أساطير البؤس العربي والموقف من إعلان دمشق
فلورنس غزلان
يعم الجفاف ، ينتشر الجراد وتتكاثر الجرذان، حين يزداد الفقر والبؤس وتصبح الفاقة سيدة الموقف، الفاقة هنا متنوعة ومتباينة في أشكالها وصورها، كما في منابعها وخصائصها فردية كانت أم جماعية.. بؤسنا العربي مخيف وينذر بعاقبة يمكنها أن تطيح بالآمال وتدفن الأحلام في بئر عميقة لا قرار لها،
إن لم نعِِ فعلا دورنا كمثقفين ومسؤوليتنا كسياسيين والأهم منها دور الإعلاميين فينا…وصمتهم وعماهم ، حيث تطغى مصالحهم الفردية فيسعون لإيجاد مبررات لانحيازاتهم أو لغرقهم في بحور الظلامية والجور ، خاصة حينما يتعلق الأمر بزملاء مهنة ..و الأهم عندما يرون النار تدب في هشيم الوطن الجاف وقحطه طويل الأمد ويصابون بالخرس…بؤسنا غريب …يصل إلى حد أسطوري ونادر..تعاستنا بكم أيضا موجعة لحدود الصراخ…وبعضكم نيام هجوع كتنابلة السلطان ــ بل صورة عنهم ــ وكي لا نعمم ، نستثني شرفاء القلم والوجدان العربي من كتاب يناهضون الاستبداد ويدافعون عن حقوق المواطن السوري عن حقه في وطنية غير مؤممة، واحترام لرأيه في التعبير واختيار الطريق الفكري ، الذي يرضاه ويؤمن به دون إملاء أو تحوير أو احتكار، ومن هنا لا أغفل ولا أنكر ما قام به قلائل أخص منهم( الياس خوري، عباس بيضون، ونهلا الشهال) ، وبالطبع الكثير من الكتاب السوريين ــ وهذا أمر طبيعي .
* ــ بؤسنا الاجتماعي وتراجعنا وتقهقرنا في مفاهيم التقدم والحضارة، تنوء تحت ثقله المرأة أولا ــ لأنها الحامل الأساس للأسرة والمتأثر الأكبر في هذا التراجع وما يتعلق بها من قوانين تحط من قيمتها الإنسانية ومساواتها بالمواطنة مع الرجل …علما أن القوانين المرعية تخسف المواطن ككل وتجعل منه رعية ـ… ــ تليها الطفولة نتيجة لضعف الرعاية وتراجع العملية التربوية والقدرة الشرائية للأسرة ، التي تدفع بصغارها لسوق العمل مبكرا مما تزداد حياله نسبة التسرب من المدرسة…الخ ثم المجتمع بعلاقاته وكل ما يظهر على سطحه اليوم من تشوهات ( طائفية، عشائرية وقبائلية، عرقية واثنية…الخ) تقضم أطرافه وتنهش جسده وتنخر عظام هيكله…لتحيله إن لم تستيقظ ضمائركم ..إلى خراب ودمار وفوضى، وهذا ما تسعى إليه أنظمة الاستبداد والديكتاتوريات القائمة، التي يصفق بعضكم ولو خفية أو غمزاً لها باعتبارها ممانعة ممتنعة …مع أنها راغبة حتى النخاع!.
· ــ بؤسنا الثقافي، أنتم الأدرى بانحطاطه والمساهمين به أيضاً…والعاملين على تكريس أمراضه وتثخين جراحه بانبطاحكم وممالأتكم ، إما رعباً وجبناً أو انحدارا ثقافيا وخُلقياً، وبعضكم يخترع لنفسه فلسفات قتلها الزمن وأيديولوجيات لا تساير الحاضر ولا تنتج ثمارا حيال معطيات الأحداث وتسارعها، ولا تعتبر من الأوليات في العمل الثقافي والسياسي معاً…كما يمكنها أن تساهم عن غفلة وقصر نظر في إحباط عملية التغيير وتكريس الأنظمة الشمولية، وتعمل على منح الاستبداد هوية وطنية ومصلحة مشتركة معكم في ضرب القوى الحية النشيطة والوطنية الصادقة ابنة الأرض والانتماء والهدف ، فتأتي لغتكم الخشبية وتبريراتكم الوهمية واستنباطاتها الهلامية لتعمل على تفتيت وحدة الصف الوطني والتشكيك برموز نعتبرها إحدى ركائزنا الهامة والأساسية في تثبيت أقدامنا فوق أرض صلبة ، وانطلاقنا نحو تغيير اخترناه تدريجيا وسلميا وداخليا، يقوم بأيدي أبناء الوطن وعلى كواهلهم ومن خلالهم وأنتم شركاء فيه …هذا لو خرجت تلك الفئة المنتفعة الضالة المضلِلَة من شرنقة الذل والانبطاح ، شرنقة الأيديولوجيات التي تقوض بدلا من أن تبني …ونحن اليوم على أعتاب محاولة نعول عليها ، اسمها( إعلان دمشق)…محاولة ربما تحمل الكثير من الاختلاف ( أيدولوجياً)، وربما للبعض منكم ملاحظاته الفكرية عليها…لكنها بدأت توافقية ملونة الأطياف وسارت على هذا المنوال.
فلماذا لا تكتفون بأحزابكم لطرح أيديولوجياتكم؟ ولماذا لا تكتفون بنظرياتكم الفكرية وبنفس الوقت تحافظون على هذا الإطار، الذي جمعنا ونريد له الاستمرار ومن خلاله يمكنكم تفعيله وتطويره ، يمكنكم جعله نموذجيا…أما أن يمسك يسراويون فؤوسهم الأيديولوجية ويعملون تكسيرا وتحطيما في هذه المحاولة فهو البؤس الثقافي والله …منتهى البؤس!!!…و أن يرفع بينكم قوميون راية الوحدة العربية…راية التحرير وشعارات الصمود بوجه المخططات الإمبريالية!…وكأنه منوط بالإعلان أن يحمل كل أحلامكم وكل طموحاتكم وكل أيديولوجياتكم وأن يحبط بسيفه الباتر مخططات أمريكا وأن يعيد الجولان ويحرر فلسطين…. بؤس آخر أيضاً بل هروب للأمام!…
مَن في الإعلان من أي طرف كان، ومهما أطلقتم عليه من تسميات ليبرالية ، إسلامية أم ماركسية.. ـــ ( وكأن الليبرالية شر مطلق وهي التي حررتكم من الاستعمار، بينما دعاة القومية هم الذين خسروا الأرض ووضعوا رؤوسنا في وحل العار أذلاء بين دول العالم، وهم من كرس الديكتاتوريات ) ــ مَن في الإعلان وقف مع الاحتلال؟ .
مَن مِن الإعلان هادن النظم الشمولية؟ مَن مِن الإعلان رفض أو يرفض تحرير الجولان ولا يعتبره غاية ويسعى من أجل عودته لسورية الأم؟.
مَن مِن أهل الإعلان يريد الاستعانة بالغريب للتغيير؟..ألم يكتب بعضكم ويشارك في البيان الختامي؟ ألم يشارك العديد منكم في برامج المجلس الوطني والإعداد له؟.
لماذا لم تسجلوا اعتراضاتكم قبل انعقاد المجلس؟ لماذا جاءت الاعتراضات والانسحابات أو التجميد بعد النتائج؟ …لماذا تنشر المباديء بعد انعقاد المجلس لا قبله؟ .
لماذا تخرج أصوات الحشرجة النابعة من حقد أيديولوجي أومن غايات شخصية كانت تطمح المشاركة وتذييل اسمها في صفحات الإعلان ….أو لأن بينها وبين رموز من الإعلان خلاف شخصي ، أو لمواقف سابقة تخفي تحت ظلالها نرجسية بغيضة
كيف يمكن للناس البسطاء أن يثقوا بكم؟ كيف يمكن أن يعتبركم ابن الشارع العادي (طليعة مثقفة)! وتطلقون هذه التسمية على أنفسكم وتبجلونها منتفخين ومنافحين بما لا نصيب لكم فيه ولا فخر تحرزونه …وتطلقون على أنفسكم أنكم ( رجال فكر وثقافة )!…من يحمل فكرا ما، يجد له أتباعا وموالين ، أو من يؤمن بطريقته ومدرسته ويسير على نهجه..أسأل دعاة ومفخرة أنفسهم :ــ….كم من الأتباع يسير في معيته لو صاح بالناس؟ …وكم من التلاميذ ينضم لمدرسته الفكرية، أو لخطه السياسي ومتاجرته في حقوق الإنسان؟
لكنه ….البؤس…..بؤسكم الفكري والثقافي، وبؤسنا فيكم.
فليتوقف( العلاكون) ــ عفوا لم أجد كلمة أخرى أكثر تناسباً مع أصحابها ــ عن مضغ ألسنتهم والتطاول على قطوف حامضة لا يمكن لسفسفاتهم المغرضة وأحاجيهم الباهتة أن تمسها…
.ليتوقف صيادي الماء العكر عن الاصطياد وهم الغرقى في معمعات الدجل والتلفيق، وإن كان يجهل البعض تاريخهم، ويمكن لدجلهم الأيديولوجي أو المصلحي والجبان أن يلقى بعض النجاح فالبعض الآخر يعي تماماً أغراضهم وله خبرة طويلة معهم.. قسم آخر يهوى كيل التهم ، أو الغمز من هذا الرمز ومن ذاك الموقف …ممن يملك الجرأة أن يتخذ موقفا …من يملك الجرأة ليقول الحق حتى بوجه أهل الباطل …لكنه لا يغفل الباطل ولا يغفل حق الوطن والمواطن، ولا يكيل بمكيالين ، لا يعرف التلوين فكفوا أذاكم …أو اصمتوا…فالصمت خير ومنفعة لحناجركم التي أكلها الصدأ ولا تصرخ إلا في المآتم ……
بؤس وأيما بؤس…حين يصدر من مناهضي العولمة ومنظريها….دون أن يرف لهم جفن …ولا يجدون حرجاً في تلقي العلاج من خزينة دولة إمبريالية( أم أن فرنسا دولة غير إمبريالية؟)…ولمدة ليست بالقصيرة ولمنافع عديدة وزيارات متتالية تقدر بمئات الآلاف من اليورو…لكنهم يوجهون خناجرهم لمانديلا سوريا، الذي رفض رفضا قاطعا العلاج على حساب الدولة الفرنسية في آخر زيارة له ، وقام رفاقه بالتكفل والتبرع بنفقات العلاج….هذا هو رياض الترك، الذي توجه له خناجر التشكيك…ممن يعجز عن الوصول لقامته …. على مبدأ…..( هذا حامض رأيته في حلبِ…)، ناهيك عن التجارة الرابحة القادمة على جناح الريح الحقوقية من خلال القنوات الفضائية!!! لحقوق هذا الصحفي المتهم …وذاك …الخاضع للإقامة الجبرية… وحين تنضب القضايا …يجدون في فلسطين ولبنان لهم قضية …فعالمنا العربي ولله الحمد يعج بالقضايا التي يعرف تجارها من أين تؤكل الكتف الإنسانية!!.
* ـــ بؤسنا الاقتصادي…، والذي تقشعر له أبدان الضحايا فقط..حين يباتون جوعى..أما بعض المنافحين من الطليعيين!، فلم أقرأ لهم دراسة أو جردة حساب مع الفقر في منطقة من مناطق سورية، ولم تتحدث قفزاتهم البهلوانية عن قرية على ضفاف الفرات أو اليرموك…وكيف يعيش فلاحيها، ولم تقع عيني يوما على مسودة لموقف شهم من مواقفهم الوطنية المشرفة لإنصاف المرأة السورية في قضايا تتعلق بحياتها اليومية والاجتماعية وتردي أوضاعها الاقتصادية والقانونية….لم يكتب المنظرون عن أطفال الصفيح وأحياء البؤس في المحافظات وأحزمة المدن…ولا عن أبناء الشوارع وازدياد أعدادهم…لم يكتب تجار الحل( الاقتصادي أولا) عن مشاريع ومقترحات وحلول للبطالة ولا عن أحوال العمال ولا عن أوضاع النقابات…ولا عن بيع القطاع العام…ولا عن منتجاته الرديئة وخرابه بفضل سوء الإدارة وسياسة الفساد والنهب …كم عدد المثقفين الذين تناولوا شريحة من شرائح المجتمع وأوضاعه المعيشية؟ …لقد غرق معظمكم في التنظير عن الصراع الطبقي وعن أقوال ماركس في الفترة الفلانية وقراءاتكم لانجلز في الحقبة تلك وتلك…وعن مناهضة العولمة …وفي الوقت نفسه يطرحون الحوار مع السلطة ويتعلمون دروسا من ( الجبهة الوطنية التقدمية )،
ويريدوننا أن نقتفي آثارهم!
اذهبوا للسلطة وحاوروها، فمن يقف لكم في الطريق؟ ، لكن هل تحاوركم السلطة وتعترف بكم ؟ ..رغم كل ما تبدونه حيالها من مرونة وممالأة…هل تعتز بكم وبأدواركم النضالية المشرفة في مقارعة أمريكا ومخططاتها؟…لم تقولوا لنا ما هي هذه المخططات وأين هي مسوداتها، وكيف اكتشفتموها لوحدكم ومن أطلعكم عليها؟..ألا تلتقي هذه المخططات مع مسيرة الاستبداد وتاريخه في خدمتها؟ أليست من مخططات الاستبداد وأمريكا قتال الجيش السوري في حفر الباطن؟ …ألا تسعى سورية لكسب الود الأمريكي وتحلم به ؟ …لكن النظام يحمل كل المؤهلات وكل البطاقات التي تسمح له بفتح الحوارات والمفاوضات حتى على جثثكم…لكن النظام يملككم ويملك احتكار السياسة والثقافة والحياة برمتها…لأنه السيد المطلق وعلى الجميع الاعتراف له بهذا..ومن اعترض ومن خالف هم أولئك الذين يدفعون اليوم ثمن حريتكم في سجونه
هم عارف دليلة ..الوحيد الذي رفع يده منددا بالفساد ومبرزا دوره في خراب الوطن…وميشيل كيلو ..وأنور وأكرم البني وفائق المير وكل معتقلي إعلان دمشق وربيعه وعلى رأسهم وردتنا العظيمة فداء.
قفوا تحية لهم ..قفوا تحية لتضحياتهم في الوقت الذي تتذللون وتنبطحون فيه لسجانيهم…انظروا مرة واحدة في مرآة أنفسكم وبعدها قيموا مواقفكم.
ـ باريس 20/01/2008
خاص – صفحات سورية –