عقدة تخطاها المجتمع السوري
بقلم جهاد الزين
تتلاحق الاخبار الجيدة في العلاقات الاميركية – السورية قبل الانتخابات اللبنانية، عبرها، وبعدها… حتى وصلنا الآن الى الخبر الذي يحمل تطوراً لا رجعة فيه في المستقبل المنظور للمنطقة. وهو قرار الرئيس باراك أوباما اعادة السفير الاميركي الى دمشق.
الخبر الاستراتيجي بالنسبة لاحتمالات التغيير في الوضع اللبناني لم يأت بعد… إنه خبر استئناف المفاوضات السورية – الاسرائيلية المباشرة… كحصيلة لاستمرار التقدم الايجابي في العلاقات الاميركية السورية… ولكن الأهم الآن هو معرفة ما إذا كان هذا التحول المنشود سيأتي حصيلة أحد اتجاهين في المنطقة:
الاتجاه الأول هو انفتاح المسار السوري – الاسرائيلي بالتوازي مع تجديد المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، وهذا يعني في هذه الحالة انه سيكون خيار “الاولوية الثانية” للسياسة الأميركية بعد الأولوية الفلسطينية التي لا شك أنها “جوهر الصراع في المنطقة”.
الإتجاه الثاني هو أن يكون تجديد المسار السوري – الإسرائيلي بديلاً عن المسار الأول الفلسطيني – الإسرائيلي بسبب تكوينه البنيوي الصراعي واتضاح القرار الراهن للنخبة الأمنية – السياسية الإسرائيلية المسيطرة بمنع أي حل نهائي مع الفلسطينيين رغم كل الضغط الأوروبي – الأميركي (العربي) في هذا الإتجاه.
خطاب بنيامين نتنياهو الأخير لم يأت بكلمة واحدة عن “الجولان”.
ولا استخدم أي صياغة تفيد وضع شروط مسبقة للمفاوضات مع سوريا، وأهم هذه “الشروط المسبقة” عدم إشارته في الخطاب إلى اللازمة التي اعتاد عليها قبله بـ”رفض أي شروط مسبقة تضعها سوريا”!
هذا الصمت حيال مضمون المفاوضات مع سوريا فهمه عدد من المعلقين الإسرائيليين بأنه يحتمل العودة إلى المسار السوري… في حال إنسداد الأفق الفلسطيني المعرّض إلى تجدد التأزم عبر رفض نتنياهو تجميد الاستيطان.
الرئيس بشار الأسد أعلن امس أنه “لا شريك إسرائيلي” في السلام مع سوريا حتى الآن. لكن مع ذلك تبدو الأمور سائرة في الوجهة التي ترغب فيها دمشق. فمنذ أسوأ أيام العلاقات السورية الأميركية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش كانت القيادة السورية ولا سيما الرئيس الأسد تشدّد على أولوية تصويب العلاقات الأميركية – السورية كمطلب رئيسي للديبلوماسية السورية لا يعلو عليه اعتبار آخر. وهذا ما يحصل.
صحيح أنه ليس من الواضح حدود التفاهمات غير المعلنة التي توصلت إليها دمشق وواشنطن في الكواليس، غير أن مسار، بل نتائج عدد من الاستحقاقات في المنطقة تدل على دقة المعطيات التي ينبني عليها هذا الإنفراج سواء داخل العراق حيث الغلبة للمشاكل ذات الطابع الأمني بسبب الوجود العسكري الأميركي أو في لبنان حيث أفرزت الانتخابات كانتخابات تحت إشراف بل إدارة دولية – إقليمية توازناً يقوم على أرجحية سياسية سعودية (مصرية) متعايشة لا متصادمة مع معادلة إيرانية (سورية).
وحده انفتاح المسار السوري – الإسرائيلي يمكن أن يشكل بديلاً إيجابياً لـ”الاستاتيكو” الذي جدّدته الانتخابات اللبنانية بطريقة ما. وعلى مستوى ثالث، لا شك أن لدمشق دوراً ما في تشجيع قدر ما من الرغبة الحوارية بين “حماس” وواشنطن لم يدخل طوره العملي بعد.
عناصر “الحل السوري” بالنسبة للوضع في جنوب لبنان، آخذة بالنضوج أكثر فأكثر فيما لو توفرت لاحقاً الإرادات الكبرى في هذا الإتجاه: وهي إسرائيلية – أميركية – سورية…
فــ”النظام” في سوريا تحرر في السنوات الماضية من عقدة عدم شرعية السلام مع إسرائيل… لصالح معادلة قابلية المجتمع السوري اعطاء الأولوية لتحرير الجولان كمرادف لا غنى عنه للانفتاح والازدهار. إذن النظام والمجتمع معاً كما تشير تحولات عميقة، تخطيا عقدة عدم مشروعية السلام.
… وكما ظهر في السنوات الأربع المنصرمة… المشكلة أمام هذا الخيار ليست في دمشق… بل في واشنطن وإسرائيل.
النهار
آفاق الدبلوماسية الأمريكية الجديدة تجاه سوريا
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
تدرس إدارة أوباما هذه الأيام مدى جدوى التقدم بخطة سلام سورية – إسرائيلية تقوم على بعض المعايير والمواصفات وتقول المعلومات أن الإدارة الأمريكية أرسلت العديد من المبعوثين من أجل استطلاع الأطراف المعنية والتعرف على وجهات النظر المختلفة بما يساعد خبراء الإدارة الأمريكية على المضي قدماً في صياغة تصوراتهم حول الخطة الممكنة.
* الدبلوماسية الأمريكية الجديدة إزاء سوريا: إلى أين؟
بدأت الإدارة الأمريكية الديمقراطية توجهاتها الدبلوماسية إزاء سوريا بشكل يختلف عن توجهات الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة، وأصبح خيار التعامل مع سوريا هو البديل لخيار عزلها وعدم التعامل معها. ومن المؤشرات العملية الدالة على توجهات الإدارة الأمريكية الحالية:
• مؤشر التصريحات: أصبحت التصريحات تحمل المزيد من الدعوات والرغبات للتعامل مع سوريا والتأكيد على دورها الهام في المنطقة.
• مؤشر التحركات: وصل إلى دمشق العديد من زعماء الكونغرس والمسؤولين الأمريكيين.
برغم ذلك، تقول المعلومات والتسريبات أن بعض الأطراف في المنطقة تحاول الآن ممارسة الضغوط الاتصالية على الإدارة الأمريكية لوقف التعامل مع دمشق
أو الدخول في تعاملات مشروطة مسبقاً معها، وفي هذا الخصوص نقلت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بعض المعلومات القائلة أن الحكومة المصرية طلبت من إدارة أوباما عدم الدخول في أي معاملات مع دمشق إلا بشرط قيام دمشق بدعم ومساندة الجهود المصرية الساعية لإدارة أزمة الصراع الفلسطيني بين فتح وحماس.
وبتوضيح أكبر فقد أشار التقرير الذي أوردته صحيفة هاآرتس والذي أعده الخبير الإسرائيلي أكيفا إلداد قائلاً أن الرئيس المصري حسني مبارك حث الرئيس أوباما على ضرورة قيام دمشق بدعم جهود مصر في تحقيق التسوية بين حماس وفتح.
هذا، وتشير المعلومات إلى أن الجهود المصرية لتحقيق التسوية الفلسطينية تضمنت دعوة الرئيس مبارك للفلسطينيين بالآتي:
• تشكيل لجنة مشتركة بواسطة الفصائل الفلسطينية.
• قيام هذه اللجنة بالإشراف على وضع اتفاق غزة تحت سيطرة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
وتقول المعلومات والتسريبات أن وجهة النظر المصرية تفيد لجهة أن العائق الوحيد أمام الجهود المصرية هو زعيم حركة حماس السيد خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي الذي يتمركز مقره في العاصمة السورية دمشق.
* هل للعبة الشرق الأوسط جانب آخر؟
خلال فترة إدارة بوش الجمهورية بدا واضحاً أن علاقات خط القاهرة – تل أبيب أصبحت أكثر قوة ومتانة ولكن بعد صعود إدارة أوباما الديمقراطية وصعود حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا الإسرائيلية بدا واضحاً أن الانقلاب في السياسة الخارجية المصرية، وبكلمات أخرى إذا كانت واشنطن أصبحت أكثر انفتاحاً على دمشق فقد أصبحت القاهرة أكثر انفتاحاً إزاء التعامل والتنسيق مع تل أبيب التي يسيطر عليها الليكود – إسرائيل بيتنا. وتقول المعلومات والتسريبات بأن تنسيق نتينياهو – حسني مبارك قد أصبح أشبه بالتحالف الاستراتيجي الدبلوماسي الذي يتضمن الآتي:
• أن تدعم تل أبيب موقف القاهرة في واشنطن لجهة ضمان عدم قيام اللوبي الإسرائيلي بأي تحركات يترتب عليها قطع أو وقف المساعدات الأمريكية لمصر كما حدث في العامين الماضيين.
• أن تدعم القاهرة موقف تل أبيب بحيث تطالب القاهرة بنفس ما تطالب به تل أبيب.
إضافة لذلك، تقول المعلومات والتسريبات أن معطيات مضمون ومحتوى حوارات ولاءات المبعوث الأمريكي الخاص جورج ميتشل في القاهرة وتل أبيب كانت تتضمن قدراً كبيراً من التطابق والانسجام بين توجهات نتينياهو وحسني مبارك وما يثير الشكوك أكثر فأكثر يرجع إلى أن نتينياهو سبق أن عقد لقاءً مع مبارك في مصر في الأيام التي سبقت مباشرة قيام نتينياهو بزيارة واشنطن وعقد لقاءه مع الرئيس أوباما والذي برزت بعده الخلافات على خط واشنطن – تل أبيب. وما يمكن فهمه بوضوح أن لقاء نتينياهو – مبارك المشار إليه هو اللقاء الذي تضمن وضع النقاط على الحروف وتنسيق “النوتة” التي تعزف عليها فرقة دبلوماسية القاهرة – تل أبيب.
* دبلوماسية نتينياهو الأوروبية:
عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتينياهو لقاءات مع بعض الزعماء والقادة الأوروبيين البارزين خلال جولته الدبلوماسية الأخيرة في بلدان الاتحاد الأوروبي وتقول المعلومات أن حصيلة لقاءات نتينياهو كانت على النحو الآتي:
• لقاء نتينياهو – ساركوزي (فرنسا): طالب ساركوزي نتينياهو بضرورة القيام بإجراءات بناء الثقة بحيث يتوجب على نتينياهو أولاً وقبل كل شيء القيام بتجميد الأنشطة الاستيطانية.
• لقاء نتينياهو – بيرلوسكوني (إيطاليا): وجه بيرلوسكوني الانتقادات لنتينياهو بسبب إصراره على عدم الالتزام بوقف الأنشطة الاستيطانية.
وما كان فاجعاً في جولة نتينياهو في أوروبا هو القرار بإلغاء لقاء نتينياهو مع جورج ميتشل الذي كان مقرراً له أن يتم في فرنسا وتقول المعلومات والتسريبات أن واشنطن قررت إلغاء هذا اللقاء إلى حين اكتمال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي باراك المقررة إلى واشنطن.
وما هو واضح كما أكدت التسريبات إلى أن إلغاء اللقاء كان بسبب رغبة واشنطن عدم إتاحة الفرصة لنتينياهو لمحاولة القيام بالشروع في طرح صفقة جديدة على أمريكا حول المستوطنات وذلك تفادياُ إلى احتمالات أن تؤثر معطيات لقاء نتينياهو – ميتشل على الزعماء الأوروبيين.
إضافة لذلك، تأكدت تسريبات صحيفة هاآرتس الإسرائيلية ليس بواسطة الصحف الإسرائيلية الأخرى وإنما من خلال الموقع الإلكتروني بمركز دراسات ستراتفور الاستخباري الأمريكي الذي وصف إلغاء واشنطن للقاء بأنه تحول دراماتيكي حقيقي، ونقل التحليل اقتباساً من الرسالة التي بعثت بها واشنطن إلى نتينياهو، حيث يقول النص: “.. بمجرد أن تقوموا بإكمال التكليف الذي قدمناه لكم لجهة القيام بوقف بناء المستوطنات، وبعد إخبارنا بذلك، عندها لن يكون لدينا أي نقطة أو ملاحظة إزاء سفر ميتشل جواً لمقابلتكم..”!
موقع الجمل