الدور التركي في المنطقة

تركيا الصيغة والدور

حواس محمود
يتضمّن كتاب محمد نور الدين مجموعة مقالات هي بعض ما كتب في فترات سابقة، هي أشبه بلوحة البازل متعدّدة الأشكال والألوان والأحجام، والتي تقدم، حين اكتمالها، صورة حاول المؤلف أن تكون شاملة ودقيقة وموضوعية دون أن تخلو أحيانا من وجهات نظره الخاصة..
يشير المؤلف إلى أنّ تأسيس حزب العدالة والتنمية كرّس نهائيا انقسام الحركة الإسلامية في تركيا للمرّة الأولى منذ ثلاثين عاما، فبعد حظر حزب الفضيلة في 22 حزيران 2001 تأسّس على خلفيته حزبان؛ حزب السعادة في 25 تموز 2004 بزعامة قوطان، وحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان في 14 آب أغسطس، وتقاسم الحزبان نوّاب الفضيلة بالتساوي تقريبا. وقد دخلت تركيا مرحلة جديدة من تاريخها بعد الانتصار المشهود لحزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية المعتدلة، الذي يتزعمه رئيس بلدية اسطنبول السابق رجب طيب أردوغان. وكان نجم الدين أربكان ـ الزعيم التاريخي للإسلام السياسي في تركياـ يعدّ أردوغان لخلافته، قبل أن تطيح بهما معا المؤسسة الفكرية عبر مجلس الأمن القومي خلال أقلّ من سنة ( 1998).
ولم يكن ظفر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية العامّة في 3 تشرين / نوفمبر 2002 عاديا أو حتى بارزا، بل كان استثنائيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إذ لم يسبق أن شهدت الساحة التركية هذا الكمّ النوعيّ من النتائج المثيرة مثل ما أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة.
لم يكتب لحزب العدالة والتنمية أن ينجز ولاية برلمانية كاملة لخمس سنوات منذ العام 1983، إلا في 2002، وفيما كان يستعد لإجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي في خريف 2007، كان الجيش التركي يعدّ مفاجأة كبيرة. ففي 16أيار 2007 تنتهي ولاية رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر، ووفقا للدستور التركي تجري الانتخابات الرئاسية من جانب البرلمان خلال الشهر الأخير من الولاية، ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية بأكثرية مطلقة ( 363) نائبا في انتخابات 2002، كان التوقع على نطاق واسع أنّ زعيمه رجب طيب أردوغان سيكون الرئيس المقبل للجمهورية. ومع اقتراب الاستحقاق الرئاسي بدأت أصوات العلمانيين المتشددين ترتفع محذّرة من وصول إسلاميّ زوجته محجّبة إلى القصر الجمهوري في “تشانكا” في أنقرة، فموقع الرئاسة هو رمز للجمهورية العلمانية التي أسّسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، ولا يمكن أن تعتليه محجّبة ولو بصفة زوجة رئيس. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فموقع الرئاسة وخلافا لما يظنّ الكثيرون ليس ثانويا، وإذا كانت صلاحياته محددة فإنها مؤثرة حيث يتحكم الرئيس بتعيين عدد كبير من الموظفين في مواقع مهمّة مثل أعضاء المحكمة الدستورية، ومجلس التعليم العالي، ورؤساء الجامعات والسفراء والقضاة وغيرهم من أعضاء مؤسّسات تشكّل مع المؤسسة العسكرية عماد (الدولة العميقة) أو (الدولة المتجذرة) المتحكمة بقطاعات أساسية من المجتمع، كما أنّ للرئيس صلاحية ردّ مشاريع القوانين والقرارات الحكومية التي تتطلّب توقيعه.
وقبل انتهاء مهلة الترشيح (وبسبب معارضة العلمانيين لترشّح أردوغان ) بيوم واحد فجّر أردوغان أوّل مفاجأة بعدم ترشيح نفسه، وتقديم وزير الخارجية ورفيق دربه عبد الله غول مرشّح حزب العدالة والتنمية للانتخابات الرئاسية.
ويتناول المؤلف المسألة الأرمنية في تركيا، فيشير إلى أنّه بدلا من أن يكون الموعد الذي منحه الاتحاد الأوروبي لبدء مفاوضات العضوية في 17 كانون الأول ديسمبر 2004 محطّة دفع حاسمة لمسار أنقرة الأوروبي، فقد فتح أبواب جهنّم على مصاريعها؛ بحيث استنفر كلّ من له ثأر على تركيا مطالبا المجموعة الأوروبية بعدم ضمّ تركيا إليها إلا بعد تطهيرها من ذنوبها في العالم، خاصّة ما جرى من مجازر عام 1915 بحقّ الأرمن واعترافها بالمسؤولية التاريخية عن ذلك، وما قد يستتبع ذلك من مطالبة بتعويضات مالية وجغرافية، وعلى امتداد عقود القرن العشرين كان الأرمن يتقدّمون تدريجيا في حملتهم على تركيا، في المنظمات الدولية ولدى الحكومات. وقد ضغط الأرمن من الدول الغربية، ونجحوا في إقناع برلمانات أكثر من12 دولة بإصدار قانون يعترف بالإبادة، ومن هذه الدول إنكلترا وفرنسا واليونان وسويسرا فضلا عن الفاتيكان عشية الذكرى التسعين لـ 24 نيسان 1915 انفجرت المسألة الأرمنية بقوة غير مسبوقة في وجه تركيا، ويتركز الضغط على الولايات المتحدة خصوصا في لحظة توتر العلاقات التركية الأميركية لاستصدار الكونغرس قانونا يعترف بالإبادة ( وقد صدر- كاتب العرض).
لكن التطور النوعي هذه المرة جاء من تركيا نفسها، حيث فتحت سجلات ونقاشات علنية حول المسألة الأرمنية تجاوزت كل التحفظات التي كانت تحيط بها في السابق كلما أراد البعض إثارتها وفي شفافية كاملة نادرة، وكان لافتا مناخ الحرية والشفافية الذي اندرجت تحت سقفه العديد من الآراء حول هذا الموضوع. فللمرة الأولى ظهر من بين الأتراك من يرى حدوث “إبادة” ويبرز هنا صوتان مهمان: الأوّل المؤرّخ البارز خليل بركتاي، أما الثاني فهو الروائي المعروف الذي برز في السنوات الـ15 الأخيرة أورهان باموك الذي ذكر في مطلع شباط 2005 في حديث لصحيفة سويسرية أنّ ثلاثين ألف كردي قتلوا في تركيا ( في الحرب على حزب العمال الكردستاني وأنّ مليون أرمني قد قتلوا على أيدي الأتراك عام 1915 لكن دون ذكر كلمة ” إبادة”). وفيما يتعلق بالموضوع الكردي يشير المؤلف في مقال له بعنوان “سلام الأكراد والأتراك”، إلى أنه في أيلول 2005 انعقد المؤتمر الأرمني في اسطنبول وبعده بسنة ونصف انعقد مؤتمر كردي، في ظاهرة بدأت تتكرر وميزتها الأولى أن منظميها منظمات مجتمع مدني تركي في حراك اجتماعي يعكس حيوية مع تقدم المسار الأوروبي لتركيا في عهد حزب العدالة والتنمية.
على مدى يومي السبت والأحد ( 13- 14 ) كانون الثاني/ يناير نظمت “مبادرة السلام الديمقراطية” التركية في أنقرة مؤتمرا حول المسألة الكردية في تركيا تحت عنوان “تركيا تبحث عن سلامها”، شارك فيه عدد كبير من السياسيين والمثقفين والنقابيين، وكان نجم المؤتمر الأديب التركي من أصل كردي ياشار كمال، الذي تحدّث مطوّلا في الجلسة الافتتاحية وقد أثارت كلمته سجالا في اليوم التالي مع مثقفين أتراك
هامش:
الكتاب: تركيا الصيغة والدور
المؤلف: محمد نور الدين
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر 2008
الصفحات: 335 ق كبير
المؤلف في سطور:
محمد نور الدين: مواليد 1954 لبنان – باحث متخصص في الشؤون التركية دكتوراه في التاريخ أكاديمية العلوم البلغارية، مدرس بالجامعة اللبنانية لمادة التاريخ واللغة التركية – رئيس تحرير فصلية “شؤون الأوسط “، ومن مؤلفاته الأدب التركي الحديث ملامح ونماذج الدار العالمية بيروت 1984، تركيا في الزمن المتحول قلق الهوية وصراع الخيارات دار الريس بيروت 1997، حجاب وحراب: الكمالية وأزمات الهوية في تركيا، دار الريس بيروت 2001 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى