صفحات الحوار

حوار سابق مع أكرم البني

null

حاوره: خالد الاختيار

السيد “أكرم البني” ….. بداية هناك الكثير من التحليل و التنظير الذي يقترح الحوار سبيلا شبه أوحد على طريق الوصول إلى حل أزمات البلد العالقة , كيف ينظر “إعلان دمشق” إلى هذه الدعوات , خاصة و أن رموزه ما انفكوا يؤكدون في كل المناسبات على مبدأ “القطيعة” مع النظام و التي يقوم هذا “الإعلان” برأيهم على أساسها , ألا تتحملون برأيكم جزء من مسؤولية هذا الشرخ الحاصل في التعاطي السياسي اليوم في البلد ؟

إن جسر الشرخ هو مسؤولية السلطة و ليس مسؤولية الموقف المعارض , المعارضة بالأساس خلصت إلى موقف المقاطعة بعد تجريب طويل لوعود الإصلاح و التغيير المتعلقة بإيجاد المناخات التي من الممكن أن تخلق تفاعلا داخليا بين كافة القوى و الفاعليات السورية و عادت من ذلك بخفي حنين , فقد كان هناك انغلاق من قبل السلطات فيما يتعلق بالتعاطي مع عدد كبير من المطالب المهمة و الملحة في مجال الحياة الديموقراطية التي طرحتها المعارضة, و بالتالي المسؤولية الأساسية تقع على عاتق السلطة.

و أؤكد لك هنا أنه بغض النظر إن كانت المعارضة تطرح المقاطعة أم كانت تطرح الإصلاح من خلال إشراك جزء من فعاليات السلطة نفسها في عملية التغيير؛ فإن قضية العلاقة بين الأطراف تبقى رهنا بمسلكية هذه الأطراف تجاه بعضها بعضا , ففي حال أقدمت السلطات مثلا على القيام بانفتاح أو إصدار قانون أحزاب مرضي يضمن حق النشاط و العمل السياسي للقوى المعارضة و كان هناك مزيد من هوامش العمل و الحرية و النشاط الصحفي ؛ فإن تعديلات جديدة ستجري على مواقف المعارضة نفسها التي كانت تدعو فيما مضى إلى قطيعة كاملة مع النظام – و ربما كانت تدعو إلى اكثر من ذلك – و هي بالتأكيد ستعيد النظر في مواقفها و تتعاطى مع الجديد الذي قام به النظام بوصفه الطرف الرئيسي المقرر الآن من حيث مستقبل الحياة السياسية في سوريا.

و المعارضة كانت قد طرحت منذ فترة طويلة موضوع مؤتمر وطني عام يضع ويرسم برنامجا لإنقاذ سوريا من المأزق الذي تمر فيه البلاد , فهذا الموضوع الحقيقة برأيي بسيط و المسؤولية و المبادرة بيد السلطة لأخذ أي إجراءات جديدة قد يترتب عليها بالتالي مواقف بتقديري جديدة من قبل المعارضة.

ولكن ألا يضع هذا الأمر الطرف المعارض دائما في خانة رد الفعل , و بالتالي يجعله محكوما بالمساحة و التوقيت اللذين تفرضهما السلطة ؟

ذلك يرجع إلى أن المعارضة هي الطرف الضعيف , و الطرف الأقوى هو السلطة , و المعارضة غير قادرة على المبادرة إلا اضمن حدود و مستوى محدد من النشاطات بغرض إظهار رؤيتها في المستوى السياسي و الإعلامي , و لإظهار تعاطيها مع مصالح المجتمع السوري كما تراها في إطار عملية التغيير الديموقراطي.

لنفرض مثلا أنه جرت بشكل معاكس ردة أمنية – أكثر مما نعيشه نحن الآن – و حصلت تضييقات أشد , عندها ستنكفئ المعارضة بالضرورة , و ستتعاطى مع الهوامش القائمة و تحاول أن توسعها و تبادر , إنما ضمن قواها و ضمن إمكاناتها , لكنها في النهاية طرف لا يزال ضعيفا في اللوحة السياسية.

ما هي أبرز نشاطات “الإعلان” الميدانية في الشارع السوري منذ إنشائه و حتى الآن , و ما مدى تفاعل الناس معها على الأرض , و هل يرى الإعلان في هذا النوع من النشاطات فرصة للضغط على النظام أم أنه ببساطة يسعى لتجنبها في الوقت الراهن تجنبا لأي صدام مباشر معه ؟

لا أستطيع أن ابحث في الأسباب التي كانت الدافع وراء بعض الأنشطة التي مورست في سوريا خلال العام و نصف العام الماضي , لكنني أجد أن المعارضة بصورة أو بأخرى استطاعت كبداية أن تشكل نقطة علام في البلد فيما يتعلق بالتركيز على أولوية ومركزية الهم الديموقراطي , هذه مسألة أساسية , و هي حاولت نشر هذا الأمر في أوساط عديدة لنقل أنها مازالت أوساط و دوائر النخبة و ما حولها .

لم يكن هناك حتى الآن مستوى من التماس مع الشارع الأوسع , أو مستوى من التعاطي مع فئات اجتماعية و مهنية يمكن أن يكون لها مصلحة في عملية التغيير الديموقراطي , نعم مازال هناك قصور , و إن كان هذا القصور ذا سبب ذاتي في بعض وجوهه لكن السبب الأساسي هو موضوعي.

المناخات لا تسمح بنشاط المعارضة , هناك إغلاق لمنتديات و منع سهرات حوارية , أو متابعات معينة لبعض النشطاء يمكن أن تضيق على دورهم و فاعليتهم في التواصل مع الناس , نعم على الأرض أجد أن الحصاد ضعيف و لم يكن كما ترجو في الأساس قوى التغيير الديموقراطي في البلد فيما يتعلق بتواصلها مع الناس , و تطوير أنشطتها و ما يمكن أن أسميه الأدوات التي يمكن أن تسمع صوتها للناس , بما فيها العمل الميداني الجماهيري و العمل الإعلامي

ألا تعتقد أن استنكاف المعارضة في “الإعلان” عن الاشتراك في الانتخابات هو في النهاية إجراء وقائي نابع عن الرغبة في عدم التسبب في إحراج ذاتي لأطراف المعارضة نفسها , بالنظر إلى أنها تفتقد للبعد التمثيلي الشعبي بين الناس في الشارع , و هل هناك عمليا أية أفكار لأي استثمار سياسي حقيقي من قبل المعارضة لهذه المقاطعة ؟

بعض المحللين قد يدفعون في هذا الاتجاه, لكني أقول إن الجواب العملي عليه هو أنه طالما هناك شعور أن هذه القوى هي ضعيفة و قدرتها على التأثير في البشر محدودة فلماذا لا يتركوها لتجرب ؟ لماذا هذا التضييق ؟

و آخر مثال على ذلك ؛ ما كان في يوم إعلان حالة الطوارئ حينما قررت المعارضة أو “إعلان دمشق” القيام باعتصام رمزي أمام قصر العدل في 11 من شهر آذار الحالي , فتمت محاصرته فورا , و اعتقل من كان قد بدأ بالمشاركة فيه , و قس على ذلك حالات عديدة .

إذا هناك شعور أن هذه المعارضة ليست بذات وزن و أن وشائج علاقتها بالناس لازالت ضعيفة فلتترك إذا لتثبت أنها تملك “هذا الوزن” , أما أن تجري محاصرتها و من ثم تحميلها هذه المسؤولية فهذا برأيي فيه ظلم.

هل يملك إعلان دمشق _ ضمن مفهومه للمعارضة_ أي اعتبار للفرق في الخطاب و الأداء بين معارضة الحكومة ومعارضة النظام , و هل لديه خطة عمل مرحلية تلحظ هذا الجانب و إن تكتيكيا ؟

إذا كان القصد من السؤال هو التمييز بين السلطة صاحبة القرار الفعلي و بين الحكومة بوصفها مؤسسة من مؤسسات هذه السلطة تدير مستوى من العمل ضمن برنامج محدد ؛ فالجواب هو أني أعتبر سواء من وجهة نظري الشخصية و ما ألمسه من آليات التفكير لدى العديد من المعارضين السوريين ؛ أن المسافة محدودة جدا , و لا يمكن التعويل عليها , و أن هامش حركتها و فق طبيعة العلاقات المؤسساتية الموجودة ضمن أطر الدستور وما يترتب عليها من نتائج ؛ هامش ضعيف , و بالتالي أي معارضة للحكومة هي معارضة للسلطة و بالعكس.

هل هذا يعني أن المعارضة غير معنية بتوسيع هذا الهامش في الوقت الحاضر ؟

إن فصل السلطات هو أحد الشعارات الرئيسية في “إعلان دمشق” الذي يطالب بإعادة النظر في بنود معينة من الدستور , وقد طرحت المعارضة العديد من الأسئلة فيما يتعلق بدرجة تأثير السلطات التنفيذية على المواقع الأخرى , و علاقة الحزب الحاكم بإدارة الدولة و بمدى نفوذه في المواقع التي يمكن أن تكون متمايزة في المؤسسة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية , نعم إن المعارضة تطرح فكرة واضحة هي فصل السلطات , و إعادة النظر في موضوع تفرد حزب واحد أو حزب حاكم في إدارة البلاد , و لكنها في نهاية المطاف عاجزة عن توسيع هذا الفارق و المسافة طالما أن هذا قائم بالصيغ الدستورية و بآلية العمل اليومي , و عجزها هذا ليس عجزا ذاتيا لأنها تعيش في ظروف لا يسمح لها لا بدفع مواقفها إلى الأمام , و لا “بتثقيل” هذه المواقف شعبيا , و لا بإمكانية متابعتها إعلاميا , كي تتمكن من خلق مناخات توصل إلى تعديلات ما في علاقة السلطة مع مؤسسات الدولة , فالشروط الموضوعية لحركة المعارضة لا تسمح لها بمثل هذا الدور أبدا.

ما هو شكل العلاقة بين المعارضة داخل “إعلان دمشق” و أطراف المعارضة الأخرى التي رفضت الانضواء تحت لوائه في الداخل السوري و في المغترب أو تلك التي جمدت بطريقة ما نشاطها فيه , و كذلك التي انسحبت منه نهائيا ؟

هذا السؤال هو رهن بأناس هم على إطلاع على القوى التي دخلت “الإعلان” و القوى التي لازالت خارجه أو التي خرجت منه من بعض التنظيمات الصغيرة , أما أنا فليس لدي معلومات حول هذا الأمر.

هل يشكل “الإعلان” برأيك بطريقة ما _ كونه في الواجهة _ احتكارا للعمل المعارضاتي بالطريقة نفسها تماما التي تشكل فيها الجبهة الوطنية التقدمية و حزب البعث احتكارا للحكم و السلطة ؟

لا اعتقد ذلك , إن “إعلان دمشق” كما أراه من زاوية روحيته يترك مجالا لإنماء الحالات التي يمكن أن تكون على مسافة منه داخل البلاد فيما يتعلق بدورها بعملية التغيير الديموقراطي , و هو يحترم هذا التنوع حتى في داخله , و لكن قد يحصل أن يكون رموز المعارضة القدامى لا زالوا هم المعنيين بالعمل لأسباب متعلقة بالظروف الموضوعية أكثر منه برغبتهم هم بأن يستمروا في إعادة إنتاج المسألة بما يشبه الحاصل مع النظام , أو أنهم يريدون أن يستمروا في الاستئثار بقيادة المعارضة , أنا أجد أن العامل الذاتي حاضر لكنه ليس هو الأقوى , العامل الموضوعي هو الأقوى , و في حال توفرت مناخات من الحرية و فسحة من حق النشاط السياسي و العمل و التعبئة يمكن بالتالي أن تكون الأمور على غير هذه الصورة.

عرّف بعض من سئل دور “إعلان دمشق” بأنه ” دور مؤقت لفترة زمنية محددة يحافظ خلالها على الترابط الاجتماعي و السياسي و حماية النسيج الوطني من الخراب , و بالتالي صياغة عقد اجتماعي مكتوب و شفهي بين مكونات المجتمع كافة … “

برأيكم (ما) أو(من) هو الذي يهدد النسيج الوطني بالخراب , و ما هي الآليات التي يعتقد الإعلان انه يمتلكها و تخوله القيام بحراسة هذا “النسيج” كما عبرتم عنه ؟

يوجد عوامل متعددة يمكن أن تكون مهددة للنسيج السوري , بعضها قديم \ جديد كالسياسات الداخلية , و طريقة إدارة العلاقة بين السلطة و المجتمع , و ظواهر التفرد و القمع و التمييز , و عدم حل عدد من المشاكل الحيوية جدا مثل قضية المواطنة للأكراد , و قضية عدم وجود قانون للأحزاب , و قضايا الحريات , و الفساد ومدى انتشاره , و ما يترتب عليه من خلق تمايزات بين فئات المجتمع و قواه.

و المسألة الإضافية الآن و التي يمكن أن تكون أكثر راهنية ؛ هي ما يجري في بلدان الجوار من اندفاع نحو ملاذات متخلفة يمكن أن تشكل مباشرة أو بشكل غير مباشر تهديدا ما , و أن تترك تأثيرها على المجتمع السوري , كالحاصل في العراق أو لبنان , و الأفق السلبي الذي قد تتخذه بعض جوانب هذا الصراع , كل هذا يمكن أن يترتب عليه نتائج تهدد هذا النسيج و استمراريته , و يمكننا أن نقول بالمعنى الشخصي أننا لا نريد أن يندفع مجتمعنا نحو واقع اكثر تفككا , و بالتالي أكثر توترا و تهديدا لمستقبل الحياة السياسية في سوريا , أو أن ينساق باتجاه ملاذات خاطئة طائفية كانت أم قومية , و ما تجده المعارضة الآن كحل هو حقيقة الحل الديموقراطي , على أرضية بناء دولة ديموقراطية , و ليس على أرضية الديموقراطية بصورة عامة.

دولة ديموقراطية تعني دولة مواطنة , تضمن حقوق المواطنين و المساواة بينهم دون تمييز , سواء على أساس الجنس أو الدين أو الاثنية أو القومية , و هذا هو ما يمكن أن يعزز بناء “النسيج” , و ليس عملية “بناء الوحدة الوطنية” من خلال الأفق الذي رسم خلال سنوات , أفق الضبط الأمني أو الضبط السياسي , المعارضة عندما طرحت هذا الموضوع طرحته مدخلا لتقوية الوحدة الوطنية , و تقوية بناء و تفاعل النسيج السوري من خلال عملية التغيير الديموقراطي التي تضمن الحقوق المتساوية لكل هذه الفئات التي تعيش في سوريا , و احترام تعدديتها و تنوعها ضمن الوطن الواحد.

كيف تنون القيام بصياغة هذا العقد بين المكونات المجتمعية السورية – كافة كما أسلفتم – و ذلك على الرغم من مقاطعتكم المبرمة للفئات الموجودة داخل النظام , و التي هي في النهاية حسب تعريفكم تقع على نحو ما ضمن هذه المكونات , أم أنكم تستثنونها من هذا العقد ؟

لا … لا … فحتى ضمن “إعلان دمشق” – و أنا أجيب هنا من وجهة نظري الشخصية- لم يستثني مشاركة جزء مهم من المشاركين في السلطة أو الموجودين في حزب البعث , وهم جزء من النسيج الوطني السوري , و بالتالي يمكن لأي عقد اجتماعي أن يكون مفتوحا على جميع الفعاليات و الناس الذين يعيشون في هذا البلد بدون أي استثناء.

إن الأساس الفكري لهذا العقد هو إرساء قواعد للعمل الديموقراطي , ولعلاقة المجتمع ببعضه بعضا , و لعلاقة المجتمع بالدولة و السلطة , هذا هو جوهر العقد , و في التفصيلات اجتهادات عديدة من عدد من الباحثين بمن فيهم محامون من سوريا عملوا على إعداد مشاريع للدستور , حيث يرون أن العقد الاجتماعي هو الدستور نفسه.

نعم تم طرح مشاريع مستقبلية في قضايا هي الآن إشكالية , و يعاد النظر فيها من خلال السجالات و الحوارات, سواء فيما يتعلق بالوضع الكردي , أو ما يتعلق بالعلاقة بين الطوائف , أو مسألة الأحزاب , فالقضايا التي تطرحها المعارضة هي لتأسيس “مناخ” – كما احب أن أسميه – حيث يتاح المجال لكل الراغبين بالمشاركة من القيام بذلك , و إعادة صياغة العقد الاجتماعي على خلفية احترام الآخر و حقه في إدارة بلاده إذا كان يتمتع بالكفاءة و المسؤولية , من دون وضع فيتو على أي طرف, و ذلك بدلا عن قواعد سابقة ترعاها الآن الفردية و أساليب من التدخل التنفيذي , و حالة من الوصاية على المجتمع و البلد.

هذه القضايا في حال تم تجاوزها يمكن أن تخلق فعاليات هائلة , و أنا لدي ثقة بالطاقات و الكفاءات السورية , و بأنها ستشارك بشكل جدي في بناء هذا العقد بأقل ما يمكن من الأخطاء , وتحقيق هذا التعايش المطلوب لتقوية النسيج و تعزيزه و دفعه بالتالي إلى الأمام.

هل تعتبر المعارضة في الإعلان نفسها معنية بوضع أو تهيئة بدائل موضوعية محلية لما لا تجد نفسها راضية عنه في طروحات السلطة وممارساتها , بعيدا عن الشعاراتية و المانشيتات الفضفاضة , و التي هي مرغوبة خارجيا بالفعل و لكنها في الداخل قد تستميل من دون أن تعيل ؟

المفترض بأي عمل معارض أن يضع خططا , و يوجد الآن خطط لتنشيط دور الناس في الحياة العامة و تنشيط دور المجتمع المدني و إعادة إحياء ما همّش من قوى اجتماعية

و قد قدم عدد من أحزاب المعارضة في هذا الإطار رؤيتهم عن مشروع قانون للأحزاب , و قدموا بالمقابل نقدا لمشروع الأحزاب الذي طرح أوضحوا فيه طابع الاستثئار و الوصاية على العمل السياسي في سوريا , و قدم الكثير من الناشطين و الكتاب و المثقفين موقفا نقديا و رؤيا لآلية بناء حياة سياسية في سوريا , تضمنها قانونيا حرية النشاط و حرية التعبئة و حرية التنظيم , ضمن إطار المجتمع الواحد , و المعارضة دائما تقدم مثل هذه الآراء التي تأخذ البعد الإعلامي على صفحات الجرائد أو على المواقع الإلكترونية , و عدا عن هذا الأمر فلا حظّ للمعارضة أو فرصة كي تتابع و تتقدم بقوة لإجراء أي تعديلات ملموسة.

ما هو موقفكم من الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب في دورته التاسعة و التي لا يفصلنا عنها سوى أيام قليلة, و هل يشاطرك هذا الموقف زملاؤك من أطراف “الإعلان”, علما أن بعض الموجودين ضمنه – “إعلان دمشق”- يملكون تاريخا برلمانيا ؟

أنا بشكل شخصي كنت أميل للمشاركة , بالرغم من موافقتي على كل الملاحظات المقدمة من أن هذه الانتخابات تجري في ظل حالة الطوارئ و الأحكام العرفية , و لازالت تجري في ظل قانون انتخابي غير عادل يضمن تدخلا كبيرا للسلطات التنفيذية في تقرير العملية الانتخابية و مصيرها , و ما زلت أرى أن العملية الانتخابية فيما يتعلق بمناخات العمل التحتي و آلية الدعاية و الإعلام و المتابعة …الخ ؛ غير عادلة أيضا , و تعطي فرص غير متساوية بين المرشحين , لكنني كنت ميالا للمشاركة , للإفادة من هذه الفرصة فيما يتعلق بطرح برنامج التغيير الديموقراطي الذي تحمله المعارضة نفسها.

هي فرصة لتطرح فيها المعارضة هذه الرؤية , و تحاول أن تمتحن أفكارها بالعلاقة مع الناس , و الاحتكاك بهم فيما يتعلق ببرنامج انتخابي بسيط بعدد من النقاط , على رأسها حالة الطوارئ , و الحريات , و ما شابه ذلك.

أجد أيضا أنها فرصة لتشجيع الأوساط القريبة من المعارضة للاحتكاك بصندوق الاقتراع , و مراقبة الخصوم , و مراقبة المرشح المنافس , و آلية الدفاع عن البرنامج الانتخابي , و آلية دعوة الناس للمشاركة.

وبوصف المعارضة هي معارضة تدعو للعملية الديمقراطية , و تدعو للاحتكام إلى صناديق الاقتراع , رغم التشويه الذي يحيق بالعملية الانتخابية ؛ فإنها يمكن أن تشكل عاملا مهما في تدريب كثير من الأوساط التي هي الآن حول المعارضة للدخول في العملية , و الدخول في الاحتكاك المنافس.

أيضا الجانب الثالث الذي أراه مفيدا ؛ هو أن المعارضة من خلال هذه القضية يمكن تطرح رموزها على المستوى التحتي , وهي تملك مثل هذه الرموز, أن تقول للناس أن لدي شخصيات قادرة على التنطح لهذا الأمر , و لديها مصداقية و تبحث عن خدمة مصالح الناس , تفهم السلطة كمسؤولية , و تحاول عبر السلطة أن تسعى باتجاه معالجة ما يعانيه الناس من مشاكل , و متابعة الهموم السياسية على هذه الأرضية , و بالتالي أنا كنت أشجع هذا الاتجاه , و من دعاة المشاركة.

في نفس الوقت أنا أتفهم أي داع للمقاطعة ضمن الظروف التي نعيش فيها , لأن المقاطعين يحملون من العوامل الداعمة و المساندة لرأيهم الكثير , فأنا أتفهم من يقول مثلا أنني لا أريد أن أخوض الانتخابات في ظل قانون غير عادل و غير منصف , و لا يسمح لي بالنشاط , و بالتالي كل العوامل الأخرى المشابهة , و أجد أن موقف هؤلاء يحمل الكثير من الصحة.

ما هي آفاق عمل المعارضة _ أي معارضة _ ضمن الشرط السوري الراهن في بعديه الداخلي و الخارجي (الإقليمي \ الدولي) , و ما هي أولويات أي أجندة مفترضة في هذا الخصوص , و على أي شيء أو جهة سيكون التعويل على المدى القريب و المتوسط ؟

الفكرة الرئيسية برأيي للعمل المعارض هي كسب مزيد من القوى لعملية التغيير الديموقراطي , قوى أولا تمتلك الإيمان بعملية التغيير هذه بما يترتب على ذلك من ضرورة نشر ثقافة التغيير الديموقراطي و نشر ثقافة الديموقراطية و احترام التنوع و التعددية و الاختلاف في إطار المجتمع , و ثانيا قوى تؤمن بعملية التغيير بوصفها جزء من مصلحتها , و ليس مجرد الإيمان الفكري , لأن العملية الديموقراطية في حال تقدمت ستكون جزء من آلية بناء مصالح المجتمع بأقل المشاكل و الأزمات , و بأكبر قدرة على الإقلاع إلى الأمام , لتمكن هذا المجتمع من احتلال موقع يليق به في سلم الحضارة , و بعلاقته مع وسطه العربي و الإقليمي و العالمي , نعم أنا أجد أن المسألة هي هنا.

وهذا الموضوع في الحقيقة هو عمل صعب و يحتاج إلى نفس أنا أقول أنه طويل , ضمن الظروف التي نحن نعاني فيها , وهو رهن الآن بالمناخ الذي هو قائم , و الذي يضيق على كل حملة هذا الهم , أمام شعور من السلطة أو الأطراف المعنية بأن الضبط الأمني هو الأسهل و الأسرع , لا الانفتاح وترك الهوامش للمزيد من العمل و الإقلاع.

وهذا في الحقيقة يحمل مخاطر على المستوى البعيد – لا أدري – المباشر و غير المباشر , و أنا أجد أن هذا الحل غير ناجع , و يحمل بداخله مخاطر قد تكون مهددة للمجتمع ككل في حال حصول هزات غير مرتقبة.

آمل أن تستمر المعارضة في نشاطها و في وحدتها , و أن تعلم نفسها – كما تريد تعلم الناس- أصول العمل الديموقراطي , و هذا ما يمكن حقيقة أن يكون تأسيسا للمستقبل القادم .

ما مدى تأثير التحالفات السياسية التي تقومون بها برأيك على نظرة جمهوركم و باقي أطياف المعارضة إليكم , مثلا تلك العلاقة أو العمل الذي يجمعكم مع شريككم “الإخوان المسلمون” و ما يخص تحالفهم الشهير مع نائب رئيس الجمهورية السابق المنشق عبد الحليم خدام ؟

لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال , هناك حسابات سياسية تختلف عن الحسابات الشعبية , أنا أميل الآن للجانب و الهم السياسي و الدعاية السياسية , و أن يكون هناك علاقة و تثقيل شعبي لهذا الهدف , و في الحسابات السياسية يمكن ان يكون هناك العديد من الاجتهادات.

إنما و في نهاية المطاف قوى التغيير هي قوى داخلية و المعارضة يجب أن تراهن على الناس فيما يتعلق بعملية التغيير.

في حال وجود مناخ عالمي مؤيد لعملية التغيير الديموقراطي فسيكون هذا عاملا مساعدا للقوى الديموقراطية في الداخل , و في حال وجدود عامل خارجي يميل لدعم قواعد الاستبداد , أو قواعد العمل غير الديموقراطي , فسيكون ذل بالتالي عاملا معيقا لعملية النضال الديموقراطي الداخلي.

في نهاية المطاف العامل الخارجي هو داعم و مكمل أو بالعكس , يعني ممكن الآن لأنظمة ترى إعادة إنتاج نفسها عبر وسائل التفرد و القمع و السياسات الأمنية ؛ أن تكون من خلال علاقتها مع الخارج أقوى , إذا كان هذا الخارج يرى ضرورة (الاستقرار) و دعم هذه الأنظمة على حساب قوى التغيير الديموقراطي و أفقها , وهذا ما كان قائما فيما مضى , إذ كانت هذه القوى متحالفة مع نخب عالمية سواء من دول اشتراكية هي بالأساس لا تمت للديموقراطية بصلة , أو مع أطراف غربية تضع مصالحها أولا و تريد التعاون مع هذه الأنظمة لضمان تنفيذ هذه المصالح , و كانت في حينه بالتالي قوى العمل الديموقراطي في أسوأ أوضاعها.

الآن هناك مناخات عالمية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبدء الانفتاح على النظم الليبرالية و ما شابه ذلك لدعم العملية الديموقراطية , على أرضية رؤية جديدة مفادها أن بعض الديموقراطية و التنمية في هذه البلدان قد تخفف من الإندفاعات الأصولية و الإرهابية , و بالتالي ما يترتب عليها من سلبية على مستوى الغرب أو العالم المتطور , وهذا الموضوع يمكن أن يشكل دعما بالمعنى الموضوعي لقوى الديمقراطية في الداخل , لكن في النهاية من يقرر عملية التغيير الديموقراطي هي قوى راغبة ولها مصلحة في ذلك في بلدها أساسا , و إلا فسيكون التغيير مشوها , و يترتب عليه بالتالي نتائج سلبية , و هنا يأتي دور المعارضة في السعي إلى كسب مزيد من القوى و الفعاليات , و المزيد من التواصل مع الشعب من اجل أن يكون هناك أنصار و مؤمنين أكثر بعملية التغيير الديموقراطي , و لهم مصلحة في هذا التغيير , ليكون التغيير كما أريده آمنا , و تحمله قوى شعبية تريد أن تدافع عنه فعلا , فلو كانت العوامل الخارجية و مناخات العالم مساعدة فهذا “زيت على زيتون” , و في حال كان العكس فالأمر سيغدو بالطبع أكثر تعقيدا , ويمكن أن يزيد الصعوبة على قوى التغيير الديموقراطي.

في الختام , عودة سريعة للحظة الانتخابية الراهنة و سؤال :

هل تشجع الناس على التوجه إلى صناديق الاقتراع و الإدلاء بأصواتهم ؟

في حال كان هناك برامج جيدة . أنا في الأساس قلت نعم للمشاركة , لكن بصورة أو بأخرى إذا كان هناك برامج تلتقي مع المعارضة ؛ فأنا أدعو الناس لأن يذهبوا و يصوتوا لمن يدعو لرفع حالة الطوارئ و الأحكام العرفية , رغم أنه لن يكون هناك مرشحون من هذا الصنف.

نعم , أنا مع أن يكون هناك موقف لمن يدعو لحرية الرأي و التعبير في هذا البلد و حرية النشاط السياسي و تفعيل المجتمع , أنا أجد أنه من الضروري أن يختار الناخب من يرى أن برنامجه ينسجم مع التغيير الديموقراطي و أن يصوت له


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى