المعارضة عندما تدمن على الخطأ
نصري الصايغ
خير البر عاجله. فلتراجع المعارضة أخطاءها، بعدما دفعت الثمن، في انتخابات كانت تتطلع إليها لتكون أداة انتصارها على الموالاة. ولتتجرأ على المكاشفة، أمام جمهورها الذي انتظر ولم ينتصر، الذي لبّى ولم يكافأ والذي اقترع ولم يفز. أربع سنوات عجاف، جديرة بالتقييم ومحاسبة الذات. ولتكن هذه المرة أمثولة للمعارضة، بعدما تمنعت عن الاعتبار.
من باب التعاطف مع المعارضة، التي بذلت ولم تبلغ، وجاهدت ولم يكن جهادها حسنا، نقرع الباب، من دون تشفٍ ولا ممالأة…
أول أخطائها، ظنها وتأكيدها، على قوتها التي لا تهزم، أو على حجمها الذي يزن كثيرا، إزاء خصوم، قوتهم من خارج لبنان. خطأ في السياسة قاتل، أن لا تعرف وزن خصمك، وخطأ أكبر ان تقيم الخصم بمعايير السياسة والحق والأخلاق. وتأسيساً على هذا الوهم، أقدمت المعارضة على الانسحاب من الحكومة، بهدف إسقاطها، فلم تسقط لأنها كانت الحكومة الأقوى في تاريخ لبنان. منذ الاستقلال. كيف تسقط حكومة السنيورة، وهي مدعومة داخليا، بأكثرية نيابية فعلية، لا وهمية (مصطلح سيئ الذكر) وبأكثرية وزارية منصوص عليها دستوريا، وإن كانت فاقدة لنصاب الشرعية التوافقية، وبأكثرية سنية مبرمة، وبأكثرية درزية حقيقية، وبأقليات مسيحية وازنة؟ كيف تسقط حكومة، أضيف إلى قوتها الدستورية والشعبية (بالمعنى الطائفي)، قوة القرارات الدولية، حيث كان مجلس الأمن، يصدر القرارات، غب الطلب الأميركي، ويفوض الحكومة تنفيذها، مع الدعم المطلق؟ كيف يسقط السنيورة، والرئيس الاميركي جورج بوش (بالمناسبة هو أقوى رئيس لأقوى دولة في العالم) يذكره صبحا ومساء؟ وهل تسقط حكومة تحظى برعاية المجموعة الأوروبية، بقيادة جاك شيراك، بكل ما لديه من ثقل سياسي وشخصي؟ وهل تسقط حكومة محتضنة بالتمام والكمال، من قبل دول «الاعتدال العربي» بقيادة السعودية؟ وكيف يمكن ان يتنازل السنيورة، وهو الذي اعتبر أنه الوريث السياسي للرئيس الحريري، الذي أحدث اغتياله زلزالا على مستوى المنطقة والعالم؟
أي استخفاف بكل هذه القوى؟ من كان يحسب خطوات المعارضة بالنتائج؟ أي درس لم تتنبه إليه المعارضة؟ أن الحكومات في لبنان، لا يسقطها شارع سياسي، يتعكز على الطائفية؟
الخطأ الثاني هو في التصدي للحكومة، لإسقاطها، او تعديل مواقفها، عبر اعتصام في الشارع. تبين فشله بعد أيام على انتصابه في ساحة الشهداء. فلجأت إلى ما يشبه العصيان المدني، تراجعت عنه بعد ساعات. كان بإمكان المعارضة ان تستمر في الحكومة، لتناضل من داخلها، بكل الوسائل، حتى لو فشلت، فالفشل داخل المؤسسات، أفضل من الفشل، بعد اللجوء الى الشارع والقعود على بلاط، لأكثر من عام.
لقد استولد هذان الخطآن الفادحان جدا، المقدمات الطبيعية لانزلاقة السابع من أيار، حيث اضطرت المعارضة الى خوض معركة سريعة لو لم تحسم، لكنا دخلنا في حرب أهلية طويلة المأساة… لقد بنت المعارضة خطوتها على خطأ رهيب أقدمت عليه الحكومة في الخامس من أيار… الحكومة يومها، قدمت للمعارضة عرضا صعبا تبنته المقاومة: استعمال السلاح في الداخل، وتحديدا في بيروت والجبل، لإلغاء الخطأين القاتلين.
ماذا كانت نتائج هذه السنوات؟
ـ انفراط الحلف الرباعي على خلفية قرارات لها علاقة بالمحكمة الدولية. ورغبة أميركا ودول الاعتدال العربي، تدفيع المعارضة بالسياسة ثمن اغتيال الحريري.
ـ اصطفاف مذهبي، وصل إلى أوج تأزمه، بعد السابع من أيار، حيث تحول الشارع السني، إلى ما يشبه «التسونامي» المكتوم، فعبر عن احتقانه، بأمواج المنتخبين، انتقاما لتلك السنوات العجاف.
ـ ابرام تفاهم سياسي بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ثبت على احترام متبادل وتوافق متين، وُوجه، (وهذا طبيعي) من قبل الأكثرية، بتشكيك واستعمل كسلاح مضاد. وبدل ان يكون مقدمة لتوحيد مواقف اللبنانيين، زاد شقة الخلاف الى حدود رسم هوّة غير قابلة للعبور.
ـ تغلب قاعدة الوفاء، على السياسة، فتم القبول، بقانون الستين الانتخابي إكراما للجنرال، لاستعادة مكانة الصوت المسيحي النقي، دون إدراك ان الصوت المسيحي خارج أربع دوائر، غارق في بحر أقليات طائفية ومذهبية، تطيح التمثيل المسيحي برمته، (الكورة وزحلة) وترهن الفوز المسيحي، لأقليات طائفية ومذهبية (المتن الجنوبي نموذجا) او تراهن فيه اعتمادا على هبة أرمنية غير مجانية.
هذا بعض ما يقال… والباقي سيلي.
الأخبار