صفحات أخرى

كيف سيكون مستقبل الصحف الإنترنتية: تجاري أم مجاني؟

طلال سلامة
طلال سلامة من روما: دخلت أعمال الصحف دوامة لا مثيل لها، حول العالم، في الولايات المتحدة الأميركية كما في القارة الأوروبية القديمة وغيرها من مناطق العالم. كما أن موجة الصعوبات المالية والتسريح والإفلاس طالت العديد من الصحف العريقة العالمية. أما مجموعة “سبرينغر” (Springer) الإعلامية الألمانية، الأكبر أوروبياً وأسسها “أكسيل سبرينغر” في عام 1946 وتحتضن 11 ألف موظفاً وتنتج أكثر من 170 صحيفة منها التابلويد اليومي “بيلد” (Bild) الذي تتخطى مبيعاته 3.3 مليون نسخة ، فان أوضاعها أفضل بكثير من مجموعات صحفية أخرى. يكفي النظر الى العام الماضي، حيث سجلت هذه المجموعة مبيعات ارتفعت 6 في المئة صعوداً الى 2.7 بليون يورو وأرباح صافية رست على 486 مليون يورو. أما في الربع المالي الأول من العام، فان العائدات استقرت عند 80 مليون يورو أي أنها زادت 2.1 في المئة مقارنة بالربع ذاته من العام الماضي. ما يعني أن محرك “دار سبرينغر” الصحفي يواصل إنتاج المال داخل العاصفة! في هذا السياق، اتصلت “ايلاف” برئيس هذه المجموعة ومفوضها العام بالتكليف، “ماتياس دوفنير”، 46 عاماً، في مكتبه بمدينة برلين، للدردشة حول قضايا من شأنها رسم الخريطة المستقبلية لأعمال الصحف. في ما يلي نص الحوار الذي أجراه معه طلال سلامة من روما:
سؤال: ما هي الوصفة السحرية لمواصلة جني الأرباح مع الصحف؟
جواب: لا نحتاج الى السحر والشعوذة. ان نجاح مجموعتنا الصحفية يتعلق، قبل كل شيء، بإعادة هيكلة صحفنا ومكاتب التحرير داخلها. في حين تقوم مجموعات أخرى بإغلاق صحفها والتسريح بالجملة والمفرق بدأت مجموعة “أكسيل سبرينغر” (Axel Springer) إهداء الأسهم الى موظفيها ودفع جوائز إنتاجية لهم.
سؤال: هل عانيتم من تراجع في الإيرادات المشتقة من الإعلانات؟
جواب: نحن نتعلق، لحسن الحظ، قليلاً بمسار هذه الإيرادات الإعلانية الصغيرة التي تمثل 6 في المئة فقط من إجمالي العائدات. كما أننا قمنا بالاستثمار كثيراً، وقبل مجموعات أخرى. اليوم، فان وسائلنا الإعلامية أون لاين تستأثر ب17 في المئة من المبيعات، وفي الربع الأول من العام ارتفعت حركة الإعلانات أون لاين، لدينا، بنسبة 27 في المئة.
سؤال: لنتوقف قليلاً على النسخة الورقية. لنأخذ مثلاً التابلويد “بيلد” الأكثر شهرة لديكم، الذي طالما احتقرته الطبقة اليسارية المثقفة وشخصياتها العريقة كما الحائز على جائزة نوبل “اينريش بول” و”غونتر غراس”. أنتم تبيعون كل نسخة من صحيفة “بيلد” مقابل 50 سنتاً(من اليورو). هل تعزون نجاحكم الى هذه الأسعار الرخيصة جداً؟
جواب: ان “بيلد” الصحيفة الأكثر انتشاراً بأوروبا ويقرأها يومياً 12 مليون شخصاً. بالطبع، فانك لا تشتري نسخة من صحيفة عريقة مقابل 50 سنتاً. لكن وظيفة صحيفة “بيلد” الشعبية تتمحور حول حفز الناس على قراءة الأخبار. في عام 1900، كان 10 في المئة من سكان ألمانيا يقرءون الصحف. أما اليوم، فهم أكثر من 70 في المئة ويعود الفضل في ذلك أيضاً الى هذا التابلويد.
سؤال: ثمة أزمة راهنة ذات رأسين، مالي وصحفي، يعاني العديد منها. هل تشعرون بهذه المعاناة؟
جواب: بفضل الإنترنت، سجلنا في الربع المالي الأول من العام نتائج جيدة. لكننا نعاني من هذه الأزمة ولن تسجل موازنة العام نتائج قياسية كما العام الماضي. مع ذلك، نريد الخروج سالمين من هذه الأزمة.
سؤال: هل أنتم تبالغون بهذا التفاؤل؟
جواب: أبداً. ان الصحف، ورقية كانت أم لا، لم تمت كما يكرره العديد على ألسنتهم. ان الصحف تبقى القاعدة الأكثر موثوقية وذكاء في المجتمع الديموقراطي. أنا أؤمن بأن الأعمال الصحفية الجيدة لها مستقبل براق.
سؤال: ان نظرنا الى الولايات المتحدة الأميركية لرأينا العديد من الصحف، حتى الشهيرة منها، التي أوشكت على الإفلاس. ما هو تقويمكم؟
جواب: أنا أعتقد ان الصحف الأميركية اليومية لم يكن لها قط لا الدور ولا النوعية التي تتمتع بها الصحف الأوروبية. في الحقيقة، فان الصحافة بأوروبا(أنا أقول ذلك بصفة مستشار في مجموعة تايم وورنر) افضل من تلك الأميركية. كما هي مُدراة بصورة أفضل.
سؤال: لكن ما نفعل نحن هنا(كصحافيين) وأنتم(كمديرين) على نحو أفضل من الأميركيين؟
جواب: ان الصحف الأوروبية تراهن أكثر من تلك الأميركية على المحتويات الثقافية. أما مديري الصحف بأوروبا فانهم استغلوا موجة الإنترنت بصورة أفضل. مقارنة بالصحف الأوروبية، فان تلك الأميركية ما تزال ديناصورات من الورق.
سؤال: في العام الماضي، جنت مجموعتكم “سبرينغر” من الشبكة العنكبوتية 60 مليون يورو تقريباً من الأرباح الصافية. ما هي توقعاتكم للمستقبل؟
جواب: في السنوات العشر القادمة، ستواصل مجموعتنا تطورها كشركة متعددة الوسائط. ما يعني أن 50 في المئة من الأرباح سيعتمد على الصحف الورقية والنصف الثاني على الإنترنت.
سؤال: لغاية اليوم، استثمرت “سبرينغر” في 60 مشروعاً أون لاين. كم ستستثمرون هذه السنة؟
جواب: لغاية الآن، فإننا استثمرنا بضعة مئات من ملايين اليورو في القطاع الرقمي. في العامين القادمين، قد نستثمر 300 الى 500 مليون يورو. بين الأنشطة العشرة الأبرز على الإنترنت، فان سبعة منها تحقق أرباحاً مع مردود يقارب 20 في المئة. كما ثمة شركتين، هما الأكثر تنافسية داخل مجموعتنا، موجودتين على الإنترنت وتحققان اليوم مردوداً بنسبة 38 في المئة. وهما محرك البحث (Idealo) و(Feminin.com).
سؤال: هل ننسب هذه الأرباح الى الإعلانات حصراً؟
جواب: ان معظم مواقعنا الإنترنتية تتلقى تمويلاً اليوم، بصورة رئيسية، من الإعلانات وكذلك من بعض أنواع التجارة الإلكترونية. من المؤكد أن مستقبل الخدمات أون لاين سيتجه أكثر فأكثر نحو ما هو معروف باسم (Pay Content) أي أن القارئ أم المشترك عليه أن يدفع لتصفح المحتويات الإعلامية الإنترنتية.
سؤال: يشير روبرت مردوخ، مالك صحيفة “وول ستريت جورنال”، الى أن عهد الصحف الإنترنتية المجانية قد انتهي. هل توافقونه الرأي؟
جواب: انه على حق. بالطبع، فإننا سنمر بمرحلة معالجة طويلة مع صيغ مختلفة للدفع انطلاقاً من المحتويات الخاصة. في النهاية، ستتحرر الصحافة الإنترنتية من قفصها الحالي، الذي يجعلها مجانية بالكامل تقريباً.
سؤال: لما علينا الدفع للحصول على محتويات وأخبار عبر الإنترنت؟
جواب: علينا القضاء على عهد “الشيوعية” الرقمية. فهي مجرد وهم وربما سوء تفاهم. صحيح أن المحتويات الصحفية على الإنترنت عليها أن تبقى مفتوحة للجميع. بيد أن مواصلة عرضها بصورة مجانية خطأ فادح. فالصحافة الجيدة لها سعرها. وواجبنا كرؤساء تحرير تكريم جهود الموظفين، في مكاتب التحرير، ودفع المتعاونين معنا. ان عدم المساواة، المتفشية اليوم على الإنترنت، تتمثل في قيام البعض بإنتاج محتويات أصلية يقوم الآخرين بسرقتها. لذلك، فان مسألة حماية حقوق النشر (Copyright) ستكون قضية مركزية لمستقبل الشبكة العنكبوتية.
سؤال: هل تعتقدون أنه ينبغي محاربة المبادرات الشخصية على الإنترنت أم محركات البحث الكبرى كما غوغل؟
جواب: نحن لا نريد محاربة غوغل إنما نسعى الى تعاون أكثر دقة منهم. أنا أعتقد أن مديري محركات البحث الإنترنتية أذكياء ويعلمون جيداً أن كل من ينتج محتويات على الإنترنت يسعى الى مواصلة البقاء على قيد الحياة في السوق.  ويستطيع ذلك بواسطة جني الأرباح من الإنترنت. ان محركات البحث قد تموت من دون الصحف الإنترنتية. لذلك، فان عليها أن تدفع هذه الصحف مقابل الحصول على المحتويات والأخبار.
سؤال: هل سيكون الإنترنت في المستقبل بمثابة فاتورة مماثلة لفاتورة الهاتف؟
جواب: على الأرجح نعم. نحن ندفع اليوم لكل رسالة نصية نرسلها عبر الهاتف المحمول. في المستقبل، سيشهد العالم ولادة جيل جديد من الشركات علينا أن ندفع لها مقابل كل نقرة أم زيارة على الإنترنت. أي أننا مقبلين على أنواع جديد من صيغ الدفع صغيرة القيمة (Micro-payment). يكفي النظر الى وظائف “آي فون” وهو أحد المنصات المستقبلية للصحافة عبر الإنترنت. ان عالم الصحافة موجود اليوم في منعطف حساس. ان تحويل الصحافة من صيغتها الورقية الى منصات متعددة الوسائط سيحلق عالياً عندما يوافق الجميع على فكرة أن ليس كل شيء موجود على الإنترنت مجاني بالقوة.
سؤال: هل تعتقدون أن الطبقة السياسية فهمت ذلك؟
جواب: نعم. فترويج نوعية جيدة من الصحافة على الإنترنت ينصب في مصالحها. أنا لست بصدد الدفاع عن المصالح الرأسمالية، لمجموعتي أم أي مجموعة إعلامية أخرى. بل أنا أدافع عن قواعد الديموقراطية.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى