الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

إيران تتمخض لكن بشروط

سعد محيو
“الإيرانيون يعتبرون التدخل الأجنبي جذر كل الشرور وسبب كل البلايا التي يتعرضون لها في بلادهم. وهنا وعند هذه النقطة تتقاطع وتتطابق آراء كل ألوان الطيف السياسي الإيراني: من أقصى اليسار العلماني الى أقصى اليمين الديني، مروراً بكل الحركات القومية الدينية”.
هذ هي الخلاصة التي خرج بها الكاتب الأمريكي ستيفن هامفريز في كتابه: “بين الذاكرة والإرادة : الشرق الأوسط في عصر مضطرب”. وهي خلاصة توجّها بالكلمات التالية: “هذا الموقف ليس نابعاً عن مشاعر اضطهاد أو كراهية للأجانب. فعلى الرغم من أن التدخل الأجنبي ليس كل القصة في تاريح إيران، إلا أنه كان عاملاً حاسماً فيها”.
الأرجح أن هامفريز سيجد مناسبة جُلى قريباً للمفاخرة بصحة نظريته، وهذا لسبب مقنع.
فعلى الرغم من أن المجتمعين السياسي والمدني الإيرانيين يترنّحان الآن بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة المتنازع عليها، إلا أنهما قد يتوحدان في أية لحظة إذا ما شعرا أن الخارج (وهو هنا الغرب) سيحاول استغلال هذه الخلافات، فيتناسيان كل خلافاتهما ويعودان الى خندق الوحدة الذي انطلقوا منه العام 1979 لإسقاط الشاه بقوة الحناجر.
وثمة سابقة فارقة هنا. ففي 12 يوليو/ تموز العام ،2002 أدلى الرئيس الأمريكي ببيان مفاجئ دعا فيه الإيرانيين الى الثورة على النظام، وحتى أيضا الى تجاوز الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. قبل هذا البيان، كان الصراع الداخلي قد دفع الطلاب الى الشوارع وحفز رجل الدين البارز آية الله جلال الدين طاهري (76 سنة) على شن حملة ضارية على رجال الدين الحاكمين، مشبهاً إياهم بجنكيز خان ومديناً تعاملهم مع الوطن الإيراني وكأنه “ملكيتهم الوراثية الخاصة”.
حتى الآن، لا تزال الإدارة الأمريكية حريصة على عدم استثارة النزعة القومية الإيرانية القوية هذه. فالرئيس أوباما وجّه عشية الانتخابات رسالة عامة وحذرة إلى الشعب الإيراني، وإن كان أشار فيها إلى نتائج الانتخابات في لبنان التي لم يحقق فيها حزب الله الأغلبية. ووزيرة الخارجية كلينتون اكتفت بالحديث عن “إرادة الشعب الإيراني وقبول ما يقبله”. وهكذا، وعلى رغم أن واشنطن لم تكن سعيدة بنتائج الانتخابات، إلا أنها لم تفعل ما كانت تفعله إدارة بوش: دعوة الإيرانيين إلى إطاحة نظامهم.
وإذا ما استمر هذا الموقف الأمريكي، وإذا ماشعر الإيرانيون أن أحداً بالفعل لا يتدخل من الخارج في شؤونهم الداخلية، فإن الانشطار المجتمعي الذي أحدثته النتائج غير المتوقعة للانتخابات، والبعض يقول الانقلابية، ستؤدي إلى ديناميات جديدة للصراع السياسي في إيران.
ديناميات في أي اتجاه؟ في اتجاه وحيد على الأرجح: المزيد من تطوير وإنضاج الديمقراطية الإيرانية، عبر تعزيز سلطة القانون والشفافية، وإزالة ما تبقى من عقبات أمام الاختيار الشعبي الإيراني الحر لكل مواقع السلطة، بما في ذلك ربما موقع ولاية الفقيه.
أجل، المحصلات التي أسفرت عنها هذه الانتخابات خطيرة، وهي ألقت ظلالاً من الشك على شرعية الولاية الثانية للرئيس أحمدي نجاد، كما أنها قد تعيد رسم خريطة الاستقطابات السياسية والإيديولوجية في البلاد.
لكن، في حال برزت تدخلات خارجية في ما يجري وسيجري في إيران، فلا صوت حينذاك سيعلو على صوت القومية والوحدة الوطنية الإيرانية.. مجدداً.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى