القطار السعودي
ساطع نور الدين
اقلع قطار المصالحة اللبنانية السورية بمحرك سعودي سبق أن عمل طويلاً على خط دمشق بيروت. الأكثرية في حيرة وارتباك، والأقلية في غبطة وارتياح. وكلتاهما تجادل في المدى الذي يمكن ان تبلغه الرياض، انطلاقاً من حاجتها الى ضمان الاستقرار في لبنان في ظل بقاء الحكم في يد حلفائها الذين حققوا فوزاً ساحقاً في الانتخابات النيابية الأخيرة، وطموحها الى كسب سوريا واستعادتها من حضن الخصم الإيراني، استعداداً لتحولات إقليمية كبرى في العراق وفلسطين وايضاً في ايران نفسها.
الهجوم الدبلوماسي السعودي الحالي على دمشق لا يشن من موقع ضعف، لكنه لا يخاطب سوريا من موقع قوة أيضاً. الفوز الانتخابي للأكثرية اللبنانية لا يكفي للإعلان ان لبنان فك ارتباطه بجارته الشرقية او حقق، كما يحلو للبعض من اللبنانيين القول هذه الايام، الانفصال الثاني بين الدولتين، بعد الانفصال الاول الذي جرى في مطلع القرن الماضي، وهو ما يعبر عن موقف انتقامي من تجربة بائسة في العلاقات الثنائية امتدت لثلاثين عاماً.. وانتهت الى غير رجعة، اياً تكن مخاوف بعض الأكثريين وتمنيات معظم الأقليين!
ثمة بداية جديدة للعلاقات اللبنانية السورية قد تكون من نقطة الصفر تقريباً، لا من حيث توقفت مع التمديد المشؤوم للرئيس اميل لحود ومن ثم صدور قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559 في العام 2004. وكل ما يقال الآن عن العودة الى ما قبل الدخول العسكري السوري الى لبنان في حزيران العام 1976، هو كلام في غير محله ويقع خارج السياق التاريخي الذي قطعه اللبنانيون والسوريون، ومعهم الفلسطينيون أساساً، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
لكن المشكلة ان الجانب اللبناني المتمثل بالأكثرية النيابية مدعو هذه المرة لتحديد نقطة الصفر التي يريد ان يبدأ منها النقاش مع دمشق، ولتقديم عروضه لإعادة تأسيس العلاقة الثنائية، آخذاً في الاعتبار الحاجة السعودية الملحة إلى استيعاب سوريا مهما كلف الأمر. وهو ما يعني انه مطالب سلفاً بتقديم الكثير من التنازلات التي لا تقتصر فقط على طي ملف قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والمحكمة الدولية من أجل ان يضمن وصوله الى السلطة، ويتمكن من تحقيق شراكة ثابتة وهادئة مع حلفاء دمشق الأقوياء.
قد يبدو ثمن فتح النقاش مع دمشق باهظاً على المستوى السياسي والشعبي للأكثرية، لكن العبرة هي في التسوية التي سيتم التوصل اليها في ما بعد حول مجمل العلاقات اللبنانية السورية. بديهي القول إن كلمة الرياض ستكون جازمة في هذا السياق، لأن لبنان الذي يعتبر مقياساً عربياً وعالمياً مهماً لسلوك سوريا لن يصبح خارج دائرة نفوذها، او بعيداً عن مصالحها الوطنية، مهما تغيرت الأحوال الإقليمية وتبدلت موازين القوى، التي لا يمكن لأي لبناني أن يدّعي أنها حسمت نهائياً لمصلحة فريق الاعتدال العربي، برغم التحولات اللبنانية والفلسطينية والإيرانية والعراقية الأخيرة.
اما الثمن الذي يفترض ان تقدمه دمشق من اجل ملاقاة القطار السعودي، فإن الأقلية اللبنانية لن تجد صعوبة في دفعه لدى التوقف في المحطة الأولى من تلك المصالحة التي طال تأخرها.
السفير