوغ بعضاً من روحيته والأسس النظرية التي ترجمت ذاك التحرك الشامل والعظيم، عام\2001\ وقد انتقل تكاملياً من الحركية في ربيع دمشق إلى الصياغة النظرية في إعلان دمشق، ثم الدستورية لاحقا!!
ورغم كون الحلقتين الدمشقيتين شكلتا تتاليا منهجيا ومنطقيا، ترسخ فيهما ارتباط المقدمات بالنتائج، والحراك العملي بالصياغة النظرية!
إلا أنه لابد أيضا من العودة إلى الذاكرة الوطنية، نستحضر منها، معا، ماتميزت به كلتا الحلقتين الوطنيتين السوريتين بامتياز!
ففي ربيع دمشق صدرت وثائق وتوافقات وبيانات المثقفين السوريين وبيان ال\99\ ثم بيان الألف والتوافقات الشاملة التي تلت ذلك!
وفي ربيع دمشق نشأت لجان إحياء المجتمع المدني، إحدى أهم الصياغات لإعادة تشكيل الحياة الوطنية السورية على أسس مدنية! أشك كثيراً أن إعلان دمشق وأية توافقات أخرى ماكان لها أن تظهر لولا كل ذلك الحراك والحوار الشامل والتوافقات!
في ربيع دمشق عرفت سورية لإول مرة في تاريخها المعاصر نشوء ظاهرة المنتديات السياسية، التي أدبت السياسة، وأطلقتها وكانت تنعقد في الأروقة السورية أكثر من \700\ منتدى، تمددت فوق كل بقاع الوطن!
وفي ربيع دمشق شهدت سورية مالم تشهده يوما من اعتصامات مبرمجة انتصاراً لقضايا الحرية وإطلاقاً لروحها الخلاّقة، استفادت خلالها من كل المناسبات الوطنية والأممية، من يوم الإستقلال في \17\ نيسان إلى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول لكل عام، ويوم المرأة، والأيام الثقافية الأخرى!
وفي ربيع دمشق عاشت البلاد مشهداً كارثياً مهيباً عندما ارتد النظام على أعقابه وتعهداته وهو يتسلل تحت عباءة شعار” إن الديمقراطية حق للآخرين علينا…….”، “ولاحياة في هذا القطر إلاللتقدم والإشتراكية “……”لاأريد لأحد أن يسكت عن الخطأ، أو يتستر على العيوب والنواقص!”
وجرت الإعتقالات التي أطلق عليها العالم وصفاً نبيلاً عندما سماها “ربيع دمشق” تشبهاً بربيع براغ عام \1968\، حيث شملت الإعتقالات بالذات الذين طالبوا بتجسيد وتطبيق هذه الشعارات الآنفة! وحيث دخل العالم كله إلى الحلقة السورية، انتقالاً من مواجهات تيانن مين، وسولجنتسين، ورابينوفيتش، وملاديتش وميلوسوفيتش، إلى قلب الساحة السورية!
وتلا بعد ذلك ركود مهيب، افتتنت فيه المعارضة السورية بصراع كوادرها في سباق، لاأريد وصفه، في سياق ماجرى من اللهاث نحو التحديدات والتسميات والتمايزات اللفظية والإشتقاقية والمبارزات الخطابية، فكل راح يبحث عن يافطة يرفعها ويتبرأ مما جرى، ومما وصلت إليه الأمور، ويوجه التهم “العصماء” للفصيل الآخر! مع التأكيد أن الضربات التي تلقتها المعارضة بكل فصائلها إنما جاءت من الأجهزة، ومن حسابات النظام ومعادلاته، واستباقاته!! إلا أن أساليب التهاتر، وكيل التهم، والإغراق الكارثي في مسائل التنظير وتنظير التنظير وتجريد المجرد، وترميز المرموز والمشفر، إنما استهلكت جهداً باهظاً من جهود المعارضة، وحالت بين شرائحها وبين البحث عن التكامل والتلاحم، في مواجهة قضية واحدة لاتعدو أن تكون الثبات والصمود في وجه آلة النظام الرعناء!
وجاء إعلان دمشق، ثم اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق، صحوة أكيدة، وعودة للروح والذاكرة والذات! ولاشك أن إعلان دمشق جاء بمثابة دستور وطني مكتوب! تلاه انعقاد المجلس الوطني فكان أقرب إلى اجتماع برلمان الظل، الذي جسّد إعلان دمشق، مع بضع ملاحظات أسوقها، وأنا العضو في إعلان دمشق والموقع عليه!
–إن الذين رسبوا في امتحان المجلس، وخرجوا منه، للتعويض عن السقوط، بالدعوة إلىإقامة تجمعات ومسميات قومية جديدة، وتجنيس غير المتجانس! وكأن التسميات الجديدة لن تستنسخ القديمة في “التجمع “و”الإعلان”و”الربيع”و”الإتحاد”….والوليد الوطني قد تكوّن في رحم الوطن والمستقبل، وبقيت الحاجة للأسماء والمسميات، فقط!!! عبثاً يريدون البقاء بشخوصهم بعد أن استهلكتهم ذرائعية وانحطاط الناتج السياسي لمسيرتهم الحزبية! وثانيهم أولئك الذين جاؤوا عبر برلمان النظام! ولم يتعدّ عمرهم المعارض سياسياً عام \2000\ بعد أن أمضوا فترتين برلمانيتين داخل كل أطر النظام وصناعاته، وبدون أية إسهامات مكتوبة أو فاعلة، ولا أعرف سوى أن الأجهزة أمعنت في أخطائها وممارساتها،فقامت بسجن بعض هؤلاء، فصنعت منهم ضحايا وفرساناً في ساحات الوغى بعد أن ظلوا طوال عمرهم بلا ساحات، في أحضان الغانيات من كل الجنسيات!! وبعد أن رسبوا في امتحان الشراكات الإقتصادية مع فرسان النظام السياسيون والماليون! فجاؤوا إلى المعارضة يناكفون ويصرخون تعويضاً لتسويق أنفسهم!
وما فعلته الأجهزة، فعله الإعلام الأميريكي… في صناعة فرسان الدونكيشوت من كثبان السراب، والآمال المستنفذة!!
وجاء اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق، الذي قلنا أنه كان خطوة ميمونة ومباركة! ولكنَّ!! السؤال الوطني حقاً والإشكالي فعلاً هو:
1. من الذي اختار وسمّى وحدّد شخوص الحضور وخلفياتهم!! وهل كانت هناك أسس اعتمدت على هذا الصعيد، كما ينبغي أن يسلكه كل عمل وطني معارض!
2. من كان صاحب الحق في أن يوجه الدعوة “لبعضهن”، “فيترفعن” في قبول الدعوة “ويتعالين”، جزعاً ورفضاً!!!
وأسأل:
3. هل كان حضور \163\ في اجتماع المجلس الوطني يغطي امتداد ساحة الوطن، وشرائح المعارضة بكل أطيافها!؟ بالتأكيد كلا! وهذا ماجعل التمثيل مجتزأً باهتاً، مختزلاً، جيئ خلاله بأناس لاعلاقة لهم بالعمل الوطني المعارض وجاؤوا بدون تاريخ أو أفق! وبعضهم تسرب من مقاهي دمشق ودهاليز العلاقات العشائرية والشخصية، فلم يكن لهم لون أو رائحة! والمواصفات والمسميات الليبرالية التي أطلقت على المجلس الوطني جاءت فضفاضة جداً، كما أن توجيه التهم بالعمالة أوالغمز بها تجاه المجلس الوطني لإعلان دمشق هو عيب فاضح ووقاحة فجة، وخدمة رخيصة للنظام، الأقرب إلىالأميركيين من إعلان دمشق وغيره!! ومثل هذا الهجوم على مناضل كبير كرياض الترك،إنما يطعن الذاكرة الوطنية،ويمعن في سوق المعارضه إلى الإنتحار الذاتي،ويستهلك الإحترام والتعاطف الشعبي معها!!
4. هل كانت العلاقات الشخصية هي عنصر الترجيح في توجيه الدعوات! أم أنها كانت خلفيات أخرى لايعصم منها إلافكر مستنير، وإيمان وطني جليل! أشك كثيراً أنه توفر لدى الذين وجهوا الدعوات أو وضعوا منهجاً للإختيار المضبوط بالقواعد الوطنية، والممسوك بسلوك وآليات العمل المبدأي!!
5. لابد أن أعطي لنفسي فرصة التقاط الأنفاس لإقول: أنني أقمت أول منتدى سياسي في إطار ربيع دمشق وهو “منتدى طرطوس للحوار الوطني الديمقراطي” الذي عقد لقاءاته كلها في بيتي! ولا بد أن أذكر أنني أنزلت أكثر من خمسمائة مساهمة مكتوبة منها ماهو ضد الأجهزة،ومنها ما هو نظري ساهم كغيره في صياغات وتوافقات وطنية! ولا بد أن نتحدث عن تضحياتنا وتبرعاتنا للعمل القومي من أطفال العراق إلى أطفال فلسطين! إلى أغلى ثمن دفعناه بخروجنا على شرعة الطائفة “العلية”، إلى آفاق ورحاب العمل الوطني! ولكل منا قضية جاء على متنها، ومركبا استواه، وحليباً رضعه، وكتاباً تأبطه!
6. ولابد أن أذكرأنني كنت واحدأً من العشرة الذين سمّوا “بالأفاضل” في إعتقال ربيع دمشق!!
ورغم ذلك يصر بعض من صغروا على مقاسات الوطن وهزموا صامتين وانكفأوا مرتعشين!! وعندما جاءت قائمة المدعوين إلى مجلس إعلان دمشق كانوا على رأس قائمة الحضور وظل غيرهم مغتصباً مقصياً!! هل كل ماجرى كان صحيحاً! هل كل ماجرى كان وطنياً!؟ هل هناك همسة عابثة أم فرصة لنقد الذات! أم أن المسعورين سيحولون دون ذلك!!!
ماأعرفه، وما سأكتبه سيكون طويلا، طويلاً!!
عندها سنرى ماينفع المعارضة، وما يذهب جفاءً إلى مواقع النسيان والإنكفاء!!
الحرية لسجناء إعلان دمشق ولمن تبقى من ربيع دمشق: الدكتور عارف دليلة، وكمال اللبواني، وسجناء الضمير: ميشيل كيلو وفائق الميرومحمود عيسى وانور البني ولغيرهم جميعاً!
حبيب صالح
ايلاف