حريق كبير في الشرق الكبير
سعد محيو
أجل، التعبير الأدق لوصف ما يجري في الشرق الإسلامي الكبير الممتد من جبال باكستان وأفغانستان في جنوب آسيا إلى سواحل المغرب العربي في شمال إفريقيا، هو أنه بمثابة حريق كبير.وتكفي منا التفاتة سريعة لما يجري حولنا لنعرف لماذا؟
فباكستان، الدولة النووية الإسلامية الوحيدة، تترنح الآن على شفير السقوط، بفعل انفجار الأصوليات المتطرفة وعجز الدولة الحديثة عن الولادة. وهذا يحدث فيما خصمها التاريخي والوجودي الهند تسير بخطى متسارعة نحو التحوّل إلى دولة كبرى.
وأفغانستان تحوّلت إلى حلبة دولية لتجربة أحدث أنواع الأسلحة، ولخوض حروب تُنفّس خلالها احتقانات الشعوب الغربية وأزماتها عبر تصديرها إلى أفقر دولة على وجه البسيطة.
والعراق، الدولة العربية الأهم في الهلال الخصيب، تهاوى ككيان موحّد، والعنف الدموي فيه تحوّل إلى “نمط حياة”. وهذا ما فتح بطن الهلال الخصيب العربي كله، أي لبنان وسوريا والأردن، على مقادير لا يمكن لأحد التنبؤ بطبيعتها. هذا في حين أن شعار “يهودية إسرائيل”، الذي تبنته الآن كل أطياف الجسم السياسي “الإسرائيلي”، سيؤدي إلى 60 سنة جديدة من الصراع العربي- “الإسرائيلي” العنيف.
في منطقتي المغرب والخليج العربيين، كانت الصورة ستبدو أفضل حالاً بقليل لولا أن الحرب الأهلية في الجزائر التي أزهقت أوراح أكثر من 100 ألف نسمة ما زالت ناراً تحت الرماد في المنطقة الأولى، لولا أن انهيار الدولة العراقية وتصاعد وتائر المجابهة بين إيران والغرب يهددان بتمديد ألسنة اللهب في كل لحظة إلى المنطقة الثانية.
أما مصر، قلب المنطقة العربية ومركزها، فهي خرجت من تجربة 30 سنة من التحالف مع أمريكا والسلام مع “إسرائيل” وهي مثخنة بالجراح الاقتصادية التنموية والانفجارات الاجتماعية، بعد أن حالت الأولوية القصوى التي تعطيها الولايات المتحدة للقوة “الإسرائيلية” في الشرق الاوسط من دون تحويل مصر إلى كوريا جنوبية، أو على الأقل ماليزيا، أخرى.
لماذا يحدث ما يحدث في هذه المنطقة الشاسعة من العالم؟ وما دور العوامل الذاتية والموضوعية فيه؟
نبدأ بالسؤال الثاني لندرأ عن أنفسنا التهمة الدائمة للعرب بأن ادمغتهم واقعة إلى الأبد بين براثن نظرية المؤامرات الخارجية، لنقول بأن كل دول المشرق الإسلامي تعيش منذ نيف وثلاثة عقود في خضم أزمات اقتصادية عاتية وتمخضات معيشية أعتى. ليس هذا وحسب، بل إنها تفتقد ايضا إلى أي بصيص نور يمكن أن يشير إلى أدوارها المحتملة في الاقتصاد العالمي الجديد. وهي بهذا المعنى تكاد الآن تشبه الضفدع في مرحلة تطوره الوسيطة: فهي لا تشبه ماضيها، ولن تشبه أيضاً شكلها المستقبلي.
كل هذه الدول مجتمعة، تشهد تكسرات اجتماعية حادة. فالمجابهات والصراعات الداخلية ترتسم بسرعة هذه الايام وفق خطوط الانقسامات الطائفية والمذهبية (في لبنان)، والوطنية والعشائرية (في الأردن وفلسطين)، والأثنية والمذهبية (في العراق) والأصولية المتطرفة (في باكستان وأفغانستان ونسبياً في إيران).
وفي غياب أية كتل تاريخية حديثة، تحمل برامج وطنية وقومية تقدمية، لا مناص من أن نعاين المزيد من الانفجارات التفتيتية والتجزيئية في هذه المجتمعات. وهي انفجارات ستتغذى الى حد بعيد من تفاقم الازمات الاقتصادية، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالانفجار الديموغرافي (السكاني) الذي يمكن اعتباره بحق العامل الرئيسي في الأزمات الراهنة.