نحن أبناء جيل الثورة الثالث
نشر الموقع الإلكتروني “طهران بيرو” نصاً لشاب إيراني لم يذكر إسمه بعنوان “رسالة من إقليم بعيد عن طهران”، وجاء فيه:
ولدت في عام 1984، وسط حرب مهلكة عمّمت الخراب والدمار في بلادي. ولدت بين ليلتين متعاقبتين من جولات القصف. ولدت وسط الشغب واليأس والضيق. ولدت حين كانت الأرواح الشابّة تزهق في جبهات القتال. والدي أخبرني فيما بعد أن عام 1984 ذاك، الذي ولدت فيه، جاء مطابقا ً للعام 1984 الذي استشرفه أورويل. لكنّ ولادتي تلك قلبت مزاج أهلي الكئيب وغدا العام 1984 علامة للأمل، الأمل بالمستقبل الآتي، أو كما يقول والدي، بـ”مستقبل أفضل لحياة ابني”.
لم يكن هذا شعور أهلي وحدهم. ففي الفترة التي كثرت فيها الولادات بين العامين 1983 و1986، جاء الملايين منّا إلى هذا العالم بأفواههم الفاغرة وبترقّبهم لتحقّق المعجزات.
هناك، إذّ ذاك، ولد جيل جديد. جيل سيكون شاهداً على إرث أهله من الأجيال التي سبقته، الإرث الذي تكوّن بالدرجة الأولى من شيء واحد، هو “الجمهوريّة الإسلاميّة”.
في السنوات التي تلت، في مدارسنا ومحطّات تلفزيوناتنا، وفي الكتب والصحف، قالوا لنا أنّه، وقبل زماننا، كان ثمّة طاغية قبض بإحكام على بلادنا، وأنّ الأمّة الإيرانيّة، المتحدّية والمقدامة، ثارت عليه وخلعته لتؤسّس في مكانه ثلاثة أركان، “الاستقلال، الحريّة، والجمهوريّة الإسلاميّة”.
وقد كنّا مبهورين بالحكايا الأسطوريّة عن طلاب في مقتبل العمر، بعضهم لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر، قاموا خلال الحرب بالتضحية بأرواحهم لخير المجتمع الأكبر. جعلونا نصدّق أنّنا نحيا في مثال، لكنّ الخدعة لم تصمد إلا ّ لسنوات قليلة. إذ ما لبث الجيل الساذج والبريء، جيل العام 1984، أن صار شابّات إيران وشبابها، وهو الذي يقال له جيل الثورة الثالث.
في مواجهة وقائع الحياة الفظّة، سرعان ما اكتشفنا نأي عالمنا عن المثال الذي زُيّن لنا. حياتنا كانت أقرب إلى مثال مختل، حيث علينا القتال في سبيل كلّ حقّ من حقوقنا، وفي سبيل كلّ حريّة نرغب فيها.
لقد نفيتمونا بما يكفي.
وفي خضمّ هذا الزمن الكالح جاء، في يوم من الأيّام، رجلٌ بملامح الأبطال سيقود هذا الجيل للخروج من المثال المُختل والدخول في الجنّة الموعودة. كان اسمه محمّد خاتمي. لكنّ ما بدا من الأخير أثبت أنّه لم يكن ذلك البطل الذي انتظره الجميع، ولا امتلك تلك القدرة أو الرغبة في قيادتهم للخروج من الوهم. وليكن المرء نزيهاً، فأنّ الأمور بدأت تدبّ في طريق التقدّم والتحديث: فقد زادت إلى حدّ ما هوامش الحريّة والحقوق الاجتماعيّة، غير أنّها لم تبلغ ما صبا إليه هذا الجيل الثالث المثابر.
وهكذا سقط البطل، وبدأت سنوات أحمدي نجاد الأربع.
مع نهاية السنوات الأربع هذه، غدوّنا في حاجة مآسة إلى التغيير. تبلور الأمل وتجسّد في مير حسين موسوي، الذي صادف أن كان رئيس الوزراء في حقبة 1984 المنصرمة. لكنّ الأحاديّين الذين يحرسون المثال المختلّ انقضّوا على ومضة الأمل الأخيرة وسحقوها.
في “حياة غاليليو” لبريخت، يقدم تلامذة غاليليو على إدانته في جلسات محاكمته الأخيرة بهذه الكلمات: “الويل لأمّة لا بطل فيها”. ويجيبهم بحكمته، “الويل لأمّة تحتاج إلى بطل”.
جيلي تعب من خيبات الأمل. فنحن نرفض القبول بالأمر الواقع وقد قمنا للتحدّي. لا أعرف تماما ً كم من الوقت سيحتاجه التوتاليتاريّون لسحق مقاومتنا. إذ أن صمودنا إلى الآن ما زال جيّداً.
ما زلنا صامدين على الرغم من قيام أخوتنا في الباسيج والشرطة بقتل مواطنيهم الإيرانيين الأعزّاء.
ما زلنا صامدين على الرغم من اندفاعكم علينا بالهراوات والعصيّ، وبرغم محاولاتكم خنقنا بغازكم المسيل للدموع.
الأمّة تقف عملاقة وترفض الإذعان هكذا، بسهولة.
في الأمس بين الحشود الذين كانوا عائدين من أرض المعركة مضرّجين بجراحهم وغضبهم وحزنهم، صادفت صديقاً قديماً من أصدقائي.
“أهلاً بك في العام 1984 يا صديقي”، قال لي بألم عظيم.
هززت رأسي موافقاً؛ لقد اكتملت دائرتنا.
ومضى قائلاً، “هناك كنّا نواجه شرطة الشغب المتعطّشة للدم، يد بيد، كما “أخوة السلاح” في أغنية “داير سترايتس”.
في تلك اللحظة عينها أدركت لماذا أضاف الثوار الفرنسيّون عبارة “أخوّة” في شعارهم الثوري. “حريّة، مساواة، أخوّة” بالتأكيد.
شاب ايراني/ عن موقع “طهران بورو”