صفحات سورية

دمشق: استثمار «الانفراج السياسي» في الاقتصاد وتعزيز التهدئة الإقليمية

null
زياد حيدر
يعرف المسؤولون في سوريا أن البلاد انسلت تماما من مقابض العزلة، التي فرضت عليها جراء موقفها من الحرب على العراق، وتداعيات الملف اللبناني بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وإذا كان ثمة قاعدة استخلصت وتم حفرها في جدول العمل الدبلوماسي السوري للمستقبل، فهي أن «التنازل لا يقود إلا إلى مزيد من التنازل». وهي قاعدة تم استخلاصها من مقاومة الضغط، حتى لو كان ذلك بالانكفاء دفاعيا في الزاوية القصوى، وانتظار مرور الوقت، أو عبر المبادرة الذكية، مقرونة بتقييم تجارب الآخرين من العرب، التي قادت إلى خسارات تلتها خسارات مضاعفة.
وبرز هذا الموقف مجددا منذ أيام خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الهولندي مكسيم فيرهاغن، حين ربط بين تعاون سوريا «البناء» في عملية السلام وأدائها في حقوق الإنسان من جهة، وبين توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من الجهة الأخرى. وكان الرد السوري، ـ بات في حكم المبدأ أيضا ـ أن أي «مشروع يربط بتنازل سياسي، أو شرط مصلحي للطرف الآخر على حساب المصلحة السورية، يتم إهماله على الفور».
والقاعدة هنا «رفض الابتزاز»، خصوصا بعد سنوات من التفاوض والوعود، وثانيا بسبب ما يعتبره المسؤولون المحليون بأنه «نفاق أوروبي حين تأتي الأمور لحقوق الإنسان تحديدا، وهو ما برز بعد موقف الاتحاد الأوروبي، ولا سيما هولندا، من مجازر غزة».
هذا المبدأ انطبق أيضا على علاقة حذرة للغاية ربطت سوريا بدول عربية في مرحلة التأزم السياسي السابقة. وتعلق أوساط بارزة عايشت تلك المرحلة، بضيقها وانفراجها، بالقول أن اقل ما يمكن الإشارة إليه من تبدل في الوقت الراهن، ربما يتمثل بارتقاء مواقف بعض الدول العربية من محاولة الأذية، عبر الدعوة سابقا لتشديد العقوبات، أو تعزيز العزلة على دمشق، إلى اخذ موقف حيادي من سياسة الانفراج الأوروبي والأميركي نحو دمشق. هذا من دون الحديث عن الربط الذي انتهجته دول عربية ثرية بين إرسال فرق من رجال الأعمال إلى دمشق للبحث في مشاريع استثمارية وسحبهم لاحقا لأسباب سياسية. وهي مسألة طالما اشتكت من طابعها دمشق، كونها لا تسمح بتأسيس علاقة عربية اقتصادية وثقافية، بمعزل عن السياسة. الأمر الذي دفع لاحقا للدعوة لفكرة مأسسة الخلافات العربية، وهي فكرة لا زالت متداولة، ولكن من دون منهج حقيقي متفق عليه بين السلطات العربية.
والآن تسعى دمشق، لاستثمار انفكاك العزلة من دون خسارة الأوراق الإقليمية، عبر تعزيز مناخ التهدئة في المنطقة، والبناء عليه اقتصاديا عبر مشاريع تتخذ طابعا إقليميا ودوليا. وتأتي العلاقة مع واشنطن مبنية على هذا المنظور، وإن كانت القناعة في دمشق أن الجانب الأميركي لم يبادر بعد بما يكفي لتعزيز الثقة، ولاسيما في ظل وجود العقوبات الأميركية، واسم سوريا، على ما يسمى بـ«لائحة الدول الداعمة للإرهاب».
أيضا ثمة عمل واضح على العلاقة العربية ـ العربية، كما يشغل الهم العراقي بال السوريين وبدرجة أعلى من السابق بسبب الارتفاع الجديد في معدلات العنف، ومسائل أخرى مرتبطة بالعملية السياسية، ولا سيما في ما يخص وضع شمال العراق.
أولوية أخرى تفرض نفسها هي الحصار على غزة، والذي ترسخت القناعة بضرورة العمل على تفكيكه بأية طريقة، وهو ما يدفع السوريين لتشجيع الفرق الفلسطينية المختلفة على وضع حد لخلافهم حول السلطة بهدف إطعام جياع القطاع.
أما لبنان، فلا تغيير على سياسة الحياد الإيجابي والمنطلقة من تشجيع الوفاق الوطني وعلاقة متميزة في مصلحة الطرفين.
هذا الوضع وما بني عليه من سياسة يترك للسوريين حرية الاختيار والمفاضلة بين المهم والأهم. والآن وبعد تحرك دبلوماسي رسخ فكرة الانفتاح المتبادل بين سوريا والعالم، سيتم التركيز خلال الصيف على الوضع الداخلي، على أن يتخلل ذلك زيارة للرئيس السوري بشار الأسد إلى أذربيجان، فيما من المنتظر أن تستقبل دمشق زوارا من بينهم وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ولم تتأكد بعد زيارة الملك السعودي عبد الله. كما يجري وزير الخارجية السوري وليد المعلم محادثات مع نظيره البريطاني ديفيد ميليباند في لندن أواسط تموز المقبل، ستركز على مجمل الوضع الإقليمي ولا سيما إيران، التي لا يشوب الإحساس السوري أي قلق حيال استقرارها راهنا ومستقبلا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى