صفحات العالمما يحدث في لبنان

الديمقراطية داخل الأحزاب اللبنانية والعربية

رغيد الصلح
قبل سنوات وعندما كانت إحدى الدول العربية تمر بمرحلة الربيع الديمقراطي، جرى حوار بين رئيس تلك الدولة وزعيم أكبر حزب معارض فيها حول التعاون بين الجهتين. وسعى كل من الطرفين إلى اكتشاف مدى التزام الطرف الآخر بالديمقراطية وبمبادئ التنافس السلمي. في إطار ذلك الحوار قال الرئيس لزعيم المعارضة إنه يريد ضمانات بأن الحزب لن يلجأ، في ساعات القوة والنشوة، إلى الخروج عن مبادئ العمل الديمقراطي واللجوء إلى القوة والعنف للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها. ولما أكد الزعيم المعارض أنه ليس هناك من مسوغ عملي لهذه التحفظات عرض رئيس الدولة عليه مشروعاً بقصد التأكد من تحول الحزب إلى منظمة ديمقراطية فعلاً. تضمن العرض اعطاء الحزب رخصة بإصدار صحيفة يومية أو أسبوعية بحيث يتاح للدولة وللجميع مراقبة مضمونها، فإذا ثبت بعد ستة أشهر من صدورها أنها ملتزمة بمبادئ الديمقراطية أمكن عندئذ التأكد من موقف الحزب تجاه هذه المبادئ ومن ثم إعطاؤه رخصة للعمل واعتباره منظمة شرعية.
لم يفض هذا الحوار رغم أهميته الكبرى، إلى نتائج حاسمة، وما لبثت التطورات أن ذهبت بربيع تلك الدولة الديمقراطي. ولكن في جميع الأحوال كان لذلك الحوار مغزاه لأنه دل على أهمية مواقف الأحزاب المعارضة تجاه الديمقراطية في توفير ظروف الانتقال إلى الديمقراطية. كذلك دل هذا الحوار على الاهتمام المتزايد بمسألة الديمقراطية داخل الأحزاب، إذ إن العرض بإعطاء الحزب صحيفة كان يعني في الوقت نفسه توفير أداة لتثقيف الحزبيين ونشر مبادئ الديمقراطية داخل الحزب.
جاء هذا الحوار خلال فترة برز فيها الاهتمام بالديمقراطية داخل الأحزاب العربية، ولا يزال هذا الاهتمام قائماً حتى الآن. فقبل أيام نظم “مركز القدس للدراسات السياسية في عمان” بالتعاون مع مؤسسة كونراد ايدناور ورشة عمل حول هذا الموضوع. وقبل سنوات نظم “مشروع دراسات الديمقراطية” في البلدان العربية لقاء في جامعة اوكسفورد في بريطانيا ندوة حول هذا الموضوع. كذلك جرى التطرق إلى هذه المسألة، وان يكن بصورة غير مباشرة، في العديد من الندوات التي نظمها برنامج الأمم المتحدة الانمائي.
وحيث إن الانتخابات اللبنانية جرت قبل أيام من انعقاد ورشة عمل عمان، فقد كانت مناسبة للنظر في أداء الأحزاب اللبنانية فيها، ولاكتشاف مدى تطبيق هذه الأحزاب الديمقراطية في داخلها من خلال عملية اختيار المرشحين لخوض المعركة الانتخابية. على هذا الصعيد يميز آلان وير في كتابه “الأحزاب السياسية والنظم الحزبية” بين نوعين من طرق الاختيار. في الأحزاب المركزية تقوم القيادة العليا باختيار المرشحين في سائر أنحاء البلاد. هذه الممارسة تؤكد الطابع النخبوي للأحزاب وصواب نظرية روبرتو ميتشيل حول “القانون الحديدي للاوليغاركية” التي تقول إن الأحزاب سوف تخضع بالضرورة إلى قبضة من الحزبيين المتفرغين والمحترفين الذين يحولون الحزب إلى أداة للتسلط على المجتمع. في الأحزاب اللامركزية، تقوم منظمات الحزب وفروعه باختيار مرشحي الحزب للانتخابات العامة، فتؤكد الطابع الديمقراطي للحزب وتماسه الدائم مع الجمهور ومع المواطنين والمواطنات خارج الحزب.
ففي ندوة نظمها “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية” في نهاية شهر إبريل/ نيسان بعنوان “صناعة النائب في لبنان” وشارك فيها ممثلون عن أهم الفئات السياسية التي أسهمت في العملية الانتخابية، لم يستطع أي واحد من هؤلاء أن يبين دور لجان أو هيئات المناطق في اختيار المرشحين أو حتى صورة واضحة عن طريقة اختيارهم.
هل يدل ذلك على أن قيادات الأحزاب هي وحدها التي لعبت دوراً حاسماً في اختيارهم؟ في سياق الإجابة عن هذا السؤال تنبغي الإشارة إلى الحقائق التالية المتعلقة بالتنظيمات والتجمعات السياسية في لبنان:
* أولاً، هناك غموض كبير يلفع هذه التنظيمات ومدى اقترابها، أصلاً من مفهوم الحزب العصري بكل مكوناته وشروطه. فهناك خلط مستمر بين ما يسمى في لبنان حالياً بالتيارات والحركات والجماعات وغير ذلك من التسميات المشابهة، من جهة، وبين الأحزاب، من جهة أخرى. فللأحزاب معان محددة، وللأحزاب العصرية شروط ومقومات منها ما يتصل كما قلنا أعلاه، بالطابع الديمقراطي لبنيانها التنظيمي. أما التجمعات الاخرى فلا تتوفر فيها مثل هذه المقومات والشروط. ويجدر بالذكر أنه من أصل 18 فصيلاً سياسياً مثلت في المجلس الجديد هناك 10 فقط تسمي نفسها أحزاباً، أما ما تبقى فهو يحمل توصيفات أخرى.
* ثانياً، إن بين هذه الأحزاب من لم يحسم مسألة الالتزام بالنظام الديمقراطي حتى ولو كان يمثل اليوم ركناً مهماً في العملية البرلمانية. ومن ثم فإن هذه الأحزاب والفصائل لا تجد دافعاً ملحاً لتنظيم حياتها الداخلية على الأساس الديمقراطي. تأسيساً على ذلك فإن عملية اختيار المرشحين للنيابة لم تتم عبر إجراءات شفافة يتابعها الرأي العام، بل اطلع عليها المواطنون عبر الإعلام التابع للأحزاب نفسها.
* ثالثاً، شخصنة الأحزاب والفصائل السياسية ويتراوح هذا الطابع بين أحزاب ينطبق عليها طابع الشخصنة بصورة حرفية، إذ إن عدد الأعضاء في هذا الحزب لا يتجاوز الأفراد القلائل إلى درجة أنه يتردد أن العضو الدائم الوحيد في الحزب، وبين زعامات تملك تأييداً جماهيرياً كبيراً إلى درجة أن الفصائل التي يتزعمونها باتت تتكنى باسمهم.

المحصلة العامة لهذه المعطيات هي أن اختيار مرشحي التجمعات السياسية بما فيها الأحزاب اللبنانية لا يتم في إطار هيكلية جماعية وديمقراطية ولا تحكمه قواعد محددة، بل يتم وفقا لاستنساب زعيم ذلك التجمع سواء كان حزبياً أم حركياً وتيارياً وقراره على هذا الصعيد هو الحاسم.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى