الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

ليست فرصة ضائعة

حسام عيتاني
اختار الإيرانيون، او من يختار عنهم وباسمهم، بقاء محمود احمدي نجاد رئيسا لهم. ربما يصلح تعليق النائب عن «حزب الله» محمد رعد في وصف الانتخابات اللبنانية، لتقويم نتيجة الانتخابات الرئاسية في ايران. قال رعد ان حصول قوى الرابع عشر من آذار (مارس) على الاكثرية في مجلس النواب يعني ان «الازمة ظلت تراوح مكانها».
بيد ان أزمة ايران من طراز مختلف عن نظيرتها اللبنانية. وإذا كان تجديد ولاية احمدي نجاد يكشف شيئا، فإنه يكشف في المقام الاول أن العجز عن تغيير نهج في ادارة السياسة الخارجية والداخلية، يبدو ملائما اشد الملاءمة للضرورات الايرانية الراهنة: مزيج الشعبوية في معالجة المشكلات الاقتصادية الداخلية بلغت حدها الاعلى في توجيه الاتهامات الى «صاحب النيافة الرمادية» (بحسب اللقب الذي استخدمه الصحافي اكبر غانجي في حديثه عن الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني)، والنبرة الخطابية الحادة في التوجه الى الخارج وتصوير البرنامج النووي الايراني على انه ترياق على جميع الأمراض، امور تجعل البحث عن سياسة تتسم بحد ادنى من العقلانية، مثل تلك التي اقترحها المرشح مير حسين موسوي، مسألة بالغة الصعوبة والخطر على نظام يرفض تجديد نفسه من دون ان يجازف بالتعرض للانهيار.
الفارق الضئيل بين «المحافظ المتشدد» احمدي نجاد وبين «المحافظ المعتدل» موسوي، يرسم بدقة الخط الفاصل بين الإصرار على استنزاف ما تبقى من رصيد شعبي وسياسي للثورة الاسلامية في اوساط الايرانيين والتزامن مع تجاهل مذهل لحقائق الاقتصاد الوطني المتدهور، وبين السعي الى وضع افكار قابلة للتطبيق في ظل كامل منظومة السلطة الايرانية متعددة الرؤوس والأذرع.
والحق، ان وسائل الاعلام وخصوصا الغربية منها، حمّلت موسوي ما لم يقبل على نفسه حمله. فلا هو اقترح انفتاحا استثنائيا على الغرب (ولا على العرب، في ما يعنينا) ولا قدّم نفسه كداعية للسلام العالمي ولا حتى لحوار الحضارات على شاكلة صديقه محمد خاتمي الذي سحب ترشيحه مبكرا من السباق الانتخابي.
لكن الوضع الايراني والدولي هو ما جعل من موسوي المرشح المناسب للمرحلة التي بدأت مع وصول باراك اوباما الى البيت الابيض ولهجة المصالحة التي تبنّاها وعززتها جملة من المعطيات من نوع تقلص العزلة المحيطة بسورية وفوز قوى الرابع عشر من آذار في الانتخابات اللبنانية وإمكان تحقيق تقدم على مسارات عدة متوقفة حاليا.
والأرجح ان موسوي الذي تُختصر انجازاته بادارته اقتصاداً شبه اشتراكي اثناء الحرب العراقية – الايرانية، لم يكن ليتجاوز أياً من الخطوط العريضة في السياسات الايرانية العامة ولم يكن ليُقدم على تحدي مرشد الجمهورية الاسلامية او اجهزتها النافذة المختلفة، بعد التجربة الفاشلة التي مرّ خاتمي بها. مع ذلك، ظهر ان أوان التغيير في الاسلوب الايراني، وليس في المضمون، لم يحن بعد.
بهذا المعنى، قد لا تكون الانتخابات الايرانية فرصة ضائعة في سياق تعميم الحوار بين الغرب والعالم الاسلامي والبحث عن مخارج سلمية لما يبدو كأزمات غير قابلة للحل. وعلى رغم التظاهرات الصاخبة في طهران، لا تبدو القوى الاصلاحية راغبة في دفع النزاع بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية الى حد المواجهة المفتوحة.
ولعل على شعوب وحكومات المنطقة التعايش لفترة مقبلة قد تطول مع طموحات ومشاريع يكتشف اصحابها، ببطء وصعوبة، عجزهم عن تحقيقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى